أدعو على خالتي ولا أستطيع مسامحتها بسبب ظلمها لي!
2025-01-25 22:18:36 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله.
عمري 26 سنة، ومنذ طفولتي كانت خالتي (شقيقة أمي) دائمًا تقارن بيني وبين بناتها، وتحرض عليّ أمام أمي، كنت أعي جيدًا كراهيتها لي.
في عمر 15 ارتكبت خطأ أعتبره بسيطًا، حصل سوء تفاهم بيني وبين خالتي الصغرى، استغلت خالتي الكبيرة سوء التفاهم هذا وحرضت عليّ وجعلت جميع المراهقات (صديقاتي وقتها) والفتيات من مختلف الأعمار -وحتى الأطفال- يقاطعونني، حتى سمعت بناتها الصغار يتحدثون مع الآخرين قائلين: "نحن نحب الجميع سوى فلانة (أنا)".
عانيت من مراهقة صعبة جدًا بسبب شعوري بأنني مكروهة، فكنت وحيدة، ولا أحد يتحدث معي، وأشعر بأذى نفسي مستمر، وكانت المعاناة تزداد لأننا كنا نعيش ونسكن في مدينة أخرى، وعند زيارتنا لهم كنَّا نقيم في بيت جدي وجدتي، حيث كنت أخضع لأنواع مختلفة من كره الذات، جعلتْ خالتي الجميع يعتقد أن ما فعلتُهُ كان جريمة ومصيبة كبيرة، وتتلذذ وتفرح بتجاهلي وحرماني، وتمنيت الموت والاختفاء بسبب شعوري بالخزي والعار الذي يلاحقني.
لم أجد من يقف بجانبي، ولم أطلب المساعدة، وكان كل ما أتمناه هو ألَّا تتأذى أمي بسبب خطئي، وكبرت ومرت الأيام ولم أعد مراهقة، ولم أعد الفتاة التي يمكن إيذاؤها بسهولة، وبدأت خالتي تؤذي أمي بمواقف جديدة كل يوم، بالإضافة إلى أنها بدأت تشوه سمعتي بين أفراد العائلة أكثر، وتحمّلنا وصبرنا، لكن هذا العام بدأت تصب غضبها على جدتي المسالمة، وتحرضها وتخاصمها وتطلب منها أن تقف في وجهنا، ووصل الأمر إلى أن أصيبت جدتي بجلطة كانت ستؤدي إلى وفاتها لولا لطف الله.
لم أتجاوز ألمي النفسي، ولم أشعر أبدًا أنني انتصرت عليها أو أنني حصلت على حقي، وكنت لا أفهم مشاعري حتى تزوجتُ وحظيت بحب زوجٍ وعائلة كبيرةٍ، لم أكن أتوقع أني أحِب أو أُحَب يومًا، ومع ذلك في أعماقي هناك جرح عميق لا يسمح لي بالاستمتاع بهذا الحب، لأنني لم أتعلم بعد كيف أحب نفسي، وصرت بعد الزواج أحلم بخالتي بقهر وغضب، وكأن مشاعري تجاهها انكشفت فجأة، وتفاجأت بهذا الشعور، وكأني لا أعلم بأن قلبي يحمل كل هذا الغضب تجاهها.
قمت بالعمرة والحج، وجمعت عدة دعوات بموقف عرفة، وقبيل المغرب فرشت سجادتي ودعوت الله بكل ما أتمنى، ولم أستطع الخشوع من التعب والإرهاق، فذكرت خالتي في دعواتي بأن يشغلها الله عني، وأجهشت بالبكاء، وسجدت لله تعالى، وتبللت سجادتي بدموعي، وقلت في دعائي: (يا رب انتقم لي من خالتي، يا رب خذ حقي منها).
خالتي امرأة ملتزمة كثيرة الصلاة والصدقة والدعاء، أخشى أن الله غفر لها، وأخشى أن يكون عقابها أقل بسبب طاعتها، أتمنى لها العذاب في الدنيا والآخرة، وأتمنى لها الضعف والعجز والخوف، وأن يرتبط مصيرها بمن لا يرحمها، وأخشى كونها تعرضت لطفولة قاسية جعلت منها ضحية، فقد تعرضت للاغتصاب في طفولتها.
أنا ما زلت منبوذة من أهل أمي، فأنا لا أحضر اجتماعاتهم إلَّا بالمناسبات الكبيرة، وهذا كان طلب أمي لأنها تعبت من أذية خالتي لنا، وكأن دخول أمي وأخواتي بدوني أفضل، لإنهاء الاجتماع على خير دون مشاكل.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ بتول حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبًا بك -أختنا العزيزة- في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله تعالى أن يُذهب عنك كل مكروه، وأن يرزقك الصبر والاحتساب، فإنه ما أُعطي أحدٌ عطاءً خيرًا له وأوسع من الصبر، كما قال الرسول الكريم ﷺ.
ونحن نحب - أيتها البنت العزيزة – أن نذكّرك بما يُذهب عنك الغم والهم، ويُدخل السرور إلى قلبك، فقد أخبرنا ربُّنا سبحانه وتعالى في كتابه الكريم، وأخبرنا رسولنا ﷺ في أحاديثه الشريفة عن ثواب الصبر والاحتساب، وموقف الإنسان المسلم عندما يُصاب بمظلمة، ولا سيما من أقاربه، ومن هذه النصوص قول الله تعالى: {وإمَّا تُعرضنَّ عنهم ابتغاء مرضاة من ربك فقل لهم قولًا ميسورًا}، وقال: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليٌ حميم}، ومن هذه النصوص أحاديث عن النبي ﷺ، مثل قوله ﷺ: (ثَلَاثٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ: مَا نَقَّصَ مَالَ عَبْدٍ صَدَقَةٌ، وَلَا ظُلِمَ عَبْدٌ بِمَظْلَمَةٍ فَيَصْبِرُ عَلَيْهَا إِلَّا زَادَهُ اللَّهُ بِهَا عِزًّا، فَاعْفُوا يَعِزِّكُمُ اللَّهُ، وَلَا فَتَح عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ إِلَّا فَتَحَ اللَّهُ لَهُ بَابَ فَقْرٍ) [رواه الإمام أحمد].
فهذا الحديث يُقسم فيه النبي ﷺ أن الإنسان إذا ظُلم مظلمة وصبر عليها زاده الله تعالى عِزًّا بها، أي بسببها، والمقام الأعلى للإنسان هو العفو والصفح، والذي يُشجّعه ويدعوه إلى العفو والصفح علمه بأن الله سبحانه وتعالى يُجازيه عن عفوه وصفحه، وأن هذا العمل لا يضيع عند الله تعالى، وأنه يعود على الإنسان بالخير والمنفعة والمصلحة بشكل أكبر وأكمل وأتمّ ممَّا ترغب النفس فيه من الانتقام وتحصيل رغبتها، فقد قال الرسول ﷺ: (مَا مِنْ رَجُلٍ يُجْرَحُ فِي جَسَدِهِ جِرَاحَةً فَيَتَصَدَّقُ بِهَا إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ عَنْهُ مِثْلَ مَا تَصَدَّقَ بِهِ) [رواه الإمام أحمد].
فعفو الإنسان إذًا عن المظالم التي تقع عليه صدقات محسوبة له، مكتوبة في ميزان عمله، ولا شك أن كل واحدٍ مِنَّا يحبّ أن يأتي يوم القيامة وفي ميزانه حسنات تثقّل هذا الميزان لينجوَ من عذاب الله تعالى ومن دخول النار، ومن الأهوال والمشاق التي يتعرّض لها الإنسان في تلك المواقف الشديدة الصعبة.
فتذكُّرُك لهذه المعاني - أيتها البنت العزيزة – يُخفّف عنك هذا الغيظ الذي تجدينه في قلبك على قريباتك.
وتركك للمخالطة لهنَّ لا حرج فيه ما دام المقصود به دفع الضرر وتقليل المفاسد، ونصيحتُنا لك ألَّا تُقصّري في التواصل والصلة التي لا ضرر فيها، فإن خالاتك من ذوي الأرحام، والخالة بمنزلة الأم، فإذا أساؤوا إليك، فحاولي أنت أن تُحسني إليهم، وجاهدي نفسك على ذلك، ولا أقلَّ من أن تقومي بالقدر الواجب من صلة الرحم التي لا مفسدة معها، مثل الاتصال بالهاتف للسلام، أو بعث الرسائل للسلام، ونحو ذلك.
واعلمي أن الله سبحانه وتعالى سيجعل صبرك على القيام بما يأمرك به سببًا لسعادتك.
نسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير.