السؤال
الإخوة الأفاضل: جزاكم الله كل خير أود سؤالكم عن موضوع بيع الوفاء والذي صدر قرار من مجمع الفقه الإسلامي بتحريمه، والذي يرتكز على شرط وهو رد المبيع إذا رد البائع الثمن، وقد وجدت في مجلة الأحكام أن الخيار في هذا البيع للبائع والمشتري، فلكل منهما حق استرداد بدله، وبناء على هذا تم صدور قرار المجمع لكنني أود السؤال عن مدى شرعية هذا البيع فيما لو صدر من المشتري وعد للبائع برد المبيع إذا هو رد الثمن فهل يغير هذا الحكم؟ مع علمكم بالفرق في الآثار المترتبة على كل من الشرط والوعد، ولقد وجدت هذا التفريق في الحكم عند بعض الفقهاء فأجازوا البيع إذا كان الشرط على سبيل المواعدة. انظر البحر الرائق ج6 ص 8-7.
راجيا منكم إفادتي، جزاكم الله خيراً.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فبيع الوفاء أو بيع الأمانة أو بيع المعاملة أو بيع الإطاعة هو أن يبيع المحتاج إلى النقود عقاراً أو منقولاً صالحاً للبقاء مدة طويلة على شرط استرداد البائع له عندما يعيد الثمن للمشتري، وإنما يسمى ـ بيع الوفاءـ لأن المشتري يلزمه الوفاء بالشرط، وهذا النوع من البيع فاسد عند جمهور أهل العلم من المالكية والحنابلة والمتقدمين من الحنفية والشافعية، ونص قرار مجمع الفقه الإسلامي على عدم جوازه، وقد فصلنا القول في ذلك في الفتوى رقم: 96958.
وبعض الحنفية نصوا على جوازه ولو بالشرط، وبعضهم منع الشرط وأجازه بالوعد مع لزوم الوفاء عندهم به في ذلك مع اشتراط تأخر الوعد عن العقد ليكون العقد صحيحاً، والقائلون منهم بجوازه استثنوه للحاجة إليه، وقد ذكر العلامة الحنفي ابن نجيم في البحر الرائق الخلاف فيه بين أئمة الحنفية وقال: صورته أن يقول البائع للمشتري بعت منك هذا العين بدين لك علي على أني متى قضيت الدين فهو لي، أو يقول البائع بعتك هذا بكذا على أني متى دفعت لك الثمن تدفع العين إلي، فقد اختلفوا فيه على ثمانية أقوال، الثالث ما اختاره قاضي خان وقال: الصحيح أنه إن وقع بلفظ البيع لا يكون رهناً ثم إن شرطا فسخه في العقد أو تلفظا بلفظ البيع بشرط الوفاء أو تلفظا بالبيع وعندهما هذا البيع غير لازم فالبيع فاسد، وإن ذكرا البيع بلا شرط ثم شرطاه على وجه المواعدة جاز البيع ولزم الوفاء، وقد يلزم الوعد لحاجة الناس فراراً من الربا، فبلخ اعتادوا الدين والإجارة وهي لا تصح في الكروم، وبخارى الإجارة الطويلة ولا يكون ذلك في الأشجار فاضطروا إلى بيعها وفاءً، وما ضاق على الناس أمر إلا اتسع حكمه. انتهى منه باختصار.
وعلى كل فالمواطأة بين البائع والمشتري على الوعد بعد العقد مع لزوم الوعد كالشرط في العقد، وبناء عليه فهي حيلة لا تغير من حكم ذلك البيع شيئاً والقول بأن ذكر الشرط الفاسد، إذ الشرط اللاحق يلتحق بأصل العقد عند أبي حنيفة كما جاء في معين الحكام من كتب الحنفية، وأما إذا قيل بعدم لزوم الوفاء بالوعد وإنما هو مستحب فحسب، كما بينا في الفتوى رقم: 12729.
فلا حرج فيه ولا تأثير له في العقد ويكون البيع صحيحاً ماضياً ولكل من المتبايعين أن يفي بوعده إن شاء، ولكن هذا غير موجود في هذا البيع ولذا قالوا بلزوم الوفاء بالوعد ولو لم يكن كذلك لما أقدم عليه من يريده فالراجح هو منعه وفساده إن وقع إذ العبرة في العقود بمعانيها لا بألفاظها ومبانيها، وهذا البيع مخالف لمقتضى أحكام البيع وحيلة على الربا والحيلة مخادعة، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود، فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل. رواه ابن بطة وحسنه شيخ الإسلام.
وبذلك وقع قول جمهور أهل العلم وإليه مالت المجامع الفقهية فهو بيع محرم والأسباب المشروعة أكثر من أن يلجأ المرء إلى تلك الحيل المفضية إلى الوقوع في الربا المحرم، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: ليأتين على الناس زمان لا يبقى أحد إلا أكل الربا، فإن لم يأكله أصابه من غباره. رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه.
والله أعلم.