الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فأكثر مدة النفاس أربعون يوماً على الراجح من أقوال أهل العلم، ولا حد لأقل النفاس، فمتى رأت المرأة الطهر قبل مضي الأربعين اغتسلت وصلت، ولها جميع أحكام الطاهرات، وانظري الفتوى رقم: 9182.
فإذا رأت المرأة صفرة أو كدرة بعد طهرها من النفاس فحكمه حكم الاستحاضة عند بعض العلماء، ولا تكون له أحكام النفاس.
قال الشيخ عبد الله بن جبرين حفظه الله: إذا رأت كدرة ،أو صفرة، في الليل، أو النهار بعد الطهر من الحيض أو النفاس فلا تعد ذلك مانعاً لها من العبادة، وتحل لزوجها عند الحاجة. انتهى.
ويظهر من كلام العلامة ابن باز رحمه الله أن عود الصفرة والكدرة في مدة الأربعين حكمه حكم عود الدم فيها لأنها صفرة وكدرة في مدة العادة، فكان حكمها حكم النفاس. قال رحمه الله: ما يخرج من المرأة بعد الولادة حكمه كدم النفاس سواء كان دماً عادياً، أو صفرة، أو كدرة، لأنه في وقت العادة حتى تتم الأربعين. انتهى.
وإذا عاودها الدم في مدة الأربعين فإن مذهب الحنابلة أنه دم مشكوك فيه، أي لا يدرى هل هو حيض أو استحاضة؟ فيلزم المرأة أن تصلي وتصوم مع وجوده، ثم تغتسل بعد انقطاعه، وتقضي واجب الصوم.
قال في الروض المربع: فإن عاودها الدم في الأربعين (فمشكوك فيه) كما لو لم تره ثم رأته فيها (تصوم وتصلي) أي تتعبد، لأنها واجبة في ذمتها بيقين، وسقوطها بهذا الدم مشكوك فيه (وتقضي الواجب) من صوم ونحوه احتياطاً. انتهى.
وذهب جمع من محققي العلماء إلى أن الدم العائد في الأربعين نفاس، وهذا القول هو الراجح.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: إذا طهرت النفساء في الأربعين فصامت أياما ثم عاد إليها الدم في الأربعين، فإن صومها صحيح، وعليها أن تدع الصلاة والصيام في الأيام التي عاد فيها الدم، لأنه نفاس حتى تطهر أو تكمل الأربعين. انتهى.
وفي حاشية الروض فيمن عاودها الدم في الأربعين: وعنه -أي الإمام أحمد- هو نفاس تدع له الصوم والصلاة، وهو قول كثير من العلماء، واختاره الموفق وغيره. انتهى.
وأما ما جاوز الأربعين من الدم فهو استحاضة، فتغتسل المرأة بعد انقضاء الأربعين ويلزمها ما يلزم المستحاضة من التحفظ بشد خرقة على الموضع، والوضوء لكل صلاة بعد دخول وقتها، إلا إن وافق هذا الدم عادة المرأة فهو حيض ما لم يجاوز عادتها، فإذا جاوز العادة فإن ما جاوز العادة يُحكم بأنه استحاضة حتى يتكرر كما هو مذهب الحنابلة.
جاء في الروض المربع وحاشيته: وإن جاوز الدم الأربعين وصادف عادة حيضها ولم يزد أو زاد وتكرر فحيض إن لم يجاوز أكثره، وكذا إن لم يصادف عادة، ولم يجاوز أكثر الحيض وتكرر فحيض، كما صرح به غير واحد، وإن لم يصادف عادة حيض فهو استحاضة، إن لم يتكرر، لأنه لا يصلح حيضاً ولا نفاساً، ولو هجرها الدم ثم أتاها في عادتها فهو حيض، لأنه لا حد لأكثر الطهر، وإن زاد على العادة وجاوز أكثر الحيض فاستحاضة. انتهى. وهذا كله مذهب الحنابلة وهو المفتى به عندنا، وانظري لذلك الفتوى رقم: 59705.
وذهب الشافعية وغيرهم إلى أن أكثر النفاس ستون يوماً، ولهذا القول حظ من النظر، وقد رجحه العلامة العثيمين رحمه الله، ولا حرج عليك في أن تعملي بهذا القول وعلى هذا القول فلا إشكال، فإن ما رأيته من الدم نفاس كله، لأنه لم يعبر أكثر النفاس وهو ستون يوماً على هذا المذهب، وعلى القول الأول وهو المرجح عندنا فيكون طهرك في اليوم السادس والثلاثين طهرا صحيحا، وجب عليك الغسل عنده، ثم ما رأيته في اليوم الثامن والثلاثين فالظاهر أنه كدرة -وعلى ما نقلناه عن الشيخ ابن باز- يكون حكمها حكم دم النفاس، وما رأيته بعد ذلك من دم في اليوم التاسع والثلاثين فهو نفاس، وما استمر منه بعد الأربعين فإن صادف زمن عادتك فهو حيض، وإلا فهو استحاضة، وإن حكمنا بأنه استحاضة فكان يجب عليك أن تغتسلي بعد انقضاء الأربعين ثم تفعلين ما تفعله المستحاضة مما قدمنا ذكره.
وإن حكمنا بأنه حيض لموافقته زمن عادتك فإنك تنتظرين حتى ينقطع ما لم يتجاوز أكثر الحيض وهو خمسة عشر يوماً، فيحكم لك بعد انقضائها بأنك مستحاضة، والواقع أن الدم قد انقطع في اليوم الثامن والأربعين، وأنك اغتسلت بعد انقضائه وصليت، وجامعك زوجك وهذا لا حرج فيه، لأنه جامعك في حال الطهر وهذا جائز، وأما ما عاودك من الدم القليل في اليوم الحادي والخمسين فحكمه على ما تقدم، فإن اعتبرنا ما مضى بعد الأربعين حيضاً فهو حيض كذلك يجب عليك أن تغتسلي بعد رؤية النقاء منه، وإن حكمنا بأنه استحاضة فحكمه هو ما تقدم، ثم إن كان الواقع أنك كنت مستحاضة لكون هذا الدم المتصل بالأربعين لم يوافق عادتك فالواجب عليك أن تقضي صلاة تلك الأيام التي تركت صلاتها ظانة بقاء النفاس.
والله أعلم.