إرشادات لحيران حزين يخاف المستقبل
2003-05-05 19:36:18 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شاب أبلغ من العمر (25) سنة، فأنا دائم الحيرة، وأحياناً أحس بكراهية للناس كلهم حتى إخواني وأسرتي؛ لأني أنظر إلى تصرفاتهم بأنها غلط وكل أمورهم غلط في غلط، حتى خطيبتي اكتشفت أنها كاذبة في كل ما تقول، ودائماً تكذب عليّ، وفي أشياء كثيرة تخفيها عليّ، وينكشف كذبها بعد ذلك، مع أنى عارف ومتأكد أنها تحبني جداً، وقد فارقتها ونفسي تراودني على أن أرجع لها، وهي تتمنى ذلك، لكني حيران خائف، كيف أرجع لها فتكذب مرةً أخرى، أما أنا فقد تعبت كثيراً في حياتي، فبعد وفاة والدي اسودت الدنيا في عيني، خاصةً بعدما بدأت أدير أعماله التي تركها، وبدأت أحس بمتاعب الحياة والمشاكل التي واجهتني من أعمامي بعدما أخذوا منى أرضاً شاسعة بحجة أن لهم إرثاً عند والدي، وكانت هذه الأرض هي مستقبلنا بعدما ضاع كل مالنا على والدي أثناء وجوده في المستشفى قبل وفاته، ولو كان طال علاجه لكنا استلفنا لكي نصرف على علاجه، والآن أنا أشعر بأن العمل الذي أديره بدأ يفشل لظروف خارجة عن إرادتي، بسبب الحكومة، وبسبب الركود الذي نعيشه، وكل ذلك غيّر حياتي الشخصية، فأنا في قمة حزني الشديد مع العراق وفلسطين والمسلمين الذين يذبحون ويهانون، وأحس بأن كل العرب والمسلمين مكتوب عليهم بأن يعيشوا مهانين ومظلومين، أحياناً أتمنى أن أتكلم والدنيا كلها تسمعني، لكن أحس أني مربوط لا أقدر أن أعمل شيئاً؛ لأني أشعر أنه لا حاجة لي في هذه الدنيا، ولا لي أحد أبث له ما في داخلي، ولا أجد أحداً يفهمني أبداً، لا إخواني ولا أصحابي ولا أسرتي، فأنا شخص يفتقد الصديق ويشعر بالوحدة، ودائماً أفكر في المستقبل وماذا سيحدث فيه، ولا أفكر في الماضي، وأهم سؤال أسأله نفسي كل يوم: يا ترى غداً ما هو المخبّأ لي، وما الذي سيحصل لي؟ وأنا من هو؟ وماذا سأكون لو أطال الله في عمري؟
أنا دائماً حيران وأخاف من الغد القادم، وأعمل له ألف حساب.
أعمل ماذا ؟ أفيدوني هل أنا مريض نفسياً، أم أنا واهم وهل أنا ظالم أم مظلوم؟
وشكراً.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخ الفاضل / محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك (استشارات الشبكة الإسلامية)، فأهلا وسهلاً ومرحباً بك أخي محمد بين إخوانك، وكم يسعدنا تواصلك معنا دائماً، وإفادتنا بخبرتك وآرائك التي اكتسبتها من تلك المسئوليات العظيمة الملقاة على عاتقك، وكم يسعدنا كذلك أن تساهم معنا باقتراحاتك الطيبة في حل مشكلات إخوانك من المسلمين، ولعلك تستغرب كلامي، ولكنه في الواقع غير غريب على رجل مكافح مثلك يواجه أمواج الحياة ليشق له وسطها طريقاً من النجاح والتوفيق، وتحملك لتلك المسئوليات مبكراً يجعلك أهلاً لأن تسدي النصيحة لغيرك، ولا تستسلم لروح اليأس التي توقف مسيرتك وتذهب بآمالك وطموحاتك أدراج الرياح.
أخي الحبيب محمد! أنت تنظر إلى الحياة من وجهة نظرك أنت وحدك، ولكثرة مشاكلك ظننت أنه لا يوجد من هو أكثر منك هموماً وأحزاناً، ولكن الواقع على خلاف ذلك تماماً، فكم في الدنيا من مظلومين ومحرومين وبائسين ومحطمين، ورغم ذلك غير مستسلمين، وهذا الذي أريده منك أولاً، لا يأس مع الحياة، ولا حياة مع اليأس، ولا تنس أن نبيك وحبيبك محمداً صلى الله عليه وسلم مرت عليه وعلى أصحابه أيام وليال لا يعلم بها إلا الله، ورغم ذلك بزغت شمس الإسلام، ورفرفت راياته على غالب بقاع الأرض، وحكم المسلمون العالم لقرون طويلة، وسادوا الدنيا عندما كانوا يستحقون ذلك، واسمح لي -فقد أطلت عليك- أن أبدأ معك الحديث من أوله، ولكن بشرط أن تعلم أن ما أخبرك به فيه خير كثير ونفع عميم لو أخذت به:
1- اترك عنك الحيرة والتيه؛ لأنهما أساس الفشل والخذلان، فالإنسان الحائر لا يستطيع أن يقود سفينة مثل سفينتك المحملة بالهموم والمشاكل، إذن: اترك عنك الحيرة والقلق، وخذ دائماً نفساً عميقاً املأ به رئتيك، وقل من أعماق قلبك: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله.
2- كذب خطيبتك ظاهرة غير طبيعية، وأمرٌ يدعو للقلق حقاً؛ لأن أهم ما في المرأة الصدق، ولذلك إذا كنت قد حاولت نصحها بما فيه الكفاية ولم تقلع عنه، فاعتبرها من الماضي واتركها وراء ظهرك، وابحث عن غيرها فمصر مليئة بالصالحات القانتات العابدات.
3- عليك ألا تستسلم للفشل، وواصل العمل بجد ونشاط، وقاوم حتى آخر نفس؛ لأن الحياة لا بقاء فيها إلا للأقوياء المتفائلين، فاترك عنك هذه الهواجس، واستعن بالله وخذ بالأسباب، وأكثر من الدعاء ودع النتائج على الله.
4- قضايا المسلمين لم ولن تتوقف؛ لأننا ندفع ثمن تركنا للإسلام كشريعة ومنهاج حياة، وسيظل حالنا من سيئٍ إلى أسوأ حتى نعود إلى ديننا ونلتزم كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، فكن أنت من أوائل العائدين إلى الله، وضع حجراً في جدار قيام الإسلام على أرض الواقع، واعلم أنك على ثغر من ثغور الإسلام فلا يؤتى الإسلام من قبلك، ابدأ بنفسك أولاً، ولا تكثر التباكي فقد فات أوان البكاء وجاء وقت الجد والعمل والعطاء، فطبق الإسلام في نفسك يقتد بك غيرك.
5- الدنيا مزرعة الآخرة، ومن لا دنيا له لا آخرة له، فازرع فيها كل ما يحب الله ويرضاه، وأحبها من أعماق قلبك لأنها هي التي ستوصلك إلى رضوان الله والجنة، والأيام لا ذنب لها؛ لأنها ظرفٌ يقع فيه الحدث، ونحن الذين نصنع الأحداث، فاصنع خيراً تجز به، وتفاءل واترك عنك هذه النظرة التشاؤمية، وانفض عنك غبار الكسل والتكاسل، ولا تكن إمعة فتهلك.
6- المستقبل بيد الله وحده، وما زال غيباً لا يعلمه إلا الله، فلا تشغل نفسك بيوم لم يأت ورزق لم يقسم وعمل لم يطلب، لا تفكر في غد ولا تشغل بالك به، فكر في اليوم الذي أنت فيه؛ لأن الله سائلك عنه ولن يسألك عن يوم لم تعشه.
7- تفاءل واعلم أن الأمور كلها بيد الله، فحسن علاقتك به، وسيجعل لك من كل ضيق فرجاً ومن كل هم مخرجاً، وسترى ذلك بنفسك.
8- عليك بالدعاء فإنه سلاح لا يقهر، وقوة لا تغلب، ولا يرد القضاء إلا الدعاء، واعلم أنه يمنع مما نزل وما لم ينزل، فأكثر منه، وبالله التوفيق.