السؤال
أولا جزاكم الله خيرا عنا وعن المسلمين.
الموضوع باختصار شديد أن لي أخا متدينا ورقيق القلب ولا نزكي على الله أحدا، ويملك شركة تدر عليه دخلا طيبا والحمد لله، ولكني لاحظت أنه يولي إدارتها لاثنين من الرجال ظاهر فسوقهم وفساد أخلاقهم - هداهم الله - فهم يصرحون بفعلهم المعاصي والفواحش نهارا جهارا أمام موظفي الشركة، وعندما ألمحت إلى أخي بأني أخاف أن يصيبه من قلة البركة ولو النزر اليسير بسبب هؤلاء تعلل بأن أخلاقهم في المعاملة جيدة وبأنهم يعملون بجد وبجهد عالي مما يدخل إيرادات جيدة للشركة. إني والله أعلم أخاف على أخي وأريد نصيحتكم بهذا الخصوص؟
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن كان هؤلاء الرجال الذين يوليهم أخوك إدارة شركته لا يترتب على إدارتهم للشركة معاملات مالية محرمة أو ارتكاب محاذير شرعية في حدود العمل، بل كان الإشكال أنهم فساق في أنفسهم، فاستئجارهم وتوظيفهم ليس بحرام، فإن استئجار الكافر فضلا عن الفاسق جائز، بل إن مشاركة أمثال هؤلاء تجاريا جائزة. ولكن الأفضل بلا شك أن يختار المسلم لعمله وتجارته أجراء من ذوي الخلق والدين والأمانة، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 17220.
هذا من ناحية الحلال والحرام في المكاسب، أما من ناحية الصحبة والمجالسة فمعاملة هؤلاء إن لم تضر فلن تنفع. وقد سبق لنا في الفتوى رقم: 116068. بيان أن مجرد صحبة أو مجالسة المجاهر بالمعصية المفتخر بها مضرة في الدين والدنيا. وللاستزادة في ذلك يمكن الاطلاع على الفتويين: 34422، 28697.
وعلى أية حال فإنه يلزم أخاك ما دام عرف حقيقة حالهم أن يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويدعوهم إلى الخير ويبذل لهم النصيحة؛ أداء لحق الله تعالى، واستنقاذا لهم من الضلالة، فإن أصروا على ما هم عليه فالأولى بلا شك أن يستبدل بهم غيرهم من أهل الخير والصلاح والكفاءة والأمانة، فإنه يخشى عليه إن لم يفعل ذلك أن يكون معينا لهم على فجورهم بتوظيفه إياهم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل.
وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواهما مسلم.
ثم ننبه على أن كثرة المال وزيادة الأرباح إن نزعت منها البركة فإنها لا تعود على صاحبها بخير في دينه ولا نفع في دنياه. وقد سبق في الفتوى رقم: 27524. بيان أن المعاصي سبب لدفع الرزق ومحق البركة.
والله أعلم.