كلما أردت أن أناقش أسرتي تسبقني دموعي، فكيف أتخلص من هذه العادة؟
2015-10-26 11:41:27 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم.
أنا فتاة عمري 27 سنة، وأنا الوسطى بين أخواتي، مشكلتي أنني لا أطلب شيئا إلا بالدموع، خاصة ما يتعلق بي شخصيا، مع أني أقوم بتلبية جميع طلبات أمي والأسرة من كبيرهم إلى صغيرهم، لكن عندما يتعلق الأمر بطلباتي فلا تنفذ، رغم أن بقية أخواتي تنفذ طلباتهن.
عندما يرفض أخي -الذكر الوحيد- الذي يكبرني بسنة، لا أجادله، إنما أختلي بنفسي وأبكي، وأعلم أن أمي تعلم بحزني، لكنها لا تفعل شيئا، فأصبحت أصمت ولا أتكلم مع أحد منهم شهرا وشهرين، ثم أحاول أن أتصالح معهم، وإذا جاءت فرصة لطلب ما، مثل التسوق أو موعد طبيب، وتم الرفض، تعود حالة المقاطعة والقطيعة، أحيانا تسألني أمي: ما بك؟ لكنني أصمت، فصارت لا تعيرني اهتماما، فأشعر أنني طفلة، رغم أنني أقوم بجميع أعمال المنزل من تنظيف وترتيب وغيره.
علما أن هذه الحالة بدأت معي منذ الثانوية، ولكن لفترات قصيرة ومتباعدة، والآن منذ سنتين ونصف تقريبا على هذه الحالة بشكل شبه مستمر، ولا أستطيع تجاوز هذه المشكلة، لا طاقة لي أن أجادل أحدا، خاصة أنني لا أرى نفسي قد قصرت معهم في شيء، فلماذا إذا طلبت شيئا بسيطا يستكثرونه علي؟! أريد أن أناقشهم، لكن يسبقني البكاء، فيسخرون من تصرفي الطفولي، أريد أن أخبرهم أن ما يبكيني تعاملهم معي وليس رفضهم لطلباتي، ولكن الكلمات لا تخرج من فمي.
تعبت، أريد حلا، وفقكم الله.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ لولو حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
التعبير عن المشاعر وعن الوجدان يكون بعدة طُرق، منها البكاء، لكنه هنا دليل قاطع على وجود الهشاشة النفسية، وهو أمرٌ غير مرغوب فيه، وفي ذات الوقت بعض الناس تجد أن قلوبهم وعقولهم متحجِّرة وقاسية للدرجة التي لا يكون لديهم أي تعبير وجداني يتطلبه الموقف النفسي والظرفي الذي يمرون به.
عمومًا تعبيرك عن مشاعرك هذا فيه مخاطبة قوية لمن حولك، فيه نوع من السعي لإشعارهم بالذنب، ومحاولة السيطرة على الموقف، وشد الانتباه إليك، هذا أمرٌ ليس في يدك، هذا أمرٌ على مستوى العقل الباطني، والذي أنصحك به هو أن تراجعي نفسك، هذا الذي تتفاعلين به وتخاطبين به من حولك أمرٌ غير مقبول، وأنت مدركة تمامًا للتبعات السلبية، وهو أن الجميع سوف ينظر لك بشيءٍ من عدم التعاطف، على العكس تمامًا: سيكون هناك اتهام مباشر لك بالضعف والهشاشة النفسية.
فأن يستدرك الإنسان الأمر ويُحلله ويتدارسه ويضع الحلول البديلة، هذا أمرٌ ممكن وليس بالصعب أبدًا، المهم هو أن ترفضي هذا النوع من الشعور والتفاعل والوجداني وتستبدليه بشعور مخالف تمامًا، وهو أن تكون لك الحكمة والكياسة، وأن تلجئي للغة التخاطب لا للغة الدموع، والتخاطب، التقدير، والاحترام، والتعبير عن الذات، ممكنة جدًّا.
وأريدك أن تتصوري بعض المواقف الدرامية، تصوري أنك مررت بنفس الظرف هذا أمام إخوتك وأفراد أسرتك أو حتى أُناس خارج المنزل، كيف سيكون تصرفك؟ هل ستلجئين للدموع؟ هل سوف تُقارعين الحجة بالحجة؟ هل سوف تكونين صاحبة منطق للسيطرة على الموقف والخروج بحلولٍ جيدة؟ نعم، عيشي هذا النوع من المسلسل الفكري، أو ما نسميه بالتعبير الدرامي عن الموقف، يعني: أن ترسمي موقفًا خياليًا لكنه ليس بعيدًا عن الواقع.
هذا تدريب نفسي جيد، ويُعرف أن التعريض أو التعرُّض في الخيال - كما يُسمَّى - يُحفِّز ويُحضِّر ويجعل الإنسان مستعدًّا لمواجهة المواقف الحقيقية، أكثري من هذا، وسوف يفيدك.
الأمر الآخر: اصرفي انتباهك تمامًا عن الضعف النفسي من خلال المشاركة الحقيقية فيما ينفع أسرتك، كوني إنسانة مِقْدامة، خذي المبادرات الإيجابية، اهتمي بإخوتك، واحرصي دائمًا على بر والديك، بهذه الكيفية وبهذه الطريقة سوف تفرضين نفسك تمامًا على الأسرة، وسوف تتبدَّل أي نظرة سلبية نحوك إلى نظرة إيجابية.
ولا أريدك أبدًا أن ترسلي رسائل سلبية لأسرتك تجعلينهم يحسُّون أنك في حاجة للشفقة، أنت لست في حاجة لشفقة أحد، يجب أن يكون هذا هو مبدؤك، وتنطلقي على ضوء هذا النوع من التفكير.
مارسي الرياضة، واجعلي لحياتك هدفًا، والتواصل الاجتماعي المفيد أراه خيرًا بالنسبة لك، كالانضمام لأحد مراكز تحفيظ القرآن إن كان ذلك ممكنًا، هذا فيه خير كثير لك، يقوِّي من بنيتك الاجتماعية ويطور من مهاراتك الاجتماعية، وهذا كله يجعلك -إن شاء الله تعالى- تتحكَّمين بصورة أفضل في المواقف الوجدانية.
باركَ الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.