الجفاف العاطفي والمادي .. معاناة امرأة في بلد الغربة
2004-11-28 18:50:28 | إسلام ويب
السؤال:
أنا زوجة وأمٌ لطفلين، أعيش في الغربة منذ 11 عاماً -أي منذ زواجي- ولو كانت غربة المكان لهان الأمر، لكنها غربة النفس، والشعور بأن الإنسان الذي استبدلته بأهلي ووطني لا يبالي بي، كل ما يحتاجه خادمة ومربية، ولا بأس بخمس دقائق قبل النوم يقضي حاجته على الوجه الذي يريحه، ليخلد إلى النوم مرتاح الضمير، ورغم أن استشارتي لا تتعلق بالجانب الجسدي من العلاقة، إلا أنني أود أن أنوه إلى أنني أخبرته مراراً منذ بداية الزواج أني لست راضية عن تجاهله لحقي في الاستمتاع مثله، وأعلمته بما يريحني، إلا أنه كان وما زال يتجاوز، وكثيراً ما يضع اللوم علي بأني بطيئة الاستجابة.
ما أريد رأيكم فيه هو: ماذا أعمل لأتجاوز شعوري بالمهانة الذي يعذبني ويقتل ثقتي واعتزازي بنفسي، فلولا وجود الأطفال ما ترددت لحظة في الفرار بنفسي من جحيم الجفاء والجفاف العاطفي الذي أعيشه، بل لقد وصلت في مرات كثيرة إلى طلب الطلاق مفضلة الفرار بنفسي، ومفوضةً أمر الأطفال إلى الله الذي لن يضيعهم، لكن زوجي كان يرفض ويوسط الناس بيننا، رغم حرصي على حجب كل ما يخص علاقتنا، حتى عن أقرب الناس لي، لكنه لا يحترم حتى هذا، فكل ما يهمه هو بقائي مع الصغار لأغطي على غيابه المستمر، ولتذهب احتياجاتي كإنسانة إلى الجحيم.
تسألوني ماذا أحتاج؟
المعاملة التي أوصى بها الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال: (خيركم خيركم لأهله)، فرغم أن زوجي إنسان لطيف خلوق، خفيف الظل، إلا أني لا أحظى منه إلا بالضيق والحرص على تجنب صحبتي، وتتبع الهفوات لي، والعمى عن أي فضل لي، لدرجة تجرح إحساسي كإنسانه، ويا ليته يتجاهلني في كل الأمور، بل يضيّق علي في كل شيء، بزعم أنه يتعارض مع كونه رجلاً!
فمن الأمثلة: رفضه لتعلمي القيادة، رغم أنها مهارة أساسيه في هذا البلد، وخاصة في ظل انشغاله الدائم عنا بالعمل وصحبة الأصدقاء، مع حاجتي لإيصال الأولاد إلى المسجد لتعلم القرآن.
ومن الأمثلة أيضاً: حاجتي بعد زيادة وزني 25كغ للذهاب إلى الرجيم بعد فشل كل محاولاتي في استعادة وزني الطبيعي عن طريق الحمية، إلا أنه رفض، رغم تأكيدي له أن المكان مخصص للسيدات، وجميع العاملات فيه من النساء، ومعظم رائداته من المسلمات المتدينات، وبعد عجزي عن إقناعه فكرت في شراء جهاز لعمل التمرينات الرياضية في البيت، إلا أنه رفض بحجة أن المنزل ضيّق، لكنه بعد شهر واحد اشترى لنفسه مكتباً آخر يساوي في الحجم ذلك الجهاز، دون أن يكون في حاجة للمكتب، حيث أنه يمتلك مكتباً آخر شديد الضخامة يغنيه عن الجديد!
إن سنوات زواجنا التي مضت ومعاملته لي خلالها، يُفهم منها أن هذا الرجل لا يُكنّ لي أي مودة أو تقدير، ولا يجد بي أي ميزة أو فضل، وأنا في أمس الحاجة إلى الحنان، لقد توفي والدي منذ بضعة أسابيع وأنا بعيدة عنه آلاف الأميال، وما كلف زوجي نفسه أن يحن علي أو يأخذني إلى صدره لأبكي أبي، وما زالت الدموع متحجرة في مقلتي انتظاراً لصدرٍ حان أبكي عليه، لا تقولوا اصبري، فأنا تعبت من الصبر، ولا تقولوا : أشغلي نفسك بنشاط تطوعي خارج البيت، فهو يريدني في الداخل دوماً، ولا أمارس هواية داخل البيت، فهو يضيق بالهوايات إلا ما كان منها في التنظيف وتعليم الأطفال بالطريقة التي ترضيه، وأنا لست موهوبة في التنظيف، والأطفال في حاجة إلى الحنان، وأنا قد نضب معيني منه، فأشيروا علي، وجزاكم الله خيراً.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم محمد حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك في موقعك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله جل وعلا أن يفرج كربتك، وأن يقضي حاجتك، وأن يصلح لك زوجكِ، وأن يجعلكما من سعداء الدنيا والآخرة.
وبخصوص ما ورد برسالتك، فالذي يبدو لي –والله أعلم– أن زوجك ضحية تربية خاطئة وتوجيه غير سديد، وأنه عاش في كنف أسرةٍ لا تعرف العطاء ولا البذل ولا التضحية من أجل إسعاد الآخرين، رغم ما يتمتع به من صفاتٍ حسنة أخرى، وأعتقد أنه حاول من إصلاح نفسه ولكن لعل إمكاناته لم تساعده، أو لعله لم يبذل الجهد الكافي لإصلاح هذا الوضع المتردي، لذا أقترح ضرورة عقد جلسة مصارحة تُبدين فيها جميع الملاحظات التي لديك بهدوءٍ وأدب جم، ما دام الهدف الإصلاح وليس التقريع والتوبيخ، فاجعلي هدفك الأول إشعاره بمدى الألم الذي تشعرين به، ووضحي له الأخطاء والعيوب كلها بكل وضوح، واعرضي عليه بعض الحلول المناسبة لعلاج هذه المشكلات، ولو أن تبدأوا معاً بعلاج مشكلة واحدة، فلا مانع من تجزئة المشاكل وحلها واحدة تلو الأخرى، ولو اقتضى الأمر الاستعانة بطبيب أو أخصائي نفساني أو أي طرف لديه القدرة على إصلاح هذه المسيرة، وأتمنى أن تتمكنا من عمل جدولة للمشاكل، ولا مانع من البدء بالمشاكل الصغيرة؛ لأن القضاء عليها أسهل، وسيعطي علاجها دفعة للأمام، وأملاً في إصلاح جميع العيوب، فإذا لم يجدِ ذلك فلا مانع من الاستعانة ببعض الصالحين لمساعدتكم في الإصلاح، ولا تتعجلوا النتيجة في كلا الحالتين، وإنما عليكما بالصبر الجميل؛ لأن المشاكل التي ظلت لسنوات يصعب جداً أن تُحل في ساعات معدودات أو أيام قلائل، فإذا لم يجدِ ذلك كله -ولا أعتقد هذا- فلا مانع من الاستشارة والاستخارة في طلب الفراق، عسى الله أن يعوّض كل واحد منكما بخير من صاحبه، والأولاد -كما ذكرت- لهم الله ولن يضيعهم، خاصةً وأن عدم استقراركما الحالي كفيلٌ بحرمانهم من كل تربية وتوجيه وسعادة.
مع تمنياتنا لكم بالتوفيق والاستقرار والسعادة في الدارين.