كيفية التغلب على الفتور في الطاعات والشعور بالخشوع
2024-10-02 01:31:20 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا فتاة عزباء عمري 19 سنة، ملتزمة بصلاتي وصيام النوافل وقيام الليل، وأحرص على أداء كافة الصلوات في وقتها، كما أواظب على الدعاء وأذكار الصباح والمساء، منذ أسبوعين داومت على قراءة سورة البقرة، وسورة الملك قبل النوم، وسورة الكهف يوم الجمعة، كما تركت الأغاني والموسيقى منذ شهرين تقريبًا.
لكن أحيانًا أشعر بفتور في الطاعات، كأنني أؤديها بثقل شديد، خلال قراءتي للقرآن، لا أتدبره كما ينبغي، وأحيانًا لا أشعر بالخشوع في الصلاة، لا أدري ما السبب، ولكن حتى مع هذا الفتور، أحاول جاهدة أن أتجنب وساوس الشيطان، وأحرص على قراءة وردي من القرآن وأداء النوافل، رغم الصعوبة ومجاهدة النفس، كنت أحب سماع القرآن، أما الآن فأكتفي بالقراءة دون تدبر.
أحيانًا أشعر أنني منافقة، وأنني أفعل الطاعات رياءً للناس، خاصة عندما أنشر الأحاديث الصحيحة، والسيرة النبوية، وبعض الأمور الدينية كتفسير آيات القرآن، أو القصص المذكورة في الكتاب العزيز، وعندما أنشر هذه الأحاديث، أشعر وكأنني أبحث عن رضا الناس، وأقول في نفسي: إن هذا رياء، وسأحاسب عليه بالإثم بدلًا من الثواب!
أثناء الدورة الشهرية، يصبح مزاجي سيئًا، وأشعر بآلام كثيرة، فأترك أذكاري خلال هذه الفترة، أو أقرؤها دون تركيز، وكذلك ورد القرآن أقرؤه من الهاتف دون تركيز، لا أعلم ما السبب، لكن ما أعلمه حقيقة هو أنني أحب الله ورسوله، وأتمنى أن أجاهد نفسي، وأبقى على حال يحبه الله ويرضاه.
أرجو منكم النصيحة حول ما يجب أن أفعله، وكيف أستطيع أن أجعل حياتي مليئة بتدبر القرآن، والشعور بالراحة والطمأنينة بقرب الله تبارك وتعالى.
ولكم كل الشكر والاحترام، وجزاكم الله عنا كل خير.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سارة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلاً بك في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان وبعد:
إننا نحمد الله الكريم الذي صرفك إلى الحق، وأبعدك عن طريق الباطل، ويسر لك الطاعة وحببك إليها، وما تتحدثين عنه هو أمر متفهم لسببين:
1- تشرب القلب بالمعاصي يحتاج إلى وقت، حتى يستشعر العبد الطاعة ويتذوقها على الحقيقة.
2- طبيعة النفس هي بين إقبال وإدبار، فقد تعتريها سحب طيبة، وقد يمر عليها سحب المعصية، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (ما من القلوب قلبٌ إلا وله سحابةٌ كسحابة القمر، بينما القمر يضيء إذ علته سحابةٌ، فأظلم إذ تجلت)، ولذا قال أهل العلم: "إن الإيمان يزيد وينقص"، لذا ننصحك حتى تدركي ما فاتك، وتتذوقي الطاعة حقًا، أن تفعلي ما يلي:
1- الصلاة على وقتها، بوضوء جيد واستحضار القلب، وتفكر في القراءة والتسبيح.
2- تدبر القرآن جيدًا، يقول عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه: [لو طهُرت قلوبنا، لما شبعت من كلام الله]، وهذا يحتاج إلى ترديد الآيات مع قراءة تفسيرها والتفكر فيها، والصبر مطية الصالحين.
3- التفكر في عظمة الله وقدرته: الله عز وجل يقول: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مطوياتٌ بيمينِه) [الزمر:67] ( وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ) [يونس:61]، ويقول (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) [غافر:19] ترديد هذه الآيات مع تفسيرها، والقراءة في أسماء الله تعالى؛ يورث الخشوع في القلب.
4- ملء الوقت بطاعة الله: من الأسباب التي تورث الخشوع في القلب: ملء الوقت بطاعة الله، وهذا أمرٌ عظيمٌ، عندما سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أصحابه: (من أصبح منكم اليوم صائماً؟) وأبو بكر يقول: أنا، (من عاد منكم اليوم مريضاً؟) وأبو بكر يقول: أنا، (من تبع اليوم منكم جنازةً؟) وأبو بكر يقول: أنا، هذا يعني أن أبا بكر الصديق -رضي الله عنه وأرضاه- كان وقته مملوءاً بطاعة الله، يعمل في اليوم أعمالاً تأخذ وقتاً كبيراً، ولكنه يسردها سرداً.
5- القراءة في سير الصالحين من المسلمين رجالاً ونساءً، وكيف كان جهدهم وكيف كانت طاعتهم.
6- التمعن في حسن الخاتمة وسؤئها وتذكر الموت.
7- تذكر منازل الآخرة: يقول ابن القيم رحمه الله: "وإذا صحت الفكرة أوجبت له البصيرة، وهي نور القلب يبصر به الوعد والوعيد والجنة والنار، وما أعد الله في هذه لأوليائه، وفي هذه لأعدائه، فأبصر الناس وقد خرجوا من قبورهم مهطعين لدعوة الحق، وقد نزلت ملائكة السماء، فأحاطت بهم، وقد جاء الله ونصب كرسيه لفصل القضاء، وقد أشرقت الأرض بنوره ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء، وقد نُصب الميزان وتطايرت الصحف واجتمعت الخصوم، وتعلق كل غريم بغريمه، ولاح الحوض وأكوابه عن كثب، وكثر العُطاش وقلّ الوارد -قل الوارد على الحوض والناس عطاش؛ لأنه ليس لأي واحد أن يرد الحوض- ونُصب الجسر للعبور -الصراط على جهنم- ولز الناس فيه، وقُسمت الأنوار دون ظلمته للعبور عليه بحسب أعمالهم -يأتون الأنوار وهم يسيرون على ظلمة الجسر- فالذين عملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم، فيمرون على الجسر المظلم مروراً عظيماً، بخلاف المنافقين الذين يُسلب منهم النور، فيتعثرون ويسقطون في جهنم.
والنار يحطم بعضها بعضاً تحته -تحت هذا الجسر- والمتساقطون فيها أضعاف الناجين، فينفتح في قلبه -عندما يتأمل الإنسان أحوال الآخرة ومنازلها- تنفتح في قلبه عين يرى بها كل هذه الأمور، ويكون في قلبه شاهدٌ من شواهد الآخرة، يريه الآخرة ودوامها والدنيا وسرعة انقضائها.
8- الصحبة الصالحة التي تدلك على الله تعالى.
9- كثرة الدعاء لله عز وجل أن يصلح الله قلبك، وأن يهديك الطريق المستقيم، مع الصبر على ذلك والمجاهدة، والله عز وجل قال: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ).
الأخت الكريمة: من ضمن وساوس الشيطان للعبد أن يأتيه بين اللحظة وأختها، ليسرب إليه شبهة الرياء أو النفاق مع كل طاعة يفعلها، وهذا ما يحدث معك، فالعمل الذي تقومين به من نشر بعض آيات القرآن، أو الحديث، أو قراءة القرآن -ولو بغير تدبر- في البداية هي كلها طاعات، فلا تتوقفي عنها، ويكفيك أن تجددي النية عند بداية العمل، ولا يضرك بعد ذلك ما يوسوس به الشيطان.
أما مسألة المزاج السيئ أثناء الدورة؛ فهو أمر طبيعي يحدث لكل النساء من اضطرابات، ولكنه ازداد عندك لاقترانه بالوسواس الذي يوهمك بأنك منافقة، وأنه ليس هناك فرجة أمل في الإصلاح والصلاح، والحق أنك على الخير، وأن الاضطرابات طبيعية وطبية، ولا علاقة لها بالوسوسة.
وفي الختام: حديثك عن محبة الله ورسوله أمر جيد، ولابد أن يتبعه العمل، فافعلي -أختنا- ما نصحناك به مع كثرة الطاعة لله، والدعاء، وستجدين العقبى الخير لك إن شاء الله.
نسأل الله أن يحفظك، وأن يرعاك، والله الموفق.