الوسواس يرهقني ويزداد توحشًا، فماذا أفعل لأتخلص منه؟
2024-10-15 02:48:27 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم
مسألتي صعبة قليلاًَ، أنا الآن في الصف الثالث الثانوي، وأعاني من وسواس قهري منذ سنة تقريباً، أعاني من الوسواس في كل شيء، لكن الشيء الأكثر دماراً علي هو وسواس الدين، يحدثني أني على جنابة، وعلى أن الدين خطأ!
لقد أضعت شهرين في الثانوية العامة، وأنا مضغوط جداً، ولا أعرف ماذا أفعل؟ ولا يمكنني طلب المساعدة من الأهل، الأمر غير متعارف عليه، وأنا من سكان القرى، وهذه الأمور النفسية غير متعارف عليها أصلاً، فما الحل؟
كلما حاولت تجاهل الأمر يزداد سوءاً، وبدأت أخاف الموت، وأخشى أن أذهب للنار، يحدثني الوسواس بأني مذنب، وأني غير قادر على الدراسة، فقط لدي التسويف، ويحدثني في العبادات، في الدراسة، في الأمور الجنسية، في المستقبل، في كل شيء، وصلت لمراحل من الاكتئاب، وتمني الموت، ومراحل شديدة جداً، أكثر مما يتخيل أحد!
هل إذا لم أهتم بما أفعل، وبما أفكر، سأحاسب على ذلك؟ أعني: هل أنا آثم إذا فعلت ذنوباً ولم أفكر فيها، خوفاً من الوسواس؟ فكلما حاولت التجاهل يحدثني أن أفعل ذنباً، يحدثني في كل شيء حرفياً، ويبدو مقنعاً في كل مرة، رغم عدم منطقية ما يقوله!
أحياناً يحدثني في فترة ما، و-العياذ بالله- عن الأصنام، ويحدثني عن الأديان الأخرى، ويحدثني عن كل شيء، فأنا ضعيف دينياً، ويستغل هذه النقطة، ويقول إني غير متدين، كيف أعرف أني على الدين الصحيح؟
هل أنا محاسب على هذه الأمور؟ أعني أن الأمر صعب، وأنا في الثانوية، والضغط يقتلني يوماً بعد يوم، ولا أحد يبالي، ولا يهتم، ولا أحد يعرف أبداً، هل يرفع عني القلم أم ماذا؟ وماذا أفعل؟ فأنا لا أستطيع الحصول على علاج عبر الانترنت، بسبب ضيق الوقت.
الأمر وصل عندي لمراحل كبيرة، فسيأخذ وقتاً لا يعلمه إلا الله، في شهور أو سنين، لا أعلم، والفكرة كلها أني كلما فكرت في شيء، مثل مسألة دينية، عقائدية، دنيوية، أي شيء، الوسواس يزداد توحشاً، ويقوى أكثر، هل أنا مرفوع عني القلم؟
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرحب بك في إسلام ويب، ونشكرك على ثقتك في هذا الموقع، ونقول لك هوّن عليك، وإن شاء الله تعالى، هذا الوسواس يذهب تمامًا.
يُعرف أن الوساوس تنقسم إلى ثلاثة، من حيث المكونات: هنالك الوساوس الفكرية الجنسية، هنالك الوساوس الفكرية الدينية، وهنالك وساوس العنف الفكرية، هذه الثلاثة الرئيسية، وتوجد أيضًا أنواع أخرى، لكنها أقل انتشارًا.
طبعًا الوساوس في مثل عمرك يكون تأثيرها على الإنسان كبيرًا، خاصةً إذا كانت المحتويات محتويات حساسة عن الدين أو الجنس، مثل ما يحدث في حالتك.
الوساوس الفكرية تستجيب بصورة أفضل للعلاج الدوائي، ولا شك في هذا، فإن كان بالإمكان أن تذهب إلى طبيب نفسي -وأرجو أن تقوم بذلك-، وإن كان ذلك يصعب عليك، فأنا سأرشدك لدواء جيد وفاعل، وسليم، بالنسبة لمرحلتك العمرية.
الدواء يعرف باسمه (سيرترالين) هذا هو اسمه العلمي، اسمه التجاري (زولفت)، وله اسم آخر هو (لوسترال)، وربما تجده تحت مسميات تجارية أخرى في بلادكم.
جرعة السيرترالين، هي أن تبدأ بنصف حبة -أي خمسة وعشرين مليجرامًا- يوميًا لمدة عشرة أيام، ثم اجعلها حبة واحدة يوميًا -أي خمسين مليجرامًا- وتستمر عليها لمدة شهر، ثم تجعلها حبتين يوميًا - أي مائة مليجرام- تستمر على هذه الجرعة لمدة ثلاثة أشهر.
الجرعة العلاجية هي مائة مليجرام يوميًا لمدة ثلاثة أشهر، بعد ذلك تخفضها إلى الجرعة الوقائية، وهي خمسون مليجرامًا يوميًا لمدة 16، وهذه ليست مدة طويلة أبدًا، بعد ذلك خفضها إلى خمسة وعشرين مليجرامًا -أي نصف حبة- يوميًا لمدة شهر، ثم خمسة وعشرين مليغرامًا يوماً بعد يوم لمدة أسبوعين، ثم تتوقف عن تناول الدواء.
السيرترالين من الأدوية السليمة جدًّا، وغير الإدمانية، وله فوائد عظيمة جدًّا لعلاج هذا النوع من الوساوس، وقطعًا سيؤدي أيضًا إلى إزالة القلق، وتحسّن كبير في المزاج.
الجرعة التي وصفت لك -أي حتى مائة مليجرام يوميًا- هي الجرعة الوسطية، علمًا بأن الجرعة الكلية هي مائتا مليجرام في اليوم -أي أربع حبات- لكنك لست في حاجة لهذه الجرعة.
طبعًا توجد أدوية أخرى كثيرة مثل عقار (فلوفوكسامين)، عقار (فلوكساتين) عقار (اسيتالوبرام)، لكن من وجهة نظري أن السيرترالين هو الأفضل لمرحلتك العمرية ونوعية الحالة التي تعاني منها.
بعد ذلك -أيها الفاضل الكريم- يأتي ما نسميه بالعلاجات السلوكية، وأهم شيء في العلاج السلوكي:
- أن تتجاهل الوسواس.
- أن تحقر الوسواس.
- ألَّا تحاور الوسواس أبدًا.
- مهما كان مُلحًّا عليك ومستحوذًا لا تدخل في حواره، بل خاطب الوسواس قائلًا: "أنت فكرٌ وسواس حقير، أنا لن أحاورك، أنا لن أحللك، أنا لن أستجيب لك أبدًا".
- ثم تغير مكانك، وتغير وضعك، وتأتي بفكرة بديلة، فكرة جميلة، مثلًا حول مستقبلك الدراسي، حول التخصص، حول العمل، حول الزواج، حول بر الوالدين، أي أفكار أخرى تكون إيجابية، يجب أن تستبدل بها الأفكار الوسواسية.
- هنالك علاج أيضًا بسيط جدًّا نسميه التنفير، التنفير يتطلب منك أن تجلس في مكان هادئ، داخل الغرفة مثلًا، وتجلس أمام الطاولة، وتقوم بالإتيان بالفكرة الوسواسية، ابدأْ دائمًا بالفكرة الضعيفة البسيطة، وبعد ذلك طبق التمرين -تمرين التنفير- على الفكرة التي تليها، حتى تنتهي بالفكرة القوية والشديدة المتسلطة.
- حين تأتي بالفكرة الوسواسية -مثلًا الفكرة الأولى، الفكرة البسيطة- تقوم بالضرب على يدك بقوة وشدة على سطح الطاولة حتى تحس بالألم، وتربط هذا الألم بالفكرة الوسواسية، يكرر هذا التمرين عشرين مرة متتالية.
- ثم بعد ذلك تنتقل للفكرة الثانية، وتقوم أيضًا بالضرب على يدك بقوة وشدة على سطح الطاولة، ولا بد أن يقع عليك أو تحس بالألم، هذا مهم جدًّا.
- تربط هذا الألم للحظة مع الفكرة الوسواسية، ثم تأتي بالضربة التالية، وأيضًا التمرين عشرون مرة. ولو طبقت هذا التمرين صباحًا ومساءً سيكون مفيدًا جدًّا. كما ذكرت لك تبدأ بالفكرة البسيطة، ثم تنتهي بالفكرة الشديدة. تمرين رائع، فعال، يسمى التنفير.
إذًا لديك ثلاثة تمارين سلوكية، أولها التجاهل، ثانيها صرف الانتباه، وثالثها التنفير.
وبصفة عامة: حاول دائمًا أن تكون إيجابيًا، أن تُحسن إدارة وقتك، أن تتجنب السهر، أن تجتهد في دراستك، وأن يكون لك تواصل اجتماعي جيد، أن تحرص على العبادات في وقتها، ولا تلتفت أبدًا لهذه الوساوس، ومن الأفضل لك أن تصلي مع الجماعة.
هنالك تمارين أيضًا نسميها بتمارين الاسترخاء، توجد برامج كثيرة على اليوتيوب توضح كيفية التطبيق هذه التمارين، وأرجو أن تقوم بذلك.
بارك الله فيكم، جزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.
_________
انتهت إجابة د. محمد عبد العليم... استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان
وتليها إجابة الشيخ/ أحمد الفودعي... مستشار الشؤون الأسرية والتربوية.
_________
مرحبًا بك -ولدنا الحبيب- في استشارات إسلام ويب، ونشكر لك تواصلك بالموقع، ونسأل الله تعالى أن يصرف عنك شر هذه الوساوس، ويُنجيك منها.
نحن نُدرك مدى المعاناة التي تعيشها -أيها الحبيب- بسبب هذه الوسوسة، ولكننا في الوقت ذاته نعلم أنك -بعون الله تعالى- قادر على التخلص منها بيسر وسهولة، إذا أنت اتبعت التوجيهات النبوية التي وضعها النبي ﷺ دواءً وشفاءً من هذا الداء، فالأمر -بعون الله تعالى- سهلٌ يسير، فاستعن بالله ولا تعجز، واعلم أن الله تعالى سينجيك من هذا الكرب الذي أنت فيه، ويخلصك من هذا الشر، فتوجَّه إلى الله تعالى، واعمل بما أرشدك إليه نبيك ﷺ وستنجو بعون الله.
قبل أن نذكر لك هذه التوجيهات، أود أولًا أن أنبهك إلى أن كلَّ ما تجده في نفسك من همٍّ وضيقٍ بسبب الخوف من الذنوب، أو بسبب الخوف من أثر هذه الوسوسة على دينك؛ كلُّ ذلك لا يُؤاخذك الله تعالى به، ولا يُحاسبك عليه، فالله تعالى من كرمه ورحمته بنا أنه تجاوز عنا ما يدور في أنفسنا من الحديث، فقال النبي ﷺ: (إنَّ الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها...) متفق عليه.
بل إننا نطمئنك، فنقول: إن هذا الضيق الذي تعيشه بسبب الوساوس، وهذا الهم والقلق، كلُّ ذلك يدل دلالة واضحة على وجود الإيمان في قلبك، وهذا ليس كلامًا مُرسلًا مِنَّا، ولكنه موقف النبي ﷺ ممَّن جاء إليه من الصحابة يشكو إليه أنه يجد في صدره وساوس، لكنه لا يقدر على الكلام بها والبوح بها لشناعتها وقبحها، فكان جواب النبي ﷺ أن قال له: (ذاك صريح الإيمان) يعني أن وُجود هذا الهم والقلق من هذه الوساوس، وعدم الرضا بها، وكراهتها، كلُّ ذلك دليل على وجود الإيمان في القلب.
كن مطمئنًا أولًا إلى أن كل هذه الآثار، الله تعالى لا يُؤاخذك بها، ثم انتقل بعد ذلك إلى مرحلة العلاج والتداوي، وخذ بهذه الأسباب ما تقدر عليه منها، واستعن بالله تعالى، وتوجه إلى الله تعالى بقلبك أن يُخلصك من كل شر، ومن هذه التوجيهات:
أولًا -وهو أهم هذه التوجيهات على الإطلاق-: الإعراض عن هذه الوساوس، وعدم الاهتمام بها والاشتغال بها، حقِّر هذه الأفكار، وكن على ثقة من أنها لا تساوي شيئًا، ولا يُقرِّبُك هذا الهم من الله تعالى، بل هو اتباع للشيطان.
حقِّرْ هذه الفكرة، ولا تدع للشيطان وسيلة وطريقاً يحاول أن يستغل بها ديانتك، وما فيك من الخير؛ ليغرس في قلبك هذا النوع من الهموم الكاذبة والوساوس الشيطانية، لا تُبالِ بهذه الوساوس، هذا مختصر الحل هنا، لا تبال بهذه الوساوس، ولا تعبأ بها، ولا تُعطها وزنًا، بل كلما داهمتك انصرف عنها وانتقل إلى التفكير في أي شيءٍ ينفعك في دينك أو في دنياك، وهذا هو الدواء الأعظم، والأهم في هذه المرحلة.
الدواء الثاني: اللجوء إلى الله تعالى بطلب الحماية منه كلَّما داهمتك هذه الأفكار، بأن تقول: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) ففي هذين الدواءين يقول الرسول ﷺ لمن أصيب بشيء من الوساوس: (فليستعذ بالله ولينتهِ).
الدواء الثالث هو: الإكثار من ذكر الله تعالى على الدوام، بالمحافظة على الصلوات في أوقاتها، والمحافظة على الطهارة، وقراءة الأذكار الموزعة خلال اليوم والليلة، كأذكار الصباح، وأذكار المساء، وأذكار النوم، وأذكار الاستيقاظ، وأذكار دخول الخلاء، وأذكار الخروج منه، والأذكار بعد الصلوات، والإكثار من ذكر الله تعالى على الدوام، فإن ذكر الله تعالى تحصين للإنسان من الشياطين، ومحاولات تسلطهم على هذا الإنسان.
نسأل الله تعالى أن يُعجِّل لك بالعافية، وأن يصرف عنك كل سوء.