كيف أتخلص من وساوس الشرك وفساد العقيدة؟
2021-10-18 00:41:53 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لقد شخصت بإصابتي بالاكتئاب الناتج عن الفصام قبل أكثر من عام، وواظبت على الدواء والحمدلله أنا بحالة جيدة إلا أن هناك عقبة تعيق تقدمي في الدين والدنيا ألا وهي الوساوس الشركية، حيث بدأت على شكل صور تجوب فكري كلما سجدت أحس بعدها كأنني سجدت لهذه الصورة، وتتراءى أمامي في الدعاء أيضاً.
وكلما أستمع إلى القرآن الكريم يوهمني الوسواس بأنني أعبد القارئ لا أعبد الله، وتركت العمل كثيراً نسبة لفكرة وسواس التي تقول أني أعبد صاحب العمل أو المدير من دون الله، والله أني أعلم جيداً أنها من وساوس الشيطان وجنده وأجاهد نفسي في مدافعتها ما استطعت، وأعلم أن الحق -عز وجل- لا يكلف نفساً إلا وسعها، ولكن الإحساس بالوهن الذهني والبدني والتأخر في الآخرة والدنيا الذي أجده من هذه الوساوس يجعلني في دائرة إحباط، وأحس أن كل جهودي وسعيي إلى الله وفي الدنيا مجرد هباء.
جربت ن أعرض نفسي للألم كلما راودتني الأفكار، ووصل بي الحال إلى أن أحرق نفسي بالنار، أو أضرب رأسي بالجدار لأقطع الاسترسال مع الوساوس، وكان الأمر ينجح أحيانا.
أرجو من الله -عز وجل- سبحانه أن يعينني على ما أنا فيه، وأسأله أن لا يؤاخذني بهذه الوساوس البغيضة، وأتمنى إذا كانت هنالك أي أشياء أفعلها تعينني على التخلص من هذه الوساوس، فإنني والله أريد أن أحمل هم أمة الإسلام، وأريد أن أنشر العلم النافع الذي ينتفع به، ولي العديد من الأهداف في ديني كحفظ كتاب الله، وتعليمه، وفي الدنيا كالزواج لكن هذه الوساوس البغيضة أرهقتني واستنفذت قواي وجهودي!
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد الأمين حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أشكر لك تواصلك مع الشبكة الإسلامية، وأسأل الله تعالى لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.
أخي: أنت ذكرتَ أنك قد تعالجتَ من الاكتئاب النفسي، والذي هو نتاج من الإصابة بمرض الفصام، وهذا يُعرف باكتئاب ما بعد الفصام، والحمد لله تعالى حالتك تحسّنت بصورة ممتازة، والآن أنت تعاني من هذه الوساوس مزعجة المحتوى، وهي بالفعل بغيضة وسخيفة.
أخي الكريم: قطعًا أنت محتاج لعلاج دوائي، لأن الوساوس الفكرية تستجيب للعلاج الدوائي بصورة ممتازة، أضف إلى ذلك أن الإنسان إذا كان له تاريخ مع مرض الفصام وأتته الوساوس، فالبعض يعتبر أن هذه الوساوس هي وساوس فصامية، ولذا من الضروري جدًّا أن يتناول الإنسان مع مضادات الوساوس دواءً أيضًا مضادًا للذهانيات والأمراض الفصامية، ولكن بجرعات صغيرة.
فمثلاً في حالتك هذه عقار (فلوكستين) والذي يُسمى (بروزاك) يُضاف إليه عقار (رزبريادون) ستكون هي الأدوية المثالية والأدوية الممتازة جدًّا، والتي سوف تساعدك كثيرًا - أخي الكريم - على القضاء على هذه الوساوس.
طبعًا حالتك من المفترض أن تكون تحت الإشراف الطبي النفسي المباشر، ولذا أنا أقول لك: إذا راجعت طبيبك النفسي هذا أيضًا سوف يعود عليك بفائدة كبيرة، لكن أنا أؤكد لك بصورة قاطعة أن هذا النوع من الوساوس الفكرية - التي أيضًا قد تكون ذات طابع فصامي - تُعالج بصورة فعّالة جدًّا، والأدوية هي الأساس في علاجها. الفلوكستين قد تحتاج أن تصل إلى ستين مليجرامًا يوميًا، والرزبريادون قد تحتاج أن تصل لأربعة مليجرام يوميًا، وهذه الجرعات يتمُّ بنائها تدريجيًا.
إذًا العلاج الدوائي مهم وضروري جدًّا. تأتي بعد ذلك العلاجات النفسية السلوكية.
أولاً - أخي الكريم -: يجب ألَّا تخوض أبدًا في محتوى الوسواس، ويجب ألَّا تحاور الوسواس، لأن ذلك يزيده حقيقة استحوذًا وإلحاحًا وشدةً. هنالك ثلاث تمارين سلوكية أريدك أن تطبقها، وقبل أن نبدأ في هذه التمارين يجب أن تكتب هذه الوساوس في ورقة، تبدأ بأقلها شدة وأضعفها، وتنتهي بأشدها، ثم تطبق التمارين السلوكية الثلاثة على كل فكرة وسواسية.
التمرين الأول نسميه بـ (إيقاف الأفكار): تستجلب الفكرة في بدايتها، ثم بعد ذلك تخاطب الفكرة كأنها صورة بصرية أمامك، وتقول: (أقف، أقف، أقف، أنتِ فكرة وسواسية حقيرة، أنا لن أهتمّ بك، أنت تحت قدمي)، أو شيء من هذا القبيل، وتُكرّر هذا التمرين أقل شيء لمدة دقيقتين. هذا التمرين الأول.
التمرين الثاني وهو ما نسميه بـ (صرف الانتباه): وصرف الانتباه يكون بأن تستجلب فكرة تكون أهمّ من الوسواس. الأفكار تأتي في درجات وفي طبقات، في حالتك من الواضح أن هذه الوساوس تستحوذ على الطبقة الأول في درج وسلِّم الأفكار، لذا نقول لك: اجلب فكرة أفضل منها، استجلب الفكرة الوسواسية قليلاً - بهدف العلاج - ثم ائتِ بفكرة أفضل منها. مثلاً: تأمّل في التنفس لديك، كيف أن الأكسجين يدخل في الرئتين، وكيف أنه يُنقل إلى الدم، وكيف أنه هو الذي يُولّد الطاقات عندنا، ثم قم بعدّ التنفس لديك مثلاً لمدة دقيقتين، و... وهكذا.
إذًا صرف الانتباه من خلال الإتيان بفكرة أفضل وأجمل وأفيد.
التمرين الثالث وأنت طبّقته حقيقة، لكن بصورة مجهدة، وهو تمرين (التنفير)، التنفير لا يكون بضرب الرأس بالحائط، لا. قم بالضرب على يدك بقوة وشدة على جسم صلب - كطاولة مثلاً - وأنت تستجلب الفكرة الوسوسية، إيقاع الألم مع الفكرة الوسواسية سوف يُضعفها. يُكرر التمرين عشرين مرة، وهكذا أخي الكريم.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.
++++++++++++++++++++++++++++++
انتهت إجابة الدكتور محمد عبد العليم (استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان)
وتليها إجابة الشيخ أحمد الفودعي (مستشار الشؤون الأسرية والتربوية).
++++++++++++++++++++++++++++++
مرحبًا بك أخي الحبيب في استشارات إسلام ويب.
نسأل الله تعالى لك عاجل العافية والشفاء، ونودُّ أن نذكّرك أولاً – أيها الحبيب – بأن المرض إذا ابتُلي به الإنسان المسلم فإن في هذا الابتلاء خيرًا له رفعًا لدرجاته وتكفيرًا لسيئاته، فإنه لا يُصاب بأذىً – حتى الشوكة يُشاكها – إلَّا كفّر الله بها عنه من خطاياه – كما ورد في الحديث الصحيح. فاحتسب ما تُعانيه، ولن يُضيع الله تعالى أجرك ومثوبتك.
ثانيًا: الطبيب – الأخ الفاضل الدكتور محمد – قد أرشدك إلى جُملة من النصائح الطبية، وأكّد عليك ضرورة التداوي وأخذ الجرعات التي يُوصي بها الأطباء، وهذا جُزءٌ من قدر الله تعالى الذي أُمرتَ بالأخذ به، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تداووا عباد الله)، وقال: (ما أنزل الله من داءٍ إلَّا وأنزل له دواء)، فينبغي أن تأخذ بنصائح الأطباء بعناية، متوكِّلاً على الله سبحانه وتعالى، فإنه لن يُخيّب سعيك.
أمَّا من الناحية الدينية – أيها الحبيب – فإننا نُبشّرُك أولاً بما يُزيلُ عنك هذا الهم ويطرد عنك هذا الضيق والقلق، فإن هذه الوساوس إنما هي من كيد الشيطان، يريد أن يقطع طريقك عن الله تعالى، فلا تضرُّك، وكراهتُك لها وخوفك منها وبُغضك لها يدلُّ على وجود الإيمان في قلبك، وقد قال الإمام النووي – رحمه الله تعالى – في كتاب (الأذكار) نقلاً عن الأئمة السابقين، يقول: "إن الوسواس إنما يُبتلى به من كَمُل إيمانُه، فإن اللصَّ لا يقصدُ بيتًا خَربًا"، يعني: السارق إنما يحاول أن يسرق البيت الذي فيه شيءٌ يستحق أن يُسرق، ولذلك فإذا عرض لك الشيطان وحاول أن يُزعجك بهذه الوساوس السخيفة فإنما يفعل ذلك لأنه وجد في قلبك إيمانًا يُحاول أن يُفسده، فلا تلتفت إليه، واعلم بأن هذه محاولة بائسة منه ليُدخل الحزن إلى قلبك، فكن متوكِّلاً على الله تعالى، فرحًا بما رزقك إيَّاه من الإيمان والحرص على الخير.
وقد نقل الإمام النووي أيضًا – رحمه الله تعالى – عن ابن أبي الحواري أنه شكا إلى أحد الصالحين العلماء أنه يجد الوسواس، فقال له هذا الإمام – وهو: أبو سليمان الدّاراني -: "إذا أردتَّ أن ينقطع عنك فأي وقتٍ أحسست به فافرح، فإنك إذا فرحتَ انقطع عنك، لأنه ليس شيءٌ أبغض إلى الشيطان من سرور المؤمن، وإذا اغتممتَ به زادك". هذا يُبيِّنُ لك أن هذه الوساوس مصدرها الشيطان وأنه يفرح حين يجدك مغمومًا مهمومًا بسببها.
بل ينبغي أن تتذكّر هذه الحقيقة، وهي أن الشيطان الآن يحاول أن يدخل معك في معركة، وإنما قرَّر أن يدخل معك في معركة لأنه رأى فيك الخير، والتمس منك ووجد فيك الإيمان والصلاح، فهو يريدُ أن يقطعك عن هذا الطريق.
وقد شكى بعض الصحابة إلى النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا من هذه الوساوس، وأنهم يكرهونها، ويكرهون أن يتلفّظوا بها، فقال لهم النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ذاك صريح الإيمان)، يعني: وجودها في الصدر وخوفكم منها وعدم بوحكم بها دليل على وجود الإيمان في قلوبكم.
وخذ بالوصايا النبوية، فقد أرشد النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى وصايا هامّة، أوّلُها: أن تستعيذ بالله تعالى إذا داهمتك هذه الوساوس، وثانيها: أن تُكثر من ذكر الله تعالى، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فليقل: لا إله إلَّا الله) فإن الشيطان يخنس ويهرب إذا ذُكر الله. وثالثها: الانصراف عن هذه الوساوس والانشغال بغيرها.
فإذا فعلت هذا مع الأخذ بالأسباب الأخرى – مثل التداوي والاستعانة بالأطباء – فإنك بإذن الله تعالى ستُشفى من هذه الوساوس وتزول عنك.
نسأل الله تعالى أن يُقدّر لك الخير.