السؤال
كيف نوفق بين قوله عليه الصلاة والسلام ( ما أوذي نبي مثلما أوذيت ) وبين بقاء نوح ألف سنة إلا خمسين عامًا يدعو قومه، وتحريق إبراهيم وبلاء أيوب بالأمراض الشديدة وسجن يوسف الطويل، وذبح يحيى - عليهم الصلاة والسلام جميعا، وغيرهم فقد يظهر لدى الإنسان غير المتبحر مثلي في العلم أنهم أشد بلاء من نبينا الكريم فكيف ترون ذلك ؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلم نطلع بعد البحث على حديث بلفظ: ما أوذي نبي ....إلخ، وإنما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما أوذي أحد ما أوذيت. وفي رواية : ما أوذي أحد ما أوذيت في الله. رواهما أبو نعيم وحسنهما الألباني.
وقيل معناه أنه أوحي إليه ما أوذي به من قبله فتأذى بذلك زيادة على ما آذاه قومه به.
ويحتمل أنه أراد أنه أوذي قبل أن يصل الأذى لأصحابه، ويؤيد ذلك ما في الحديث: لقد أخفت في الله وما يخاف أحد، ولقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد. رواه الترمذي وصححه الألباني.
قال المناوي في شرحه: (لقد أوذيت) ماض مجهول من الإيذاء (في الله) أي في إظهار دينه وإعلاء كلمته (وما يؤذى) بالبناء للمفعول (أحد) من الناس في ذلك الزمان؛ بل كنت المخصوص بالإيذاء لنهيي إياهم عن عبادة الأوثان وأمري لهم بعبادة الرحمن (وأخفت) ماض مجهول من الإخافة (في الله) أي هددت وتوعدت بالتعذيب والقتل بسبب إظهار الدعاء إلى الله تعالى وإظهار دين الإسلام. وقوله ( وما يخاف أحد) حال أي خوفت في الله وحدي وكنت وحيدا في ابتداء إظهاري للدين فآذاني الكفار بالتهديد والوعيد الشديد فكنت المخصوص بينهم بذلك في ذلك الزمان ولم يكن معي أحد يساعدني في تحمل أذيتهم. اهـ
ويدل لكون الأنبياء نالهم من البلاء أكثر مما ناله صلى الله عليه وسلم واقعيا ما في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود قال: لما كان يوم حنين آثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسا في القسمة فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل، وأعطى عيينة مثل ذلك، وأعطى أناسا من أشراف العرب وآثرهم يومئذ في القسمة! فقال رجل: والله إن هذه لقسمة ما عدل فيها وما أريد فيها وجه الله! قال: فقلت: والله لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فأتيته فأخبرته بما قال، قال: فتغير وجهه حتى كان كالصرف ثم قال: فمن يعدل إن لم يعدل الله ورسوله؟ قال: ثم قال: يرحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر.اهـ
والله أعلم.