السؤال
أنا صاحب السؤال رقم: 2222460،جزاكم الله خيرا على تفصيل الفتوى، ولكن أوضح بعض الأشياء: أن القرض حسن وأنني ليس في مقدوري رد الهدايا التي يدخل علي بها أو إخراج ما يقابلها ،لأنها في أوقات كثيرة تكون غالية الثمن ورزقي محدود. فما العمل جزاكم الله خيراً مع حرصي وزوجتي على صلة الرحم في قبول هداياه؟ الرجاء سرعة الرد حيث إنني في كرب؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد كان جوابنا على سؤالك المذكور واضحاً، ونزيدك هنا إيضاحاً فنقول، إن كان عين مال هذا الرجل محرماً بأن كان يكتسبه كله من حرام، أو كنت تتعامل معه في عين المال المحرم على ما ذكرنا لك في الفتوى السابقة، فلا يجوز لك التعامل معه بحال، لا ببيعٍ ولا اتهاب، ولا اقتراض، وسواء كان القرض الذي تقترضه منه قرضاً حسنا على ما تقول، أو قرضا ربوياً، فإن اقتراض عين المال المحرم لا يجوز.
وأما إن كان ماله مختلطاً فتعاملك معه بالاقتراض الحسنِ وقبول الهبة، ونحو ذلك جائزٌ مع الكراهة.
ولا يجوزُ لك ولزوجتك قبول هديته إن كان جميعُ ماله محرماً، أو كانت الهدية من عين المال المحرم بدعوى صلة الرحم، فإنكم إن أردتم صلته حقا فناصحوه، وبينوا له خطورة ما هو مقيمٌ عليه من المعصية، ولعل امتناعكما من قبول هديته يكونُ زاجراً له، ورادعاً عن الاستمرار في تعاطي الكسب الخبيث، ولا يجوزُ لمسلمِ أن يلتمس رضا الناس بسخط الله عز وجل، بل عليكما أن تجعلا مرضاة الله وطاعة أمره فوق كل اعتبار .
وأما ما أنفقته مما دخل في ملكك من هذا المال المحرم إذا كنت عاجزاً عن الصدقة به، وكنت تائبا إلى الله عز وجل من أخذه، وعازماً على عدم أخذ شيء منه في المستقبل، فإن الصدقة به لا تلزمك، لأن هذا المال ليس له مالكٌ معين، فيُجعل في مصالح المسلمين أو في الفقراء والمساكين، والمحتاجين من المسلمين، فإذا كنت محتاجاً لهذا المال لم تجب عليك الصدقة به، وإن أردت التورع عنه بأن يصير ديناً في ذمتك، فتتصدق به عند القدرة واليسار فهو أحسن وأولى، ونحنُ نسوق لك من كلام النووي في شرح المهذب ما يتبين لك به حكم المال الحرام وكيفية التصرف فيه.
قال رحمه الله: قال الغزالي: إذا كان معه مال حرام وأراد التوبة والبراءة منه، فإن كان له مالك معين وجب صرفه إليه أو إلى وكيله، فإن كان ميتا وجب دفعه إلى وارثه، وإن كان لمالك لا يعرفه ويئس من معرفته فينبغي أن يصرفه في مصالح المسلمين العامة كالقناطر، والربط، والمساجد، ومصالح طريق مكة ونحو ذلك مما يشترك المسلمون فيه، وإلا فيتصدق به علي فقير أو فقراء، وإذا دفعه إلى الفقير لا يكون حراما على الفقير بل يكون حلالا طيبا، وله أن يتصدق به على نفسه وعياله إذا كان فقيرا، لأن عياله إذا كانوا فقراء فالوصف موجود فيهم بل هم أولى من يتصدق عليه، وله هو أن يأخذ منه قدر حاجته لأنه أيضا فقير، وهذا الذى قاله الغزالي في هذا الفرع ذكره آخرون من الأصحاب وهو كما قالوه، ونقله الغزالي أيضا عن معاوية بن أبى سفيان وغيره من السلف عن أحمد بن حنبل والحارث المحاسبي وغيرهما من أهل الورع لأنه لا يجوز إتلاف هذا المال ورميه في البحر فلم يبق إلا صرفه في مصالح المسلمين. انتهى بتصرف.
والله أعلم.