السؤال
ورد في الأحاديث الشريفة أن الله تعالى علم قبل أن يخلقنا أيا منا شقي وأيا منا سعيد ، ومن سيموت على الكفر أو الإيمان . فهل من العدل أن يخلق الكافر أو الفاسق وهو يعلم مسبقاً أنه من الأشقياء في الآخرة ؟ أم أنه خلق الكافر في الدنيا فقط لكي يكون ذلك حجة على الكافر بأن يكون من أصحاب النار كما سبق بذلك علمه تعالى ؟
أرجو التنبه إلى أن سؤالي لا يتعلق بالقول أن الله فرض علينا أعمالنا وأفكارنا . ولكنه تعالى خلقنا دون طلب منا ولو كان أحدنا يعلم أنه سيكون من المخلدين أو المعذبين في النار لما تمنى أن يُخلق . مع العلم وكما ورد في أحاديث شريفة أن 99،9% من الخلق هم من أهل النار ، فهل كان سبب خلقنا أن نكون من أصحاب الجحيم وتكون الدنيا حجة علينا فقط ؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
ففي هذا المقام يجب التنبه إلى أمور:
أولا : يجب البعد عن الخوض في القدر، لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم ، والناس يتكلمون في القدر قال : فكأنما تفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب قال : فقال لهم : ما لكم تضربون كتاب الله بعضه ببعض؟! بهذا هلك من كان قبلكم.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه: إذا ذكر القدر فأمسكوا. رواه الطبراني وصححه الألباني.
وقال ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم : أصل هلاك بني آدم إنما كان التنازع في القدر .اهـ
وذلك أن الخوض في مثل هذه الأسئلة وإطلاق العنان للخواطر المثيرة للشبهات والشكوك يعود عليك وعلى دينك بما لا تحمد عقباه ، قال تعالى: وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ
شَيْءٍ عَلِيمٌ {التغابن:11}
ثانيا : يجب على المسلم أن يعتقد جازما أن الله عليم حكيم عدل، وأنه هو الرحمن الرحيم ، وأنه لا يظلم أحدا بل حرم سبحانه الظلم على نفسه ، وأنه سبحانه لا يُسأل عما يفعل والعباد يُسألون، فهو رب كل شيء ومليكه له التصرف المطلق وله الحكمة البالغة، وهو أعلم سبحانه أين يضع فضله .
فإذا اطمأنت نفس المسلم لذلك فلا ينبغي له البحث وكثرة السؤال والاسترسال مع وساوس الشيطان التي يريد أن يفسد بها دين المرء ودنياه وأخراه .
ثالثا : إيجاده سبحانه للكافر مع علمه سبحانه بمآله وأنه في النار لا ينافي عدله لأنه إنما يحاسب الخلق بمقتضى عملهم وسعيهم واختيارهم لأنفسهم الكفر أو الإيمان، ولا يحاسبهم بمقتضى ما علمه منهم، فقد جعل الله تبارك وتعالى للعبد اختيارا ومشيئة وإرادة بها يختار طريق الخير أو الشر، وبها يفعل ما يريد، وعلى أساسها يحاسب على أفعاله التي اختارها لنفسه لأنها أفعاله حقيقة، فالاختيار مع وجود العقل وعدم الإكراه هو مناط التكليف ، وإذا فُقِد ارتفع التكليف.
وبذلك تقوم الحجة على العباد بأفعالهم أنفسهم لا بما علمه الله من مصيرهم ومآلهم .
قال تعالى : ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ. {عمران:182 }
وكرر ذلك في موضعين آخرين .
قال تعالى : فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى*وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى*فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى*وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى*وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى*فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى. {الليل: 5، 6، 7، 8، 9، 10}
و للمزيد من الفائدة حول هذا الموضوع راجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 31767، 2847، 2855 ، 05492 .
والله أعلم.