زوجي بخيل وأختلف معه كثيراً... فهل أطلب الطلاق؟
2012-08-05 04:53:56 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أبلغ من العمر 31 عاما، متزوجة منذ 10 سنوات، لدي ولدان، وزوجي قريب لي، بعد الزواج اكتشفت أنه يتصف بصفات لا أتحملها، فهو بخيل، وعادي جدا، عنده قطع صلة الرحم، والنميمة، وقد كان معسرا ووقفت بجواره إلى أن فك الله كربه وسدد ديونه، أعمل بوظيفة محترمة، جل راتبي على مصاريف البيت، ومساعدته في تسديد ديونه، وهو يبخل علي أن أصرف من راتبي في الكثير من الأشياء، لا يوفر المستوى المعيشي الذي يناسب دخلنا، وهو الآن يدخر المال الوفير ولا يتحمل المسؤولية!
تعبت من سلبيته، فنحن الاثنان لا نتفق في كثير من الأمور، آراؤنا مختلفة، تحملت الفترة السابقة من أجل أولادي ووجودي معه، أعرف أنه يبعدني عن رضا الله تعالى؛ حيث أني أصبحت أبغضه، فهل يجوز لي شرعا طلب الطلاق؟
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ام عبد الله حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله العلي الأعلى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن يثبتك على الحق، وأن يهديك صراطه المستقيم، وأن يشرح صدرك لاتخاذ القرار المناسب الموفق. كما نسأله تبارك وتعالى أن يُصلح ما بينك وبين زوجك، وأن يرزقك القدرة على الثبات والاحتمال والحفاظ على الأسرة، إنه جواد كريم.
وبخصوص ما ورد برسالتك - أختي الكريمة الفاضلة – فإنه مما لا شك فيه أن الصفات التي وردت برسالتك (صفة البخل، والحرص على قطع الرحم، وكذلك الغيبة والنميمة – وغير ذلك – ) صفات مزعجة، خاصة صفة البخل التي تؤثر على استقرار الأسرة وسعادتها، وتجعلها محرومة رغم وجود الوفرة المادية لديها، وهي صفات مما لا شك فيه ذميمة وليست بحميدة، والإسلام حقيقة يقف موقفًا شديدًا وقويًّا من مسألة البخل، بل إنه أجاز للمرأة أن تأخذ من مال زوجها من ورائه ودون علمه إذا كان بخيلاً وكانت في حاجة إلى ذلك، والنبي - صلى الله عليه وسلم – أيضًا أخبرنا أن من الثلاث المهلكات التي تُهلك الدين وتُهلك المبادئ والقيم وتذهب بالمودة والمحبة (شُحٌ مُطاع) أي بخل يمشي صاحبه وراءه حتى يمنعه من إعطاء أصحاب الحقوق حقوقهم، سواء أكانوا من الشرعيين كنفقة الزوجة ونفقة الأبناء أو الآباء والأمهات، أو كانوا كذلك من أصحاب الإحسان كالفقراء والمساكين واليتامى والأرامل.
فأنا معك أن هذه صفة ذميمة وقبيحة، ولكن دعينا ننظر إلى الطرف الآخر، بعد عشر سنوات من الحياة الزوجية وبعد مجموعة من الأطفال، هل تتصورين أن الطلاق هو الحل؟
في الواقع - أختي الكريمة الفاضلة أم عبد الله – هذا يمثل نوعا من الهروب وليس حلاً للمشكلة، فأنت تريدين أن تهربي من مواجهة المشكلة على اعتبار أن هذا أسهل من وجهة نظرك على الأقل، ولكن في الواقع هو ليس كذلك، لأن الطلاق مشكلة ما بعدها مشكلة، وعلاج لمشكلة صغيرة بعشرات المشاكل المعقدة الكبيرة، فأنت الآن موظفة بوظيفة محترمة كما ذكرتِ، وقطعًا تتركين أولادك في البيت، وتخرجين للعمل، وتعودين بعد ذلك في نهاية الأمر لتبدئي دورًا آخر، دور الأمومة والتربية، وكذلك دور الزوجة الصالحة الصادقة التي تريد أن تلقى الله تعالى والله عنها راضٍ.
هذا الدور الذي تقومين به الآن ليس دورًا سهلاً ولا دورًا هينًا، أولادك مع الزمن سوف يكبرون وتكبر معهم مشاكلهم، وتشعرين بضعف شديد حقيقة عن الوقوف في وجوههم عندما يريدون تصرفات أنت لا تقبلينها، وكذلك أيضًا تحديات في مراحل المراهقة وما بعدها قد تفرض نفسها عليك وعلى الأسرة، وقد تعصف بمستقبل أبنائك والعياذ بالله تعالى.
وجود الرجل في حياة الأسرة أمر في غاية الأهمية حتى وإن كان يتمتع بقدر كبير من السلبية، لأن الحياة جرت وأعراف الناس قامت على أن الأولاد يخافون من آبائهم أكثر مما يخافون من أمهاتهم، فالأم دائمًا مجبولة على العطف والحنان، والأولاد يتجرؤون عليها أكثر من جرأتهم على أبيهم.
أيضًا بعد هذه الفترة من العمل وبعد هؤلاء الأولاد، اسمحي لي: مَن الذي سيتقدم إليك ليحل محل زوجك وأنت لديك كمّ من الأولاد، ووصلت إلى هذا السن أيضًا؟
هذا أمر أيضًا قد يكون ليس في حسبانك، وأنت ما زلت في منتصف العمر، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: (أعمار أمتي ما بين الستين والسبعين وقليل منهم من يجاوز ذلك) فقد تشعرين بأن هناك حاجات قوية تعمل في نفسك ولا تستطيعين إشباعها، لأن الذي فعلته خلاف فطرة الله تعالى.
إذن أقول: لماذا لا نفكر في حل المشكلة بطريقة أخرى؟
هذه المشكلة من الممكن أن تُحل بقدر كبير من التفاوض والحوار والمواقف الحاسمة، بمعنى أننا نضع حدًّا لاعتداء الزوج على المصاريف، ونحاول معه أن نتفاهم ونبين له أن هذا ليس من حقه، وأنه يجب عليه أن يتحمل مسؤولياته، وتصرين أنت على ذلك بكل قوة، لأنك في ذلك قطعًا سيشعر زوجك أنك توجهين إليه رسالة، وهذه الرسالة لن تكون سهلة حقيقة كما تتوقعين، وإنما كأنك توجهين إليه رسالة بأنك من الممكن أن تفكري في الاستغناء عنه، ولو كان رجلاً عاقلاً يقينًا سوف يتراجع للحفاظ على الأسرة.
كذلك هذه السلبيات الأخرى من الممكن أيضًا أن تقفي في وجهه بقوة، لأنك ولله الحمد والمنة وصلت إلى سن ترفضين الوصاية من أي أحد، وأنت امرأة عاقلة تحبين الله ورسوله، ولا أعتقد أنك بذلك تكونين في حاجة إلى وصاية من أحد عليك ما دمت تريدين شرع الله تعالى.
فأنا أتمنى بارك الله فيكِ أن نبتعد تمامًا عن فكرة الطلاق، ولا نفكر فيها بأي حال من الأحوال، لأن هذا الذي ذكرته في رسالتك ليس مبررًا حقيقة بطلب الطلاق من الناحية الشرعية ولا أيضًا من الناحية الواقعية، وإنما هي نوع من العواطف والمشاعر وهروب كما ذكرتُ من مواجهة المواقف السلبية، ولذلك أقول: واجهي هذه المواقف بقوة، استعيني بالله تعالى، واطلبي من زوجك عقد جلسات حوارية بينك وبينه بعيدًا عن الأسرة والأبناء، واشرحي له وجهة نظرك، وبيّني أن هذه الأمور تزعجك كثيرًا، وأنك فكرت كثيرًا في الطلاق للخروج من هذه الحياة الصعبة، ولكن لولا وجود الأبناء وحرصك على الحياة الزوجية المستمرة، ورغبتك في ألا يقع الطلاق والفراق بينك وبين أبنائك لما فكرت في هذه المسألة.
أعتقد أننا لو أجرينا الحوار وحاولنا أن نتفاهم ونتحاور، مع الدعاء والإلحاح على الله تبارك وتعالى أن يُصلح الله لك زوجك، سوف تحققين مكاسب هائلة، وسوف تصلين إلى المطلوب بسهولة أو بأقل قدر من المشاكل.
أسأل الله تعالى أن يشرح صدرك للذي هو خير، وأن يوفقك إلى إقناع زوجك بالعدول عن تلك السلبيات. هذا وبالله التوفيق.