الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمال المسلم مال محترم لا يجوز أخذه دون وجه حق، لقوله تعالى: وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ. {البقرة: 188}.
وقوله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ بَيْنَكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا. رواه البخاري ومسلم.
وقوله صلى الله عليه وسلم أيضا: لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس. رواه أحمد وصححه الألباني.
فإن كان هؤلاء الفقراء والمساكين يعلمون أنها أخذت من أصحابها ظلما ـ كما في السؤال ـ فلا يجوز قبولها؛ لما في ذلك من التعاون على ظلم الناس وإقرار المنكر، ومشاركة صاحبها في الإثم، كما قال تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ{المائدة: 2}.
اللهم إلا في حال الضرورات التي تبيح المحظورات.
وإما إن قبلها من لا يعلم حالها ولا أصل مأخذها فلا بأس عليه، و إنما الإثم على الغاصب نفسه.
وهذا مبناه على أن التعزير بالمال محرم، وهذا قول جماهير العلماء، وقد سبق بيان ذلك بأدلته في الفتوى رقم:34484.
قال السندي في حاشيتيه على سنن النسائي وسنن ابن ماجه: غالب العلماء على نسخ التعزير بالمال. انتهى.
وخالف في ذلك بعض أهل العلم، منهم ابن تيمية وابن القيم فقالا: إن التعزير بالمال سائغ إتلافا وأخذا.
وصور التعزير بالمال أربعة: إما بحبسه عن صاحبه، أو إتلافه، أو تغييره، أو تمليكه. والتمليك هو الصورة المذكورة في السؤال. ومن التعزير بالتمليك: قضاء الرسول صلى الله عليه وسلم فيمن سرق من الثمر المعلق قبل أن يؤخذ إلى الجرين بجلدات نكال، وغرم ما أخذ مرتين. وفيمن سرق من الماشية قبل أن تأوي إلى المراح بجلدات نكال، وغرم ذلك مرتين. وقضاء عمر رضي الله عنه بتضعيف الغرم على كاتم الضالة. وقد قال بذلك طائفة من العلماء، منهم: أحمد وغيره، ومن ذلك إضعاف عمر وغيره الغرم في ناقة أعرابي أخذها مماليك جياع ، إذ أضعف الغرم على سيدهم، ودرأ القطع. انظر الموسوعة الفقهية الكويتية.
ومما سبق يُعرف خلاف العلماء في أصل التعزير بالمال، وعلى القول بجوازه لابد من النظر في البلدية المرادة بالسؤال، فإن كان نظامها في أخذ هذه الأشياء قائما على مراعاة مصلحة المجتمع ككل، وأنهم يمنعنون الباعة من استخدام أماكن معينة مراعاة لمصلحة معتبرة شرعا كسعة الطريق مثلا، وقد اعتمدوا في ذلك على فتوى من يعتد به من أهل العلم، فالأظهر أن عملهم هذا ليس بحرام.
فقد جاء في السنة مراعاة مثل هذه المصالح، ومن ذلك ما رواه مُعَاذُ بْن أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ كَذَا وَكَذَا فَضَيَّقَ النَّاسُ الْمَنَازِلَ وَقَطَعُوا الطَّرِيقَ فَبَعَثَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنَادِيًا يُنَادِي فِي النَّاسِ أَنَّ مَنْ ضَيَّقَ مَنْزِلًا أَوْ قَطَعَ طَرِيقًا فَلَا جِهَادَ لَهُ. رواه أبو داود وأحمد. وحسنه الألباني.
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: إِذَا عَرَّسْتُمْ فَاجْتَنِبُوا الطَّرِيقَ فَإِنَّهَا طُرُقُ الدَّوَابِّ وَمَأْوَى الْهَوَامِّ بِاللَّيْلِ. رواه مسلم.
وعليه فأخذ البلدية لهذه الأشياء في مثل هذه الأحوال ليس من الظلم المحرم، بل هو من العقوبة والتعزير الجائز شرعا، ولكن بالقيود السالفة الذكر. وذلك أن الباعة وأصحاب الحرف والصناعات وغيرهم ممن يعملون عملا مباحا، وهذا المباح يمكن لولي الأمر تقييده في الأمور التي يترتب على تقييده فيها مصالح ظاهرة.
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: قد يكون الإجبار حقا لولي الأمر بتخويل من الشارع دفعا لظلم أو تحقيقا لمصلحة عامة. انتهى.
والأفضل على أية حال هو معاملة مثل هذه الأشياء على أنها مغصوبة وأنها من حق أصحابها، عملا بالأحوط والأورع، وخروجا من الخلاف.
والله أعلم.