السؤال
أريد أن أستفتي عن ما يلي: عقد علي رجل عقد زواج ولم يتم الدخول بيننا ولا خلوة منذ ثلاث سنين - وهو غائب - عن طريق الوكالة، وأبى أن يأتي ويتم الزواج، وقاطعني منذ فترة، وليس عندي عنوان له، فطلبت من المحكمة الشرعية الطلاق، فطلبوا مني عنوانا له، فأعطيتهم عنوانا في البلد الذي أعيش فيه على أن يتم التبليغ. فهل الحكم الصادر يعتبر طلاقا لي؟ وشكراً.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن كان الأمر كما قلت، ولم يكن لزوجك عذر فيه فهو آثم بهجرانك تلك المدة الطويلة، وتركك معلقة لا متزوجة ولا مطلقة، وسواء كان معذوراً فيما ذكر أو لم يكن، فإنه يحق لك رفع الأمر للمحكمة الشرعية لإزالة الضرر. فإن كنت أعطيت المحكمة عنواناً في بلدك يمكن منه خلاله الاتصال بزوجك وتبليغه، أو انقطع خبره ولم يمكن الاتصال به، وحكم عليه بالطلاق لدفع الضرر عنك، فيكون هذا الحكم طلاقاً نافذاً وبائناً.
قال الدسوقي المالكي في حاشيته: من جملة أمر الغائب فسخ نكاحه لعدم النفقة، أو لتضرر الزوجة بخلو الفراش، فلا يفسخ نكاحه إلا القاضي ما لم يتعذر الوصول إليه -أي إلى القاضي- حقيقة أو حكماً بأن كان يأخذ دراهم على الفسخ، وإلا قام مقامه جماعة المسلمين كما ذكر ذلك شيخنا العدوي. انتهى.
وفي أسنى المطالب لزكريا الأنصاري الشافعي: نعم إن انقطع خبر الغائب ثبت لها الفسخ، لأن تعذر النفقة بانقطاع خبره كتعذرها بالإفلاس نقله الزركشي عن صاحب المهذب والكافي وغيرهما. انتهى.
ويتفرع على ما ذكر موضوع النفقة والمهر، فبخصوص النفقة فلا تستحقينها عما مضى إلا بعد أن يرسل قاضي بلدك إلى زوجك فيأمره بالحضور ويمضي وقت يمكن وصوله فيه إليك، فإن امتنع عن الحضور واستقدامك إليه حكم لك القاضي بالنفقة من مال زوجك إن كان له مال هناك، وإلا حكم بالطلاق لعدم النفقة. ففي دقائق أولى النهى ممزوجاً بمنتهى الإرادات للبهوتي الحنبلي: (ومن بذلته) أي التسليم (وزوجها غائب لم يفرض لها) حاكم شيئاً، لأنه لا يمكن زوجها تسلمها إذن (حتى يراسله حاكم) بأن يكتب إلى حاكم البلد الذي هو به فيعلمه ويستدعيه (ويمضي زمن يمكن قدومه) أي زوجها الغائب (في مثله) فإن سار إليها أو وكل من له حملها إليه وجبت النفقة إذن بالوصول وإلا فرض عليه الحاكم نفقتها من الوقت الذي يمكن وصوله إليها فيه. انتهى.
وفي أسنى المطالب ممزوجاً بروض الطالب لزكريا الأنصاري الشافعي: (فإن كان غائباً عنها فحتى) أي فلا تجب نفقتها حتى (يعلمه القاضي) بأن ترفع الأمر إلى قاضي بلدها وتظهر له التسليم ليرسل إلى قاضي بلد الزوج فيحضره ويعلمه بالحال (ويمضي زمن وصوله للتسليم) بنفسه أو نائبه إذ بذلك يحصل التمكين فإن لم يفعل، ومضى زمن الوصول إليها فرض القاضي نفقتها في ماله وجعل كالمتسلم لأن الامتناع منه. انتهى.
وفي حال الطلاق فلك نصف المهر فقط لحصول الطلاق قبل الدخول.
قال ابن قدامة في المغني: الصداق يتنصف بالطلاق قبل الدخول، لقوله تعالى: وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ. وليس في هذا اختلاف بحمد الله. انتهى.
والله أعلم.