تنتابني مخاوف في بناء شخصيتي بعد وفاة والدي، ساعدوني
2016-10-27 01:45:46 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الإخوة الفضلاء القائمين على هذا الموقع، كل عام وأنتم بصحة وعافية، وصلاح وإصلاح.
فأنا شاب، صاحب الاستشارة رقم 2234204 لقد قدر الله أمورا جعلتني ألتزم العلاج السلوكي بطريقة قوية ومستمرة بعد وفاة أبي -رحمه الله- منذ أكثر من سنة، رغم الصدمة القوية لي ولأمي ولأخوتي، إلا أنني حاولت التماسك، وبذلت كثيرا لإزالة روح الحزن والكآبة التي حلت داخل بيتنا، وأنجزت كثيرا -ولله الحمد-، وكنت نشيطا وإيجابيا، لأنني أحب أهلي كثيرا، وحاولت أن أخرجهم تدريجيا من الحالة النفسية الاكتئابية، وأن ألبي لهم جميع نواقصهم، وأن أقترب منهم أكثر، وأن أختلق لهم نشاطات تجمعنا وتقربنا وتنشط روح التفاؤل والايجابية.
كل هذا تطلب مني منهجية سلوكية صعبة، إلا أن ثقتي في نفسي ازدادت كثيرا، وحبي للاستمرارية في أداء هذا الواجب كان وما زال متصلا بالله -ولله الحمد-، الآن وبعد تناول الفلوكستين -كما نصحتموني- وطيلة المدة الفائتة حتى بدأت في تناوله مرتين في الأسبوع، ولكن بدأ تنتابني نوبات من الحزن أو الاكتئاب الخفيف بدون سبب، وبدت ملامح الفتور تظهر علي، رغم أن الوضع الأسري والاجتماعي ما زال قائما دون تغير، وما زلت بالمنهجية السلوكية ذاتها، والتي بدأتها بعد وفاة والدي، أعز ما كنت أحب في حياتي -رحمه الله رحمة واسعة-، وبدأت أشعر بميول تجاه الانطوائية، وكسل وفتور وتراجع في الدور الاجتماعي، وما بدأ يقلقني هو أنني أصبحت أجد صعوبة في الكلام والرد، وأبذل مجهودا في تذكر الكلمات، وأحيانا كثيرة لا أستطيع رد الحديث، وهذا يسبب لي ضيقا كبيرا، ويضعف ثقتي بنفسي.
أحيانا أتكلم بطريقة ألوم بها نفسي وأعنفها، وأقول أنني كنت غبيا حين قلت كذا وكذا، ولم أقل كذا وكذا، أصبحت أيضا سلبيا في أمور كثيرة، وأصبحت قليل الهمة وضعيف التركيز، وإذا وجدت أحدا له فاعلية اجتماعية، أو نشاط، أو متفوقا أحس بحسد تجاهه، وضيق بسببه، وحينما أنظر إلى نفسي نظرة عامة أجد نفسي على غير ما أرغب، وهو أنني أصبحت ضعيف الشخصية، ولا أجد ما أفرض سيطرتي عليه، لأنني شخصية تحب إثبات الذات، وأحب القيادية، وأحب أن أكون دائما في المقدمة، فأصبحت منزعحا، وألوم نفسي لعجزي عن ذلك.
الآن عدت في تناول الفلوكستين يوميا وكأنه شيء يكملني، ولكن ما زالت تلك الأعراض موجودة, وأصبح لدي ثقة كبيرة في الأدوية العلاجية بعد الله -عز وجل-، والآن أبحث عن دواء أنجع وأكثر نفعا.
أفيدوني جزاكم الله خيراً.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
جزاك الله خيرًا على كلماتك الطيبة، وأشكرك على رسالتك الرائعة جدًّا، وقد أسعدني كثيرًا أنك فعّلت الآليات السلوكية بكل قوة ومنهجية صحيحة، وهذا هو لُب العلاج والتأهيل الذي ننشده، والذي نُشجع الناس عليه.
التشخيصات ليست مهمة أبدًا أيًّا كانت، المهم هو أن يفتح الإنسان لنفسه الطريق الصحيح، طريق النجاح، طريق إسعاد نفسه، طريق أن يعيد عيش حياة صحية نفسية إيجابية. وأنت -الحمد لله- تسير على هذه المنهجية، -وإن شاء الله تعالى- تكون في مكان والدك -عليه رحمة الله-، وهذه مهمَّة ورسالة عظيمة في الحياة، أرى أنه لديك كل المؤهلات التي تؤدِّيها.
بالنسبة لمخاوفك الآن حول البناء النفسي لشخصيتك، وأنك تُريد أن تكون أقوى مما أنت عليه الآن: هذا طلب مشروع جدًّا، وأنا أُقِرُّه تمامًا، وأقول لك: أن التغيير يأتي منك أنت، لديك الإمكانات، لديك المقدرات، لديك المهارات، ولديك الخبرات، كل المقصود والمطلوب الآن ألا تُعنِّف نفسك، لا تكون قاسيًا عليها، ولا تحكم على نفسك أو تُوجهها من خلال مشاعرك أو أفكارك السلبية، إنما من خلال الأفعال، والأداء والإنجاز.
هذا المثلث السلوكي الرصين أنا معجب به جدًّا، وأرى من يتبعه سوف ينجح، وأقصد بذلك أن المكون النفسي للإنسان: الأفكار، والضلع الثاني هو المشاعر، والضلع الثالث هو الأفعال، وقد تكون الأفكار سلبية، وكذلك المشاعر، لذا لا بد أن نُفعّل ضلع الأفعال والإنجاز حتى نصل إلى غاياتنا، والإنسان حين ينجز مهما كانت مشاعره سلبية يحسُّ بمكافئة داخلية كبيرة جدًّا تُغيِّر من أفكاره ومن مشاعره لتجعلها أكثر إيجابية.
أيها الفاضل الكريم: أريدك أن تُوظِّف خبرتك السلوكية لمصلحتك، وأن تسير على نفس المنهج الذي أنت عليه، وأعتقد أن ممارسة الرياضة يجب أن تكون ضرورة في حياتك، وتطوير نسيجك الاجتماعي سوف يُعطيك ثقة أكبر في نفسك، خاصة إذا حاولت أن تبني صداقات فاعلة وممتازة، من أشخاص تستطيع أن تتخذهم نماذج وقدواتٍ حسنة في حياتك، وهذا ليس بمحال أو بالمستحيل أبدًا.
بالنسبة للعلاج الدوائي: أنا لا زالت أرى أن الفلوكستين هو الأنسب بالنسبة لك، دواء رائع، استعماله بسيط، ليس له أي آثار انسحابية أو إدمانية، فلا داعي لأن نبحث عن أدوية أخرى، وأنا أعرف الكثير من الأدوية، ارفع الجرعة الآن إلى أربعين مليجرامًا، وبهذا أقصد أن نعطي دفعة قوية للبناء الكيميائي ليعود إلى وضعه الطبيعي، أربعون مليجرامًا يوميًا لمدة أربعة أشهر، وهذه ليست مدة طويلة، بعدها تجعل الجرعة كبسولة واحدة يوميًا، دعنا نقول لمدة عامٍ مثلاً، وأنا على ثقة تامَّة أنك سوف تكون على خير، وسوف تسير في طريق الخير، وسوف تتحسَّن قناعاتك حول ذاتك، ومن جانبي أتمنى لك الخير.
بارك الله فيك وجزاك خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.