الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الصلاة في مسجد بني على قبر فيه بعض رفات الميت

السؤال

شب خلاف في مسجدنا للصلاة عند بداية توسعة المسجد وتجديده وعند البدء في حفر الأساسات وجدنا قبرين بهما رفات لا ندري لمن ولا أحد من كبار السن يعلم بوجودهما ولا حتى يعلم أحد بوجود مقبرة سواء للمسلمين أو غيرهم أفرغ القبرين جزئيا ونقلت العظام وليست جميعها ثم أكمل بناء المسجد، السؤال هو جوهر الخلاف: هل تجوز الصلاة في هذا المسجد للعلم بأنه المسجد الوحيد في بلدتنا؟ رعاكم الله.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالمفهوم من السؤال أن هذين القبرين ليس لهما صورة ظاهرة، وإنما وجدا بعد الحفر أثناء التوسعة، وقد تم بناء المسجد بالفعل وليس لكم غيره، والذي يظهر لنا في مثل هذه الحال أنه لا تمنع الصلاة في هذا المسجد بسبب وجود آثار هذين القبرين، لعدم العلة من النهي عن اتخاذ القبور مساجد، من كون ذلك ذريعة إلى الشرك، كما نبهنا عليه في الفتاوى: 111368، 125102، 398050.

ويتأكد هذا بنص بعض أهل العلم -كالإمام مالك رحمه الله- على أنه لا بأس بالصلاة في المسجد الذي بني على قبور قد عفت واندرست، قال ابن رشد في «البيان والتحصيل» (2/ 220): قال ابن القاسم في اتخاذ المساجد على القبور، قال -يعني مالكا-: إنما يكره من ذلك هذه المساجد التي تبنى عليها؛ فلو أن مقبرة عفت فبنى قوم عليها مسجدا فاجتمعوا للصلاة فيه، لم أر بذلك بأسا.

قال محمد بن رشد: تكررت هذه المسألة في هذا السماع، والرسم بعينه من كتاب الحبس، وهي مسألة صحيحة؛ فوجه كراهية اتخاذ المساجد على القبور ليصلي فيها من أجل القبور، ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لعن الله زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج» وقوله عليه الصلاة والسلام: «لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد -يحذر ما صنعوا-». وقوله: «اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد». وأما بناء المسجد للصلاة فيه ‌على ‌المقبرة ‌العافية، فلا كراهة فيه - كما قال؛ لأن المقبرة والمسجد حبسان على المسلمين لصلاتهم، ودفن موتاهم؛ فإذا عفت المقبرة - ولم يمكن التدافن فيها، أو استغنوا عن التدافن فيها، واحتيج إلى أن تتخذ مسجدا يصلى فيه، فلا بأس بذلك؛ لأن ما كان لله، فلا بأس أن يستعان ببعض ذلك في بعض على ما النفع فيه أكثر، والناس إليه أحوج؛ وذلك إذا عفت؛ لكراهية درس القبور الجدد المسنمة. اهـ.

وعلى ذلك اعتمد عليش المالكي في الجواب على سؤال: ما قولكم في المقابر المجاورة لمسجد سيدنا الإمام الحسين -رضي الله تعالى عنه- من الجهة الشرقية فهل يجوز تعلية ظاهرها، وجعلها مساوية لأرضه، وإدخالها فيه لتوسعته، وتجوز الصلاة عليها بعد ذلك بلا كراهة أفيدوا الجواب؟

فأجاب – كما في فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك-: نعم يجوز ذلك كله بلا كراهة، قال الإمام ابن عرفة في مختصره الفقهي: سمع ابن القاسم مالكا يقول: لا بأس بالمساجد ‌على ‌القبور ‌العافية، وكراهتها على غير العافية. فوجه ابن رشد الأول بأن القبر حبس، والمسجد كذلك، وما كان لله يستعان ببعضه في بعض اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني