أعلم أن ما يمر بي من تدهور سببه الذنوب.
2019-03-06 08:23:32 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم.
سأحكي لكم ما في خاطري، وأعلم أن هناك الكثير ممن مروا بما مررت به، ولكني أحتاج أن يوجه النصح إليّ بالذات، لربما يفيد ذلك بعد الله سبحانه.
أنا طالبة جامعية في السنة الرابعة في التخصص الذي أحب، ولله الفضل والمنة، أعيش في ستر الله وفضله.
حالتي التي أمر بها وأتعبتني جدًا هي حالة الفتور فيما بيني وبينه سبحانه، حتى بت أحس أن ما أصابني من تدهور في الحال الدراسي والوحشة فيما بيني وبين ما كان مصدراً لسعادتي سببه ذنوبي، ولا شك أن الذنوب ماحقة للبركات والخيرات والأفضال الإلهية، ولكن ما الذي بيدي؟!
إني حقًا اشتقت لله، وأنتظر بفارغ الصبر العودة إليه، فإني أحبه جدًا، ولعله سبحانه حين يراني الآن وأنا أكتب هذا الكلام بحرقة أن يتقبل توبتي ويغسل دنسي وخطاياي.
أنا حقًا مشتاقة للصلاة وللجوء إليه، وحين المضائق أحس بأني بلا سند ولا موجّه، بت أتخاذل في الصلاة وأجمعها، وأعزم على الالتزام بها، وأحاول وما ألبث إلا وأعود لهذا الطريق الرديء، ولا أزال أكثر من شهود الله علي من قراءة كتب وسماع مواعظ في الصلاة بلا أي تجاوب.
لقد تعبت وأحس أني لا أستطيع الإكمال إلا بالله، والله أن كل ما في الدنيا من متع ولذات لا تساوي ليلة من ليالي أيامي الماضية.
يراودني هذا الشعور ولا ينفك عني، هل يا ترى ما أصابني من خسائر بسبب الذنوب سيستمر أثره عندما يفتح الله بيني وبينه؟ والكثير الكثير من الشوق.
في الآونة الأخيرة طُلب مني أن أكون معلمة قرآن في أحد الجمعيات القرآنية الفاضلة، أحس بالتناقض العجيب!
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ابنتكم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
إن الفتور قد ينتاب الإنسان أثناء سيره إلى الله سبحانه، وما منا من أحد إلا ويصاب بذلك الداء، يقول نبينا عليه الصلاة والسلام: (إن لكل عمل شرة، ولكل شرة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى، ومن كانت إلى غير ذلك فقد هلك).
مما لا شك فيه أن للذنوب آثاراً سيئة على الحياة، يقول تعالى: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَن كَثِيرٍ).
عليك بمحاسبة النفس كما قال تعالى: (ولْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ)، وكما قال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا).
أوصيك بأن توثقي صلتك بالله تعالى، وأن تجتهدي في تقوية إيمانك من خلال كثرة العمل الصالح فتزكية النفس سبب من أسباب الفلاح في الدنيا والأخرى قال تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا).
جاهدي نفسك فإن لم تجاهديها جرتك إلى ما لا تحمد عقباه، فالنفس ميالة للهوى والدعة والراحة، وإن المجاهدة لها ولأهوائها وشهواتها وأطرها وقصرها وقهرها على الطاعة والتوبة من أسباب الهداية والثبات، قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ).
عليك بالرفقة الصالحة فإنها تدلك على الخير وتعينك عليه، بخلاف الرفقة السيئة التي تحملك على الآثام والذنوب صغيرها وكبيرها، والعياذ بالله.
لذلك أرشدنا نبينا عليه الصلاة والسلام باتخاذ الرفقة الصالحة وحذرنا من الرفقة السيئة، يقول عليه الصلاة والسلام: (إِنَّمَا مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالحِ والجَلِيسِ السّوءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِير، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إمَّا أنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً)
ويقول عليه الصلاة والسلام: (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل) ويقال في المثل: الصاحب ساحب.
ما زال إيمانك يجرك إلى الله سبحانه، ويذكرك بالسعادة التي كنت تجدينها وأنت تناجين ربك، وهذا يدل على أن الخير ما زال فيك فلا تيأسي أبداً.
أنت بحاجة إلى من يعينك على أداء العبادات كي يحصل عندك نوع من النشاط والتنافس فإن النفس إن بقيت منفردة قد تصاب بالملل، فانظري في أهل بيتك من يعنيك على ذلك، أو بالتواصل مع الصالحات من صديقاتك من أجل الحث والسؤال والتنافس في الطاعات؛ كالصيام وتلاوة القرآن، وأداء الصلوات في أوقاتها، مع استحضار الإخلاص لله سبحانه.
أرى أن الله سبحانه وتعالى قد فتح لك الطريق لترجعي إليه عبر طلبك لتكوني مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم فأرى أن توافقي ولا تتعللي في نفسك بأنك تشعرين بالتناقض فتلك وساوس شيطانية تريد أن تثنيك عن هذا الخير؛ ففي مدرسة التحفيظ ستجدين الرفقة الصالحة وتسمعين القرآن الكريم وتمر عليك الآيات القرآنية التي تحث على الطاعات، وتتأثري من سمت وسلوكيات الصالحات فلا تترددي في الموافقة أبدا.
الحياة مع الله أنس وسعادة فمن وجد الله ماذا فقد؟ ومن فقد الله فماذا وجد؟ هكذا قال بعض أهل العلم والصلاح.
الزمي الاستغفار وأكثري من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فذلك من أسباب تفريج الهموم، ففي الحديث: (مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ).
أكثري من تلاوة القرآن الكريم وحافظي على أذكار اليوم والليلة يطمئن قلبك كما قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).
إن أردت الحياة الطيبة المستقرة فعليك بالإيمان والعمل الصالح فقد وعد الله من تحقق فيه ذلك أن يحييه حياة طيبة يقول تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
تضرعي بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجدة وتحيني أوقات الإجابة، وسلي الله تعالى أن يردك إليه ردا جميلا وأن يقذف الإيمان في قلبك ويرزقك الثبات ويجنبك الشيطان ووساوسه وخطراته، ولا تيأسي من روح الله ولا تنقطعي عن الدعاء فقد قال عليه الصلاة والسلام: (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول دعوت فلم يستجب لي).
نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى أن يسمعنا عنك خيراً وأن يكتب لك التوفيق والنجاح.