السؤال
لي ابن يدرس في الجامعة، وهو يقيم مع أمه وإخوانه في الأردن، وأنا مغترب في السعودية، ومن محادثاتي تبين لي أنه يترك البيت ليلا فترات طويلة بالرغم من أني حذرته أكثر من مرة.
سؤالي هو هل يجوز لي أن أتبرأ منه، وأمنعه من دخول المنزل، وأحرمه من المصروف كوني اعتبرته ولدا عاقا لم يسمع ويلتزم بما يعدني به وأكثر من مرة. وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقبل الإجابة عن سؤالك ننبهك على أن غياب الرجل عن أسرته له آثار سيئة على جميع أفراد الأسرة ابتداء بزوجته وانتهاء بأصغر أولاده، ولذا فإنا ننصحك بعدم الغياب عن أسرتك فترة طويلة، فإما أن تستقدمهم إليك في غربتك، وإما أن ترجع أنت إليهم، فإن كان ولا بد من فراقهم فليكن رجوعك إليهم على فترات متقاربة تتفقد فيها أحوالهم ومصالحهم.
أما بخصوص تغيب ولدك عن البيت مع نهيك له عن ذلك، فهذا عقوق منه ولا شك لأن طاعة الوالد في المعروف واجبة، ولكنا نوصيك بالتريث وعدم إساءة الظن، فربما كان تغيبه عن البيت لفعل من أفعال الخير كمصاحبة بعض الصالحين واجتماعهم على طاعة الله، أو استذكار دروسهم ونحو ذلك، وهذا لا يستدعي منك هذا الغضب، وإن كنا لا نبرر لهذا الابن مخالفة أمرك، فإن طاعة الوالدين مقدمة على نوافل العبادات على تفصيل ليس هذا محله.
أما إن تبين لك أن غيابه عن البيت لفعل بعض المعاصي والمخالفات فعليك حينئذ بنصحه وبذل أسباب الهداية له من الدعاء له، وإلحاقه بصحبة صالحة ونحو ذلك.
فإن أصر على ما هو عليه فيجوز لك أن تتبرأ من عمله الفاسد، بل يجب هذا عليك فقد قال تعالى لنبيه: فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ {الشعراء:216}، فقد أمره الله تعالى أن يتبرأ من معصية أتباعه، قال الإمام الألوسي في روح المعاني: فإن عصوك يا محمد في الأحكام وفروع الإسلام بعد تصديقك والإيمان بك وتواضعك لهم فقل إني بريء مما تعملون من المعاصي، أي أظهر عدم رضاك بذلك وإنكاره عليهم.. انتهى.
أما عن مسألة ترك الإنفاق عليه فمبنية على مسألة النفقة هل تجب للأبناء البالغين أم لا؟ وجمهور العلماء على أن الولد البالغ القادر على الكسب لا تجب نفقته على أبيه، وخالف في ذلك الحنابلة فقالوا بوجوب نفقته على أبيه إذا كان فقيرا، قال المرداوي في الإنصاف: شمل قوله (وأولاده وإن سفلوا) الأولاد الكبار الأصحاء الأقوياء إذا كانوا فقراء وهو صحيح، وهو من مفردات المذهب. انتهى.
وعلى القول بوجوب الإنفاق عليه فإن الظاهر أنه لا يجوز منع النفقة عنه لمجرد عقوقه لأن هذا حق ثبت على الأب بعلة الأبوة فلا يسقطه العقوق، ولكن للأب أن يقتصر في الإنفاق عليه في الضروريات والحاجيات من مطعم وملبس وعلاج ونحو ذلك، ويمنعه ما فوق ذلك مما يجري مجرى التحسينيات.
وعلى كل حال فإنا ننصحك بمواصلة الإنفاق عليه وتمكينه من السكن في البيت، إلا إذا علمت أنه يأخذ منك المال ليستعين به على المعصية فحينئذ لا يجوز لك أن تعطيه ما يعينه على المعصية، واكتف بتركه يأكل ويشرب في البيت كسائر إخوانه مع توفير ضروراته وحاجاته من لباس ونحوه.
وتبقى مسألة طرده من البيت وهجره خاضعة للنظر في الموازنة بين المصالح والمفاسد، فإن غلب على ظنك أن هذا قد يصلحه فيجوز لك أن تفعله، وإن غلب على ظنك أن هذا سيزيده سوءا فحينئذ لم يبق أمامك إلا الصبر عليه ومحاولة استصلاحه.
والله أعلم.