الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بيان وتفصيل حول الاختلاط بين الجنسين

السؤال

لم أستطع إرسال السؤال في صفحة سؤال جديد فأرسلته هنا. آسف. وقد فتحت سؤالا جديدا حتى تتم الإجابة هناك رقمه ( 2215947 ). السؤال الجديد: --------------- كنت قد أرسلت إليكم سؤالا من قبل تحت رقم (2211868) والحمد لله استقبلت إجابة مقنعة، لكن قبل ذلك كنت أرسلت نفس السؤال إلى موقع آخر واستقبلت إجابة منهم أيضا على هذا الموقع: حيث يمكنكم رؤية الإجابة بإدخال الرمز: كما قمت بنسخ الإجابة بالأسفل. لكن حسب ما أرى الإجابة جاءت منافية ومتضادة تماما مع أجوبتكم الشيء الذي جعلني حائرا ومستغربا لشهور عدة .. فحسب ما أعرفه أن الإسلام دين واحد .. مشكلتي الآن هو حيرتي في اتباع الطريق المستقيم وأيهما على حق في الإجابة هل أتم أم هم؟، كما أني أخشى أن اتبع أحدا منكم و في يوم القيامة يظهر الآخر هو الذي على الحق و أصبح حينها نادما. وبارك الله فيكم ---------------------------- الإجابة كما جاءت في الموقع السابق: ------------------------------ يقول الأستاذ أحمد زهران إجابة على سؤالك أخي الحبيب/ شمس الدين وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.. وبعد فأشكر لك حرصك على تعاليم دينك، خاصة وأنت في مرحلة الشباب، وأسأل الله أن يكتب لك النجاح في عملك ويوفقك إلى ما يحبه ويرضاه. واعلم أخي أن المدنية الحديثة وضعتنا في أمور لا نُحسد عليها سواء في التعليم أو العمل أو ما أشبه ذلك، وعلماء الاجتماع قرروا أن الإنسان اجتماعي بطبعه أي أنه يميل إلى الاجتماع والمشاركة مع الآخر، ولا يستطيع أن يعيش وحده في عزلة عمن حوله أو عن العالم. ولكننا في مقابل ذلك مطالبون بأن نحسن التعامل مع الأوضاع القائمة وأن نتصرف بحكمة وعقلانية، تجعلنا لا نفرط في تعاليم ديننا، ولا نعتزل المجتمع من حولنا، لأننا مأمورون شرعًا بأن نصلح هذا المجتمع وأن نقومه، حتى يعود إلى صفاء دينه وشريعته، وهذا الإصلاح لا يتأتى لنا إن اعتزلنا الآخر لأفكاره أو تصوراته أو مفاهيمه، بل ينبغي لنا أن نصحح له فكره وتصوراته ومفاهيمه، وأن نبين له سوء فهمه للدين، فلم يكن الدين يومًا من الأيام تعاليم مجردة معزولة عن الواقع، بل هو جاء مراعيًا ظروف الإنسان وبيئته ومجتمعه الذي يعيش فيه. وأود أولاً أن ألفت انتباهك أخي الكريم إلى أمر مهم وهو ما ورد في رسالتك من حكمك على تحدُّث الزملاء إلى الزميلات والعكس بأنه أمر حرام، وهذا مما لا ينبغي أن تقع فيه، أو أن تصدر فيه حكمًا من دون علم؛ لأن الحكم على الأمور لا بد أن يكون بدليل شرعي من الكتاب والسنة، قولاً أو فعلاً، وما بين أيدينا من نصوص يؤكد أن الحكم يخالف ما ذهبت إليه، فقد ردَّت إحدى المسلمات على عمر بن الخطاب رضي الله عنه في المسجد في قضية المهور، وحدث أن رجع عمر إلى رأيها علنًا، وقال :"أصابت المرأة وأخطأ عمر ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن ورود هذه الأمثلة المنضبطة من مخالطة النساء للرجال للحاجة والمصلحة الغالبة، لا ينبغي أن يعمم حكمها، فيحكم بحلِّ الاختلاط مطلقا، طالما لا يقترن بمحذور شرعي آخر كالتبرج والخلوة؛ إذ الأصل في الاختلاط المنع والحظر سواء على وجه التحريم أو الكراهة بحسب الحال؛ لأنه ذريعة للفساد، وقد أمر الله قدوة النساء أمهات المؤمنين فقال: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) وبين الحكمة من ذلك فقال سبحانه: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا {الأحزاب: 33} وهذه حكمة ظاهرة، ولأجلها أيضا قال تعالى: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ) ثم بين العلة فقال: ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ {الأحزاب: 53}.

قال السعدي: لأنه أبعد عن الريبة، وكلما بعد الإنسان عن الأسباب الداعية إلى الشر، فإنه أسلم له، وأطهر لقلبه. فلهذا من الأمور الشرعية التي بين اللّه كثيرًا من تفاصيلها، أن جميع وسائل الشر وأسبابه ومقدماته ممنوعة، وأنه مشروع البعد عنها بكل طريق. اهـ.

وجاء في الموسوعة الفقهية: يختلف حكم اختلاط الرجال بالنساء بحسب موافقته لقواعد الشريعة أو عدم موافقته، فيحرم الاختلاط إذا كان فيه: الخلوة بالأجنبية ، والنظر بشهوة إليها، وتبذل المرأة وعدم احتشامها، أو عبث ولهو وملامسة للأبدان كالاختلاط في الأفراح والموالد والأعياد... يقول ابن فرحون: في الأعراس التي يمتزج فيها الرجال والنساء، لا تقبل شهادة بعضهم لبعض إذا كان فيه ما حرمه الشارع؛ لأن بحضورهن هذه المواضع تسقط عدالتهن.

ويجوز الاختلاط إذا كانت هناك حاجة مشروعة مع مراعاة قواعد الشريعة ولذلك جاز خروج المرأة لصلاة الجماعة وصلاة العيد. اهـ بتصرف واختصار.

ومما لا شك فيه أن فهم الأدلة الشرعية في ضوء السنة العملية والسيرة النبوية وتطبيقات الصحابة في الجيل الأول الذين هم خير الناس ـ هو صمام الأمان من الانحراف، سواء في الفهم أو في التطبيق، ولذلك وعد الله تعالى من اتبعهم بإحسان بالجنة والرضوان، فقال سبحانه: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {التوبة : 100}.

ولو أخذنا مثلا مفصلا لقضية خروج المرأة ومخالطتها للرجال في العهد النبوي، لوقفنا على مراد الشارع الحكيم، وهذا المثال هو خروج المرأة لصلاة الجماعة ومخالطتها للرجال في المسجد، فنرى أولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لهن بالخروج، بل نهى عن منعهن، فقال صلى الله عليه وسلم: لا تمنعوا إماء الله مساجد الله متفق عليه. وانظر الفتوى رقم: 35324 .

وثانيا: نرى هل اكتفى النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الخروج بالآداب العامة كالحجاب وغض البصر والنهي عن الطيب ونحو ذلك، أم زاد على ذلك ما يدفع به اختلاطهن بالرجال ما وجد إلى ذلك سبيلا.

والجواب القاطع: أن النبي صلى الله عليه وسلم مع إذنه لهن بالخروج واجتماعهن مع الرجال في مكان واحد، وهو المسجد: خير البقاع وأبعدها عن الريبة، في أبهى مظاهر الطهر والخشوع والإخبات: الوقوف بين يدي الله في الصلاة، ومع ذلك يشرع النبي صلى الله عليه وسلم لأمته كل ما من شأنه أن يحول بينها وبين المفاسد الغالبة للاختلاط، جمعا بين مصلحة خروجهن ومصلحة منع اختلاطهن بالرجال، فشرع صلى الله عليه وسلم لهن آدابا تراعى في الطريق إلى المسجد، وأخرى عند دخوله، وثالثة حال التواجد فيه وأثناء الصلاة، ورابعة في كيفية الانصراف منه.

· فمن الأول أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من المسجد ذات مرة فاختلط الرجال مع النساء في الطريق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء: اسْتَأْخِرْنَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ ـ أي السير وسطه ـ عَلَيْكُنَّ بِحَافَّاتِ الطَّرِيقِ. فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به. رواه أبو داود، وحسنه الألباني.

فانظر ـ رحمك الله ـ إلى الهدي النبوي في الزجر عن الاختلاط بين النساء والرجال حتى على أبواب المساجد، هذا واللقاء عارض طارئ، لا يتكرر بالظروف نفسها والملابسات ذاتها، مع أشخاص بأعينهم، ثم سل نفسك: فماذا كان النبي صلى الله عليه وسلم سيقول ويفعل لو رأى الاختلاط في مكاتب العمل، يتكرر يوميا، مع الأشخاص أنفسهم، مما يتيح أقرب السبل للتداخل الزائد والتعارف المشبوه، فماذا لو أضفنا ما ذكره السائل من خلو المحادثة مما ينفع، وأن الأمر لا يقتصر على مجرد الحديث بل يمتد إلى المضاحكة، وما يعنيه هذا من التبسط ورفع الحرج. مع وجود اثنتين من المتبرجات !!

ثم لو قارنا هذا الحال بحال الصحابيات الكريمات التي كانت إحداهن تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به. فلا شك أن هذا لو وجد في عصرنا هذا من امرأة مسلمة تريد أن تقتدي بخير الناس جيلا، لوصفت بالجمود والتطرف والتشدد، حتى من بعض أهل الخير فضلا عن غيرهم.

· ومن الثاني: ما رواه نافع عن ابن عمر مرفوعا: لو تركنا هذا الباب للنساء قال نافع: فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات. رواه أبو داود وصححه الألباني.

قال العظيم آبادي في عون المعبود: لئلا تختلط النساء بالرجال في الدخول والخروج من المسجد، والحديث فيه دليل أن النساء لا يختلطن في المساجد مع الرجال بل يعتزلن في جانب المسجد ويصلين هناك بالاقتداء مع الإمام اهـ.

· ومن الثالث: قوله صلى الله عليه وسلم: خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها ، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها. رواه مسلم.

قال النووي: فضل آخر صفوف النساء الحاضرات مع الرجال لبعدهن من مخالطة الرجال ورؤيتهم وتعلق القلب بهم عند رؤية حركاتهم وسماع كلامهم ونحو ذلك، وذم أول صفوفهن لعكس ذلك اهـ.

· ومن الرابع : ما روته أم سلمة أن النساء في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كن إذا سلمن من المكتوبة قمن، وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن صلى من الرجال ما شاء الله، فإذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم قام الرجال. رواه البخاري .

قال الطيبي وتبعه أبو الحسن المباركفوري في شرح المشكاة: أي قعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكانه بعد قيامهن ليتبعه الرجال في ذلك حتى تنصرف النساء إلى البيوت، فلا يقع اجتماع الطائفتين في الطريق، ويحصل الأمن من الفتنة باختلاط الرجال بالنساء في الطريق. اهـ.

وقال ابن بطال: وذلك والله أعلم، خشية الفتنة بهن، واشتغال النفوس بما جبلت عليه من أمورهن عن الخشوع فى الصلاة والإقبال عليها وإخلاص الفكر فيها لله؛ إذ النساء مزينات فى القلوب ومقدمات على جميع الشهوات، وهذا أصل فى قطع الذرائع. اهـ.

ومما يتعلق بخروج النساء للصلاة ما ذكره النووي في شرح مسلم في ذكر علة أمر الحُيَّض من النساء باعتزال مصلى العيد، قال: سببه الصيانة والاحتراز من مقارنة النساء للرجال من غير حاجة ولا صلاة اهـ.

ولا يزال أهل العلم على مر العصور ينبهون ويحذرون من مغبة هذا الاختلاط حتى في مجالس الوعظ وترقيق القلوب.

قال ابن الجوزي في كشف المشكل: ما أحدث القُصَّاص من جمع النساء والرجال ـ يعني في مجلس الوعظ ـ فإنه من البدع التي تجري فيها العجائب من اختلاط النساء بالرجال ورفع النساء أصواتهن بالصياح والنواح إلى غير ذلك، فأما إذا حضرت امرأة مجلس خير في خفية غير متزينة وخرجت بإذن زوجها وتباعدت عن الرجال وقصدت العمل بما يقال لا التنزه كان الأمر قريبا مع الخطر اهـ.

وقال ابن القيم في الطرق الحكمية: ولي الأمر يجب عليه أن يمنع اختلاط الرجال بالنساء في الأسواق والفرج ومجامع الرجال. قال مالك: أرى للإمام أن يتقدم إلى الصياغ في قعود النساء إليهم ... . فالإمام مسؤول عن ذلك، والفتنة به عظيمة، قال صلى الله عليه وسلم: ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء، وفي حديث آخر: باعدوا بين الرجال والنساء ...

ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة، كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة، واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا، وهو من أسباب الموت العام والطواعين المتصلة .. فمن أعظم أسباب الموت العام كثرة الزنا ، بسبب تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال، والمشي بينهم متبرجات متجملات، ولو علم أولياء الأمر ما في ذلك من فساد الدنيا والرعية - قبل الدين - لكانوا أشد شيء منعا لذلك اهـ.

ثم ننبه على إصابة السائل الكريم في الحكم بحرمة مثل هذا الاختلاط المذكور في السؤال، والذي فيه تبرج البعض ومضاحكة آخرين. فالظن بالسائل أن حكمه هذا ليس على مجرد المحادثة بل على الواقع برمته وملابساته التي ذكر بعضها.

ونوصي السائل الكريم بالثبات والتمسك بما هو عليه من مجانبة الفتن في زمان غربة الدين، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {آل عمران: 200} وما ذلك منه إلا استفادة من خبر الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه: ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء متفق عليه. واستجابة لأمره صلى الله عليه وسلم: اتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء رواه مسلم.

كما نوصيه بالاجتهاد في الدعوة إلى الله بحكمة وبذل النصيحة للمسلمين.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني