كيفية التصرف مع الأب والإخوة الذين يشاهدون الأفلام الأجنبية
2006-02-26 11:23:03 | إسلام ويب
السؤال:
بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد:
فقد دخلت اليوم إلى البيت وطلب مني والدي أن أركب له قنينة الغاز للتدفئة، فقلت له: إني جائع ومتعب، فأصر علي، ففعلت له ما طلب مني، ولكن قبل أن يجلس كنت مخططاً أن أتناول الطعام، وأن أشاهد الشريط الإخباري، وبعض الرسوم المتحركة أو برنامجاً وثائقياً لمدة نصف ساعة، ثم أذهب لأصلي الوتر، وأقرأ شيئاً من القرآن وأراجع دروسي، ولكن البرنامج تبدل، فقد أمسك الريمانتد كنترول وبدأ يشاهد فيلماً أمريكياً.
في هذا اليوم بالذات تعطل تلفازي، ولكن قلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، وقلت له: فكأنك الآن تقول لي: اذهب من هذا المكان؛ لأني لا أحب أن أدخل البيت وأجد أحد أفراد أسرتي يشاهد فيلماً أو يستمع إلى الأغاني، وإن كنت في بعض الأحيان أشاهد شيئاً من أفلام الإثارة والمعاركة على شنيل 2، وأحب إن جلست لمشاهدة التلفاز أن أبدأ بالاستماع للقرآن الكريم وخاصة في الصباح، وأشاهد إما الأخبار، أو البرامج الوثائقية، أو الرسوم المتحركة، أو الدروس الدينية، أو شيئاً من الرياضة، ولا أحب الأغاني ولله الحمد.
وبدأت أحدث نفسي بصوت منخفض: ترى أباك يشاهد الأفلام، فكيف تلتزم أنت؟ وقد سمعني ورمى بآلة التحكم وقال لي وهو غاضب: أنت دائماً تتكلم من الصباح إلى المساء مثل المرأة العجوز، وأطفأ التلفاز، وكنت غاضباً فضربت سلة المهملات برجلي لكي أفرغ غضبي شيئاً ما، ولكن بدون أن أظهر له ذلك.
ثم خرجت بعد ذلك، وبدأت أقول أشياء أسأل الله أن يغفرها لي، وكنت أحمل مظلة فرميتها وبدأت أقول: ماذا أفعل أنا؟ واستغفرت الله تعالى ثم حاولت أن أضبط نفسي، وكنت جائعاً فاشتريت بعض المأكولات، وذهبت إلى نادي ألعاب الفيديو لكي أرفه عن نفسي شيئاً ما، وها أنا اليوم أتيت إلى مقهى الإنترنيت لأقص لكم ما جرى.
وأنا ألوم نفسي كثيراً على ما جرى، فقد قصت عليَّ أختي أن رجلاً كان يصلي الصلوات كلها في وقتها، والفجر أيضاً في المسجد، وقد دعا عليه أبوه وهو الآن يتجول في الشوارع لا عمل ولا مأوى، ويشرب السيجارة والخمر، فأنا أخاف أن يصير حالي مثله، فقررت ألا أكلم والدي أبداً في شأن الموسيقى أو الأفلام ولو وجدته يشاهدها، ولكن أحياناً لا أستطيع؛ لأني كما ذكرت لكم لا أحب أن أدخل وأجد الأفلام أو الموسيقى في بيتنا، حتى لا أقع معه في مشاحنات أو في السخط وعقوق الوالدين، وأنا لا أحب نفسي عندما أتشاجر مع والدي.
وكذلك إخوتي، فقد دخلت اليوم ووجدتهم يشاهدون فيلماً، فقلت لأختي: أنت تعلمين أني لا أحب مثل هذه الأفلام وخاصة الأفلام المصرية، وطلبت منها أن تعطيني جهاز التحكم؛ فرفضت وقالت: أنت دائماً عندما تدخل تأخذ الريمانتد كنترول وكأنها ملك لك، وتبدل لنا القناة وتشاهد ما تريد، فقلت لها: أنت تعلمين أني لا أحب أن أدخل وأجد الأفلام في البيت، ودائماً عندما أدخل البيت لا أجد شيئاً أستفيد فيه معكم من مشاهدته، فمتى دخلت البيت ووجدتكم تشاهدون درسا دينياً أو شيئاً من هذا القبيل؟! فردت عليَّ وقالت لي: ومتى دخلت أنا البيت ووجدتك تدرس؟ فقلت لها وهل تكونين معي عندما أذهب للدراسة مع أصدقائي؟
المهم أنها أغضبتني فقالت لنا والدتنا: كفاكما جدالاً، حفظها الله هي وأبي، وأطال في عمرهما، وزكى أعمالهما على طاعة الله ورسوله، اللهم آمين.
بماذا تنصحونني جزاكم الله خيراً في معاملتي مع والدي وإخوتي في المشاكل التي يسببها لنا التلفاز؟ هل أدخل البيت فإذا وجدتهم يشاهدون الأفلام أسكت وأصبر، وأذهب إلى غرفة أخرى؟
علماً بأني لا أستطيع ذلك؛ لأني عندما أريد الأكل أحب أن أشاهد التلفاز، سواء الأخبار أم درساً أم البرامج الوثائقية، وكذلك لا أحب العزلة، فبماذا تنصحونني؟ جزاكم الله عنا خيراً؟
أسألكم الدعاء لي بالصلاح في الدنيا والآخرة، وحسن الخلق، وأن ينجيني من كيد شياطين الإنس والجن، وأن يوفقني للصواب في القول والعمل دائماً وأبداً، إنه على كل شيء قدير، آمين.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخ الفاضل/ إلياس حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نسأل الله أن يحفظكَ ويسدد خطاك، وأن يلهمك رشدك، ويحقق لك مناك، وأن يعيننا على ذكره وشكره.
إن المسلم لا يتوقف عن الدعوة إلى الله والنصح، ولكن عليك أن تتحرى الأوقات المناسبة، وتتخذ الأسلوب المقبول الذي يعين العاصي على الاستجابة والقبول، وإذا كانت المخالفة من الأب أو الأم فأنت محتاج لمقدار كبير من اللطف والملاطفة، وقدوتك في ذلك هو نبي الله الخليل عليه وعلى نبينا صلوات الله الجليل، وقد نقل القرآن أدبه في دعوة أبيه فقال سبحانه: (يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا * يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا ) [مريم:42-45].
وحبذا لو قدمت لذلك بألوان من الإحسان والبر، وعرفت للوالد مكانته وفضله، وأثنيت عليه بما هو أهله، ومن الضروري أن يكون النصح بعيداً عن الأعين والآذان، وأن لا يكون النصح أثناء اندماجه مع المخالفة الشرعية؛ لأن الشيطان حاضر.
كما أرجو أن تكون قدوة حسنة، فإن الذي يظهر أنك أيضاً ممن يشاهد التلفاز، ويذهب إلى مواطن وأماكن فيها مخالفات، وإذا التزم الناصح بما يأمر به؛ فإن الناس يسمعون كلامه، ولذلك قال الله على لسان نبيه شعيب عليه الصلاة والسلام: ( وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ) [هود:88] وقال سبحانه: ( كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) [الصف:3].
أرجو أن تتنوع في الأسلوب، ولا تكثر من الكلام، فمن الحكمة أن يقلل الداعية إلى الخير من الكلام، ومن المهم كذلك أن ينتقي الأوقات المناسبة لإسداء النصح، وقد قال قائل الصحابة: (وكان صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة كراهة السآمة علينا).
كما قال ابن مسعود رضي الله عنه لما طلبوا أن يعظهم في كل يوم، فكان جوابه: ( إني أكره أن أملكم).
لا شك أن دعوة الوالد أقرب للإجابة، ولكن الله سبحانه عدل رحيم، ولا يستجيب دعوة فيها ظلم أو إثم أو قطيعة رحم، وسعيدٌ في الناس من يفوز بدعوات والديه ويتمكن من إرضائهم، أما إذا كان الإنسان مقصراً في حق والديه؛ فعليه أن يتق الله ويتحاشى غضب والديه.
لا يخفى عليك أن النصح والدعوة للآخرين هي أهم صور البر والوفاء، فالأقربون أولى بالمعروف، ومن هنا كان حرص البني صلى الله عليه وسلم على دعوة أعمامه وعماته، ولا عجب فقد قال له رب العزة والجلال: (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ) [الشعراء:214].
نحن لا ننصحك بالاعتزال، ولا نؤيد السكوت المطلق على المنكرات، ولكننا ندعوك إلى الحكمة في التغيير والإصلاح، والصبر حتى تصل بهم إلى شواطئ الفلاح، وحاول أن تكسب الوالدة، ثم تتدرج في نصح الآخرين، ولا تدخل مع الجميع في معارك، وحاول أن تعامل الجميع بالحسنى، فإن الناس جبلوا على احترام وحب من يحسن إليهم.
إذا لاحظت أن أحد الوالدين غضبان فليس من الحكمة الاستمرار في النقاش، ولا فائدة من الجدال؛ لأن الشيطان يتدخل وتضيع الحقائق، ويصبح هدف كل طرف إظهار عيوب الآخر، وهذا حوار لا يوصلنا إلى نتيجة.
اتق الله في نفسك وأهلك، وترفّق بهم في نصحك، واعلم أن الإنسان يدعو الناس بسمته وأخلاقه قبل لفظه وكلامه.
والله ولي التوفيق والسداد.