التوبة الصادقة.. والعودة إلى الالتزام
2008-06-16 11:43:47 | إسلام ويب
السؤال:
بسم الله الذي لا ينبغي الحمد إلا له، والصلاة والسلام على سيد الخلق كلهم، وبعد:
شيوخي وأساتذتي الكرام جزاكم الله عن الإسلام والمسلمين كل خير.
وجمعني بكم في الجنة.
سادتي الكرام! أكتب إليكم راجياً من الله أن يجعل علاجي بين أيديكم.
كنت فيما مضى أباً ملتزماً بشرع الله، تائباً إلى الله، لكن مع مرور الزمن قسى القلب، ولم أعد أجد حلاوة الطاعات، بل أكثر من ذلك صرت مجترئاً على معاصيه، حتى صرت أعيش حالة من الحزن بسبب المعاصي، ومما زاد من ألمي قوة الوساوس العقدية، وفي ذات الله، ووالله لقد حاولت أن أختصر لكم.
سادتي الكرام! ساعدوني كي أتخلص من وساوسي العقائدية، فقد عذبت بها، وأعينوني كي أعود إلى الله وأتوب توبة لا أرجع بعدها إلى المعاصي، وأكون عبداً صالحاً.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ العبد التائب حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا تواصلك معنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونشكرك - أخي الكريم – على حسن ظنك بإخوانك بالموقع، ونسأل الله أن يوفقنا وإياك لطاعته ورضاه، كما نسأله جل جلاله أن يغفر لك وأن يتجاوز عن سيئاتك وأن يجعلك من عباده الصالحين وأوليائه المقربين.
بخصوص ما ورد برسالتك – أخي الكريم – فإني أكره أن أسميك بالعاصي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نتخير أسماءنا، بل إنه غيَّر اسم العاصي إلى غيره؛ ولذلك أقول: حتى وإن كان العبد عاصياً لا يجوز له أن يُطلق على نفسه ذلك، ونسأل الله أن يغفر لنا ولك وأن يتوب علينا وعليك.
بخصوص ما ورد من ظروفك وأحوالك التي تعاني منها الآن وتشكو منها فإنك تعلم - بارك الله فيك - أن للقلوب إقبالا وإدبارا، وأن العبد ما بين الحسنة والسيئة، وما بين الطاعة والمعصية، إلا أن هناك عوامل تؤدي إلى ثبات الإنسان على الحق واستقراره عليه، من هذه العوامل وهذا ما تحتاجه:
أولاً: البحث عن الأسباب التي أدت إلى هذه الانتكاسة أو إلى هذا الفتور الذي تعاني منه، لأنك تعلم أن الله تبارك وتعالى جعل لكل شيء سبباً، فأنت - من فضل الله تعالى - كنت فيما مضى رجلاً ملتزماً بشرع الله تعالى، ولكنك أصبحت الآن تعاني من قسوة قلبٍ، وأصبحت تفتقر إلى حلاوة الطاعات ولذتها، بل إنك أصبحت – كما ذكرتَ – تتجرأ على بعض المعاصي.
أقول لك بداية - أخي الكريم – لابد أن نبدأ الطريق من أوله، وهو أن تنظر إلى الأسباب التي أدت إلى هذا الانحراف وهذا الفتور لعلك أن تجد شيئاً تتذكره نستطيع من خلالها أن نضع أسس العلاج - بإذن الله تعالى – فإذا ما أردنا أن نعالج لابد لنا من هذين الأمرين: معرفة السبب، والتاريخ الذي حدثت فيه هذه الانتكاسة، ثم بعد ذلك تجتهد - بارك الله فيك - في إزالة الأسباب التي أدت إلى ذلك، وهذا عملك أنت شخصياً؛ لأنك قطعاً تعلم متى حدثت هذه الحالة، ومتى أصابك هذا الفتور، وتعلم قطعاً الأسباب التي أدت إلى ذلك، نجتهد بعد معرفة الأسباب والتاريخ أن تحاول القضاء على تلك الأسباب، ثم بعد ذلك تستعمل وسائل العلاج، وهي: (الدعاء)، تدعو الله – تبارك وتعالى جل جلاله – أن يغفر لك ما سلف من ذنوبك وأن يتجاوز عن سيئاتك وأن يثبتك على الحق وأن يريك الحق حقاً وأن يرزقك اتباعه.
وبعد ذلك – أخي الكريم بارك الله فيك - أن تشغل أوقات فراغك بشيء يعود عليك وعلى أهلك بالنفع في الدنيا والآخرة حتى لا يأتي الشيطان فيستحوذ عليك ويفسد ما بينك وبين الله تعالى، وغير ذلك، وكم أتمنى أن تبدأ مشروعاً ولو مع أولادك - إذا كان لك من أولاد - أو مع زوجتك ولو أن تحفظ كل يوم آية من كتاب الله تعالى، آية أو آيتين، المهم أن تواصل عملية حفظ القرآن حتى تقضي على الفراغ الذي يؤدي إلى الوقوع في المعاصي.
بعد ذلك - بارك الله فيك - أبحث عن صحبة صالحة إذا نسيت الله ذكَّرتك وإذا ذكرتك أعانتك، وإذا كنت موجوداً معها دعت لك بالثبات، وإذا غبت عنها حفظتك في عرضك وغيبتك؛ ولذلك أقول: لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي – هذا هدي نبيك المصطفى صلى الله عليه وسلم - .
أخيراً أتمنى - بارك الله فيك - أخي الكريم المبارك – أن تدخل على بعض المواقع التي تتكلم عن عظمة الله تعالى، وبما يُعرف بالإعجاز العلمي في القرآن والسنة، وحاول أن تدخل على تلك المواقع المحترمة وستجد أشياء تحرك الإيمان في قلبك، أدخل إلى تلك المواقع وحاول أن تتفحصها وتمعن النظر فيها وستستفيد كثيراً - بإذن الله تعالى – لأن هذه الأشياء التي تأتيك خاصة بالوسواس في مجال العقيدة، هي من الشيطان – كما تعلم – والنبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا بقوله: (يأتي الشيطان أحدكم فيقول من خلق كذا من خلق كذا... إلى أن يقول من خلق ربك).
فهذه المسائل واردة جدّاً أن يُبتلى الإنسان بها أو أن يصاب بها؛ ولذلك أقول - بارك الله فيك - أولاً إذا ما جاءك هذا الوسواس فاستعذ بالله عز وجل.
ثانياً - بارك الله فيك – في علاج هذه النقطة ألا تسترسل مع تلك الأفكار، فإذا ما جاءتك الأفكار فغير وضعك الجسدي الذي أنت عليه، فإذا كنت نائماً فاجلس، وإذا كنت جالساً فقم، وإذا كنت واقفاً فتحرك، وإن كنت وحدك في غرفة فاخرج إلى خارجها وتحرك مع الناس حتى ينصرف عنك هذا التفكير؛ لأن الاسترسال في التفكير يترتب عليه أن الحالة تُصبح صعبة العلاج؛ لأنه يستقر في نفس الإنسان أن هذا هو الصواب؛ ولذلك أقول: بالإعجاز العلمي ومواقعه ثم بعد ذلك أيضاً بطرد هذه الأفكار من رأسك، ثالثاً بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، أنا واثق - بإذن الله تعالى - بأنك ستوفق في العلاج وستتخلص - بإذن الله عز وجل – من تلك الأمراض التي نسأل الله أن يعافيك منها.
اجتهد في الدعاء - بارك الله فيك - فإنه لا يرد القضاء إلا الدعاء، واربط نفسك بالجماعة، وابحث عن صحبة صالحة تقضي معها معظم أوقات فراغك؛ لأن الصاحب ساحب، والمرء على دين خليله كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم وادع لنفسك، واجعل والديك يدعوان لك، وكلما لقيت عبداً صالحاً فسلْه منه أن يدعو الله تبارك وتعالى بأن يتفضل الله عليك بمغفرة ذنبك وستر عيبك وأن تعود إلى ما كنت عليه.
لا مانع - بارك الله فيك – أيضاً إضافة إلى ما سبق أن تحاول أن تجتهد في توفير مكتبة إسلامية رائعة بأسلوب عقلي يتناسب مع ظروفك، وتعرف من خلال هذه الكتب العقدية على الله صاحب العظمة والجلال، وستجد نفسك مدفوعاً إلى محبته وطاعته بلا أي مقدمات؛ لأنه جل جلاله هو الذي يستحق أن يُعبد وحده، وهو الذي ينبغي أن يُعبد وحده، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يعافيك من كل سوء وبلاء وأن يصرف عنك كيد شياطين الإنس والجن، وأن يجعلك من عباده الصالحين وأوليائه المقربين.
هذا وبالله التوفيق.