فقدت صغيري وأنا صابرة، لكن الحزن يتملكني والشيطان يوسوس لي
2015-12-27 03:30:36 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا سيدة عمري 26 سنة، متزوجة، وهبني الله بأول حمل لي ولدا، ثم شاء سبحانه أن يتوفاه في سن الستة أشهر، وكثيرا ما أحاول الآن أن أتحلى بالصبر، ولكن أحيانا ما ينتابني شعور مؤلم، وأبكي كثيرا، وأمسك لساني كي لا أنطق بما يغضب ربي، وأكثر من الحمد والاستغفار، فأجد نفسي في حيرة بين ما أحسه ولا أنطق به، فأتساءل كثيرا هل ما أشعر به هو الرضا والصبر؟ علما أنني أعرف أنني لن أنال شفاعة ابني إلا إذا صبرت حقا.
ثانيا مشكلتي: أنني أخوف ما أخاف منه الرياء، وإن كنت في ملأ ونطقت بكلام فيه حمد وشكر رغم مصابي، أو قرأت القرآن وأنا بين أفراد عائلتي، أو أي طاعة أخرى، يكثر وسواسي بين الرياء والإخلاص، وأجلس أتساءل كثيرا حول حقيقة عملي.
وأخيرا كثيرا ما يحاول الشيطان إحباطي، وأن يزرع في اليأس والخوف من الإنجاب مجددا، فكيف لي أن أوازن أعمالي، وما أحس به من وجع من فقدان صغيري؟ وبما تنصحونني أنا وزوجي كي نتجاوز هذه المحنة.
أرجو إفادتي، جزاكم الله خيرا.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم عمر حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
يسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يربط على قلبك، وأن يثبتك وزوجك على الحق، وأن يرزقكم الرضا بقضائه وقدره، وأن يمُنَّ عليكم بعِوضٍ طيِّبٍ مباركٍ ينفعكم الله تبارك وتعالى به في الدنيا والآخرة، ويكون سِرَّ سعادتكم، وأن يمُنَّ عليكم بدل هذا الوليد بعددٍ من الطيبين الصالحين الذين يملئون حياتكم بهجة وسرورًا، ويجعلكم جميعًا من أهل الجنة، إنه جواد كريم.
وبخصوص ما ورد برسالتك -ابنتي الكريمة الفاضلة- فالذي أُحِبُّ أن أبينه لك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إنما الصبر عند الصدمة الأولى) فإذا ما سمع الإنسان بالابتلاء أو بخبر البلاء فصبر واحتسب الأجر عند الله تعالى فلا يضرُّه ما يحدث بعد ذلك من نوبات عدم الرضا أحيانًا، لأن هذه هي النفس البشرية التي تتألم لفقدان العزيز والغالي، خاصة إذا كان هو المولود الأول.
ومن هنا فإني أقول: إن هذه النوبات من الألم أو الحزن أو الزعل إنما هي نوبات نفسية طبيعية، لا تُقلل من الأجر -بإذن الله تعالى- ما دام العقل ثابتًا، وما دام اللسان متماسكًا ولا ينطق إلَّا بما يُرضي الله تبارك وتعالى؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- بيَّن لنا أن الإنسان يحزن لفراق العزيز، فقال: (إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزنون) ولا نقول إلَّا ما يُرضي ربنا، إنا لله وإنا إليه راجعون.
فإذًا ما دام اللسان لا ينطق إلَّا بالكلام الذي يُرضي الله تبارك وتعالى، ولا يُعارض شرعه، ولا يُوحي بشيء من السُّخط أو عدم الرضا، فإن الأمر سهلٌ، والشيطان يلعب دورًا في مسألة زيادة جرعة الحزن، وأحيانًا التلفظ ببعض العبارات غير المطلوبة، أو غير الموافقة للشرع، وهذا كله يدخل في عفو الله تبارك وتعالى، لأن الله تبارك وتعالى أرحم بالإنسان من نفسه، وأرحم به من والديه.
ولذلك أرجو ألا تقفي طويلاً لا أنت ولا زوجك أمام هذه التغيرات النفسية التي تحدث، أو هذه الموجات من الحزن التي تغمر القلب أحيانًا، وقد تُسيطر وتُغيم على جو الأسرة، فنفاجئ بالصمت الرهيب، والنظرة الحزينة، وعدم الرغبة في الطعام، وعدم الرغبة في الشراب، كل هذه المسائل واردة، وهي نوع من الحزن، خاصةً للمولود الأول، وخاصة لأنه مات صغيرًا، وخاصة لأنه وحيد وليس له إخوة تأنس الأسرة بهم بعد رحيله، فهذا كله -بإذن الله تعالى- في عفو الله تبارك وتعالى.
المهم إذا ما شَعُرتِ بأن نفسك بدأتْ تتغيَّر عليك أن تقولي: (اللهم اؤجرني في مصيبتي واخلفني خيرًا منها)، وتستعيذي بالله من الشيطان الرجيم، وعليك أن تواصلي ما أنت عليه من ذكرٍ ودعاءٍ وقراءة قرآنٍ، سواء كان ذلك أمام الأهل أو بعيدًا عنهم، ولا تشغلي بالك بقضية الرياء أو النفاق التي عادةً ما يُؤجِّجها الشيطان، حتى يحول بينك وبين العمل، لأن الشيطان لا يُحب لك الخير، وهو لا يُحب لك الإخلاص ولا يتمناه لك أبدًا، ولذلك الآن الشيطان حزين من ذكركِ ودعائك واستغفارك وقراءتك للقرآن، فيريد أن يمنعك من ذلك، فيفتح عليك بابًا آخر من أبواب الشك، وهو الرياء، حتى يُوقفك عن العبادة وبذلك يستريح.
فأنا أنصح بأن لا تُلقي بالاً لذلك، وتُكثري من قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اللهم إني أعوذ بك أن أُشرك بك شيئًا أعلمه، وأستغفرك لما لا أعلمه) وأيضًا: (لا إله إلَّا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، أعلم أن الله على كل شيء قدير) هذه العبارات الطيبة المطمئنة -بإذن الله تعالى- ستقضي على فكرة الرياء تمامًا، وتدفعي بالنعل في وجه الشيطان، ولا تستسلمي له، ولا تتوقفي عمَّا تعملينه من الخير، وأبشري بعِوضٍ، ولكن عليك أن تسألي الله تبارك وتعالى بسؤال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اللهم اؤجرني في مصيبتي واخلفني خيرًا منها) واسترجعي وقولي: {إنا لله وإنا إليه راجعون} ماذا بعد؟ {أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون}، وبإذن الله تعالى سيُخلف الله عليك بأفضل منه، وأسأل الله أن يكون ذلك قريبًا، ويجعله فرطًا لكم يوم القيامة.
هذا وبالله التوفيق.