قلبي تعلق بغير الله فكيف أصلحه؟
2022-03-21 04:50:04 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم.
أنا فتاة، أبلغ من العمر 20 سنة، توقفت عن الدراسة منذ سنوات، ولا أعمل أي شيء في حياتي، علاقتي بربي جميلة جدا، عندما كان عمري 16 سنة تعرفت على شاب، وكنا فقط أصدقاء إلى أن اعترف لي بحبه الشديد، وكذلك أنا، أطلب من الله أن يجعله من نصيبي، ولكن مشكلتي هي أنه لا يزال يدرس، وليس مؤهلا للزواج ولا يقدر عليه بتاتا، فهو يكبرني بسنة واحدة.
مع الوقت أصبحت سعادتي متعلقة به، وفرحي وضحكي متعلقا به تعلقا شديدا، ولن أصبر على فراقه أبدا، ما الذي يجب علي فعله؟ حياتي يسودها الملل، وليس لدي وظيفة أو حرفة لأنشغل بها، وليس لدي صديقات، أنا وحيدة تماما، أعرفه هو فقط، لم ألتق به بتاتا، نحن نتكلم فقط عبر الهاتف منذ سنوات وأعرفه وحده، وتعلقت به كثيرا، فما هو الصحيح؟ وكيف أعالج نفسي من التعلق؛ لأنني قرأت أن الله يغار إن تعلق القلب بغيره؟ أعلم أنه صعب علي أن أفترق عنه، ولكن انصحوني فماذا أفعل لأغير حياتي ونظرتي للحياة، فهو دائما يخبرني أننا لن نتزوج يوما بسبب الماديات ومتطلبات الحياة الصعبة؟
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ صفاء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلًا بك -ابنتنا الفاضلة- في موقعك (إسلام ويب) ونسأل الله أن يريك الحق حقا ويرزقك اتباعه.
لقد سرنا حديثك عن علاقتك بالله والتي وصفتيها بأنها جميلة، وهي حقا كذلك، بل هي السعادة الحقة في هذه الحياة، وهي النعيم الذي لا يعدله شيء، وهي جنة الدنيا لمن أراد النجاة.
ابنتنا الكريمة: دعينا نبدأ معك من آخر ما كتبت، وتحديدا من قولك (أعلم أنه صعب أن أفترق عنه لكن انصحوني ما الذي أفعله لأغير حياتي ونظرتي للحياة، فهو دائما ما يخبرني أننا لن نتزوج يوما بسبب الماديات ومتطلبات الحياة الصعبة).
لقد طلبت النصيحة منا، ونحن سنلبي طلبك، وننصحك لله عز وجل، والمطلوب منك يا ابنتي أن تعقلي كلامنا، وأن تختاري طريق سعادتك في دنياك وآخرتك.
أول مشكلة لك هو هذا الوهم الذي أصابك، والذي خدعك به شيطانك بعد أن أوثق حباله عليك، حتى قيدك وأشعرك بالعجز، وزين لك وهم الحرام حتى ظننت السعادة الوحيدة فيه، ولأنك في الأصل فتاة صالحة حدث عندك هذا الصراع النفسي، بين عقل يرى أن هذا الأمر لا يجوز ولا يحل، ولا ينبغي لمسلمة فضلا عن المتدينة أن تقع فيه، وبين عاطفة تشدك شدا إليه، وتوهمك أن هذا طريق السعادة.
ابنتي الكريمة: أنت تعلمين أن هذه العلاقة محرمة، وأنها لا ترضي الله عز وجل، وأنك آثمة في كل كلمة تحدثت فيها معه، فهل يرضيك ذلك، هل أمنت غضب الله عليك، بل هل أمنت أن الله عز وجل لن يرفع ستره عنك؟!
ابنتي: لقد ارتكبت جرما عظيما في حق دينك وحق أهلك وحق نفسك، نعم: لقد أهنت من نفسك وأرخصتها حين تواصلت مع هذا الشاب الغريب عنك طيلة هذه السنوات، حتى ضعفت رقابة الله عندك، فلو كانت حاضرة لما تجرأت على دخول هذا المعترك الآسن والخطير على صغر سنك، حتى أوصلك إلى ما أنت عليه اليوم! وأنت الفتاة الصالحة التي ما كان ينبغي لها أن تقع في مثل هذا الوحل الآسن.
ابنتي: البقاء في منطقة الوسط هذه مؤلم جدا، وكلما امتدت كلما كنت أقرب إلى الحرام أكثر وأكثر، خاصة وأنت تعلمي أن هذه العلاقة لن تفضي إلى الزواج لاعتبارات عديدة ذكرت بعضها وقد صرح لك بذلك فلماذا الإصرار على العذاب مع وضوح الطريق، لاسيما وما تستطيعن فعله اليوم قد يصعب عليك غدا، فاحذري التقاعس أو الاستسلام للشيطان، ولا تظني يا ابنتي أن طريق السعادة الحقيقية يمكن أن يمر يوما من بوابة الحرام !!.
الحل الان لا زال متاحا، وبيديك، المهم أن تتعرفي على نقاط الخلل، وأولها الأسباب التي أوصلتك إلى تلك الحالة، فلا توجدُ مشكلةٌ في الحياةِ ليسَ لها أسبابٌ دافعة، وعلاجات نافعة، وهذا من رحمةِ الله بنا، وعلينا إذا أردنا أن نعالج مشكلة قائمة أن نعرف أسبابها، فمعرفةَ الأسبابِ نصف العلاج، وسنورد الأسباب والعلاج في النقاط التالية:
أولا: إن أول الأسباب التي عظمت هذا الفعل ودفعتك إلى التفكير الكثير فيه هو: الفراغ الذي تعيشنه، فقد ذكرت أنك تركت الدراسة ولا تقومي بعمل شيء في حياتك، وهذا يا بنيتي مسرح الشيطان وأرضيته المناسبة، فإذا استطعنا أن نغلق هذا الباب فقد تجاوزنا نصف المشكلة وربما أكثر، وعليه فلابد من استغلال وقت الفراغ في عمل منهجي كالعودة إلى الدراسة ولو عن طريق الشبكة العنكبوتية، عن طريق الجامعات المفتوحة، كما يمكنك كذلك أن تطلبي العلم الشرعي، وأن تجتهدي في تحصيله، واليوم أصبح الأمر أكثر سلاسة من ذي قبل كذلك للقضاء على الفراغ نرجو منك أن توطدي علاقتك بأهلك أكثر وأكثر، وأن تقومي بدور إيجابي في بيتك معهم ومع أرحامك بصفة عامة.
ثانيا: مما يعينك على الاقتراب من الله مرة أخرى، والابتعاد عن هذا العذاب أن تؤمني بأن أقدار الله نافذة، وأن الله قدر الأمور قبل أن يخلق الله السموات والأرض، فقد روى مسلم في صحيحه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : "أول ما خلق الله القلم قال له: اكتب، فكتب مقادير كل شيء قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء "فهذا الشاب معلوم في قدر الله إن كان لك أو كنت أنت لغيره، ولا راد لقضاء الله عز وجل، ولا معقب على حكمه، ولو اجتمع أهل السموات وأهل الأرض على أن يغيروا من قدر الله حبة خردل ما استطاعوا، والعاقل أختنا من اتعظ بذلك وعلم أن رضا الله عز وجل هو المبتغي وأن السعيد الحق هو من أوثق بالله صلته، وعمّر بالذكر قلبه، وترك كل ما يغضب الله عز وجل طاعة لله وقربة له ساعتها ستجدي نورا في قلبك وهدوءا في نفسك وتكتشفي ساعتها كم كنت على خطأ بيّن بسلوكك المحرم هذا.
ثالثا: ثقي أيتها الفاضلة أن قضاء الله هو الخير لك، فالله لا يقضي لعبده إلا الخير، ثقي أن ما قدره الله لك خير مما أردتيه لنفسك، فاطمئني وتذكري أن العبد قد يلهث خلف الشر يظنه خيرا ولا يدري إن فيه هلكته، وقد يعترض على الخير يظنه شرا ولا يعلم أن فيه نجاته، وهذا بعض قوله تعالى: " وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم " فكوني على يقين بأن اختيار الله لك هو الأفضل دائما، وهنا سيطمئن قلبك وتستريح نفسك.
رابعا: احذري من اليأس، أو أن يصور لك الشيطان أنك لن تنجحي في الابتعاد عن الشاب، ولن تستطيعي التخلص منه، أو أن يعظم لك المصيبة ليصرفك عن العودة، احذري أن يصور الشيطان لك أنك ابتعدت عن الطريق المستقيم ولم يعد مقدورا الرجوع إليه، هذه كلها خطوات الشيطان ومكائده، ورحمة الله أوسع لك.
رابعا: إننا نوصيك إذا أردت التخلص من مثل هذا العناء أن تتبعي تلك الوصايا، وبيدك أنت وحدك التخلص من هذا العذاب أو الاستمرار فيه مع ضياع حاضرك ومستقبلك، القرار بيدك أنت ولا نملك لك إلا صدق النصيحة فقط، نوصيك بما يلي:
1- الابتعاد وفورا عن هذا الشاب؛ لأن الاقتراب منه حرام شرعا، والتحدث إليه حرام شرعا، فافعلي ذلك من منطلق ديني ابتغاء رضا الله عز وجل والتماسا للأجر.
2- اجتهدي في زيادة معدل التدين عندها عن طريق سماع الأشرطة الوعظية المحببة السهلة، أو عن طريق بعض (الكليبات) التي تتحدث عن محبة الله، وعن الشوق لله، وعن الحياة والموت وما بعده، أو عن طريق القصص التي تبين مآل الإنسان، المهم أن تستخدمي كل وسيلة ممكنة حتى تقتربي من الله عز وجل، ثقي أنك كلما اقتربت من مولاك كلما ضعف الحرام في قلبك، وكلما شعرت بالسعادة الحقة.
3- احرصي على التعرف على بعض الأخوات الصالحات واجتهدي أن تمكثي معهن وقتا أطول في الوعظ والذكر والدعاء والاقتراب من الله وعمل الخير.
4- امسحي كل وسيلة اتصال بينك وبين الشاب ولا بأس من تغيير رقم هاتفك وإيميلك إذا لزم الأمر، ولا تستمعي لكلام الشيطان بأنك لن تستطيعي نسيانه، هذا كذب وتدليس يوهمك الشيطان إياه فلا تنخدعي بذلك.
وأخيرا: أحدثي لله توبة واعلمي أن الباب لا زال مفتوحا أمامك للعودة، ولا تظني أن الله لن يقبل الله توبتك وقد فعلت ما فعلت، فالله كريم غفور رحيم وهو القائل جل شأنه: ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ) أي: يغفر الذنوب مهما عظمت أو صغرت، كثرت أم قلت، فبادري بالتوبة إلى الله وأقبلي على ربك، لتخرجي إلى الطمأنينة والسكينة.قال تعالى: (( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) بل زاد فضل الله وكرمه حين يبدل السيئات والموبقات إلى حسنات كريمات فاضلات، قال الله جل وعلا: (( إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)).
نسأل الله أن يوفقك لكل خير، وأن يسعدك في الدارين والله الموفق.