أحب الله كثيراً ولكن لدي خوف من أن لا يغفر لي.
2017-05-16 05:14:35 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم
فيما يخص حسن الظن: فأنا -والحمد لله- لدي ثقة عظيمة به، ومتأكدة أن كل ما يقدره الله وكل ما يحدث في حياتي هو لمصلحتي، وأن الله لن يقدر علي سوءاً، فعند الدعاء أدعو براحة وبثقة، وأن الله سيؤتيني ما أشاء، وعندما لا يستجيب أحياناً أقول: لا بأس علي فالله يعلم بالأحسن والأصلح لي.
المشكلة لدي هي لدي خوف من أن لا يغفر لي، ليس لأني لا أومن أن الله غفور رحيم، ولكن لأني لا أظن أني أستحق مغفرته، ففي الواقع لا أظن أني أستحق أي شيء منه، وهذا يجعلني أخاف أن يكون غاضباً مني أو أنه لا يحبني، أخاف أن لا تقبل أعمالي لأني لا أؤديها بشكل يليق بجلالته، أخاف أني لا أشكره كما ينبغي.
أشعر أن الله غير راض لكن لم ينزل علي عقاباً بعد، أحاول أن أزرع في نفسي أملاً أني سأكون من سكان الجنة، لكن بعد ذلك أقول: ليس من حقي أن أفكر هكذا، فأنا مقصرة جداً في حقه، ولا أستحق شيئاً من رضاه ورحمته، فهل هذا هو سوء الظن به؟
أعلم أن الله غفور رحيم، ولطيف بالعباد، لكن لا أرى نفسي أستحق، لا أستحق شيئاً على الإطلاق.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الابنة الفاضلة/ ميساء نور منصور حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
بارك الله فيكِ – ابنتي الفاضلة – وزادكِ إيماناً خالصاً ويقيناً صادقاً، واعلمي أن ما أنتِ عليه من عظيم الخوف من الله والحياء منه، وإن كان أمراً إيجابياً؛ لما لا يخفى من كونهما أعظم باعثين على الأعمال الصالحات وترك المعاصي والمنكرات، كما قال تعالى في أوصاف الأبرار: ( إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريراً) (ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد)، إلا أن الإفراط في الخوف قد يولد اليأس والإحباط والقنوط من رحمة الله، وليس ذلك من أوصاف وأخلاق المؤمنين (إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) (ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون)، ولا يخفاكِ أن اليأس كالعجب يمنعان صاحبهما عن العمل الصالح، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: ود الشيطان لو ظفر من أحدكم بإحدى اثنتين: العجب والقنوط.
- لذلك فلا بد من تحقيق التوازن بين عبادات الخوف والرجاء، حيث وقد جمع الله بينهما في آيات كثيرة (يرجون رحمته ويخافون عذابه) (وادعوه خوفاً وطمعاً إن رحمة الله قريبٌ من المحسنين) (يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه)، (بشّر عبادي أني أنا الغفور الرحيم*وأن عذابي هو العذاب الأليم).
قال أهل العلم: (إن الخوف والرجاء كجناحي الطائر إذا استقاما طار وإلا مات)، بل إن الرجاء والمحبة أعظم من الخوف؛ كون الخوف مراداً لغيره، بينما المحبة والرجاء مرادان لذاتهما، وقد صح في الحديث القدسي عند البخاري: (إن رحمتي غلبت غضبي).
الرجاء من أعظم العبادات القلبية، وهو من أوصاف الأنبياء والمرسلين، كما ذكر تعالى عن الخليل إبراهيم عليه السلام قوله: (والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين)، ومن سمات المؤمنين الصالحين (يرجون تجارةً لن تبور).
الرجاء حسن ظن بالله، يرفع العبد عند ربه ومولاه، وفي الحديث: (أنا عند ظن عبدي بي)، وهو يدفع العبد إلى التوبة، وهي من أحب الأعمال إلى الله، وقد ورد في الحديث: ( والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لجاء الله بقومٍ يذنبون فيستغفرون فيغفر الله لهم).
مما يعزز الرجاء في قلبك – أختي الفاضلة – أن تعلمي أن ذلك من مقتضيات معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته، فالرجاء هو تعلّق القلب والاستبشار والأمل والطمع في رحمة الله سبحانه، قال تعالى: (ورحمتي وسعت كل شيء) (فقل ربكم ذو رحمةٍ واسعة) فعلى العبد أن يثق بالله ويحسن الظن به مهما ارتكب من الذنوب والآثام، (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفورٌ الرحيم * وأنيبوا إلى ربكم)، فكيف بمن كان دون ذلك مثلك أختي الفاضلة؟
الواجب هو أن يحذر العبد في الإفراط في جانب الرجاء لحد ترك الواجبات والوقوع في المحرمات، فإن ذلك من الغرور الذي يودي بصاحبه، (يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور) وهو مجرد أماني لا رصيد لها في الآخرة (ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءاً يجز به ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيرا)، وقال تعالى: (فخلف من بعدهم خلفٌ ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا).
أوصيك – أختي الفاضلة – بالثبات على ما أنتِ عليه من الحب لله والحياء منه والخوف، مع ضرورة تحقيق التوازن والجمع بين هذه العبادات العظيمة وعبادات الرجاء لله وحسن الظن به، والثبات على الإكثار من الأعمال الصالحات وترك المعاصي والمنكرات، مع الازدياد من طلب العلم النافع، والحذر من مناهج غلاة الوعظ الذين يبالغون في تخويف العبد بربه الرحمن الرحيم مما قد يسيئون إلى الله تعالى وكماله وجماله وجلاله سبحانه ويقنّطون الناس من رحمته.
وفقكِ الله لكل خير وزادكِ من فضله وأدخلك في واسع رحمته وأعانكِ على ذكره وشكره وحسن عبادته إنه غفورٌ رحيم برٌ توابٌ رؤوفٌ جوادٌ كريم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة وأتـم التسليم والحمد لله رب العالمين.