السؤال
أنا طالب أدرس علوماً تقنية في ألمانيا، ومن فضل الله وكرمه علي أصبحت مرتبطاً بديني ومواظباً على الصلاة أفضل مما كنت عليه في بلدي وصرت أستمع لمحاضرات ودروس بعض الشيوخ عن طريق الإنترنت... أخبرني بعض الإخوة هنا أنه لا تجوز الإقامة في بلد الكفار، وسألنا شيخاً أتانا ذات مرة إلى المسجد عن هذا الأمر فأجاب أنها تجوز بشروط وأن بعض الأحاديث التي يستدل بها من يحرم الإقامة كانت خاصة بزمان رسول الله صلى الله عليه وسلم.. واستشكل علي هذا الأمر، لهذا أود أن أسألكم هل إقامتنا هنا (أقصد الطلبة) تجوز أم لا، وما هي أدلة من يجيزها وكذا أدلة من يحرمها؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالأدلة الدالة على تحريم الإقامة بين أظهر المشركين ووجوب الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام ليست خاصة بزمن النبي صلى الله عليه وسلم كما زعم الشيخ المشار إليه، بل هي عامة في كل من أقام بين أظهرهم وكان عاجزاً عن إقامة شعائر دينه أو كان لا يأمن على دينه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها.... رواه أحمد وأبو داود.
وهذا يشمل الهجرة الواجبة والمستحبة، وأما حديث: لا هجرة بعد الفتح. رواه البخاري فمعناه لا هجرة واجبة من مكة إلى المدينة لأن مكة صارت دار إسلام.
قال الحافظ في الفتح: وقد أفصح ابن عمر بالمراد فيما أخرجه الإسماعيلي بلفظ: انقطعت الهجرة بعد الفتح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار. أي ما دام في الدنيا دار كفر. فالهجرة واجبة منها على من أسلم وخشي أن يفتن عن دينه... انتهى.
وكذا لا هجرة واجبة من بلد فتحه المسلمون وصار دار إسلام، قال الحافظ في الفتح: ... أما قبل فتح البلد فمن به من المسلمين أحد ثلاثة: الأول قادر على الهجرة منها لا يمكنه إظهار دينه ولا أداء واجباته فالهجرة منه واجبة، الثاني قادر لكنه يمكنه إظهار دينه وأداء واجباته فمستحبة لتكثير المسلمين بها ومعونتهم وجهاد الكفار والأمن من غدرهم والراحة من رؤية المنكر بينهم، الثالث عاجز يعذر من أسر أو مرض أو غيره فتجوز له الإقامة فإن حمل على نفسه وتكلف الخروج منها أجر... انتهى.
وبهذا يعلم الأخ السائل متى تكون الهجرة واجبة من بلاد الكفر ومتى تكون مستحبة، وأن القول بأن الهجرة الواجبة خاصة بزمن النبي بهذا الإطلاق غير صحيح، ومنه يعلم أيضاً: أنه لا تحرم عليه الإقامة في البلد الذي هو فيه طالما أنه متمكن من إقامة شعائر دينه وآمن من الفتنة.. وانظر لذلك الفتوى رقم: 10043.
والله أعلم.