خطبت فتاة تعاني من مرض الصرع، فهل أتزوجها؟
2012-07-31 10:01:37 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شاب أبلغ من العمر 29 سنة، دلني أهل الخير على فتاة تبلغ من العمر 20 سنة، من عائلة ملتزمة وذات صيت طيب، ذهبت والدتي فرأتها وأعجبت أيما إعجاب بها، ذهبت بعدها لأراها رؤية شرعية، أعجبت بها وبخلقها وحيائها، لما خرجت انفرد بي أبوها وقال لي يا بني: هنالك أمر لابد أن تعلمه، إن ابنتي لديها شحنة كهرباء زائدة في المخ وتتعالج منذ مدة بالديباكين.
لا أخفي عليكم أنني احترمت الوالد على صراحته، ولم يغير الأمر شيئاً، خاصة بعدما قرأت عن المرض وعلمت أن هنالك أملاً في الشفاء، ولم أشأ أن أكسر بخاطر الفتاة بعدما رأيت سعادة غامرة في عينيها، رغم أن حياءها منعها من التصريح.
مشكلتي هي أنني حينما أخبرت والدتي قلقت، ونصحتني بالعدول؛ لأنها تخشى أن أتعب معها في المستقبل، ولأن النظرة الشائعة في مجتمعنا عن الصرع بشعة جداً.
أنا الآن في حيرة من أمري، أأقبل على الأمر وأترك كل شيء على الله؟ خاصة أني لمست في نفسي ارتياحاً، بل وإعجاباً بالفتاة، أم أترك تلبية لرغبة والدتي؟ ولكن حينها لن أستطيع تحمل ندمي وشعوري بالذنب تجاه الفتاة.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الكريم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله العلي الأعلى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجزيك خيرًا، وأن يملأ قلبك محبة ورحمة لعباده، وبرًّا بخلقه، وإحسانًا إليهم. كما نسأله تبارك وتعالى أن يمنّ عليك بزوجة صالحة طيبة مباركة تكون عونًا لك على طاعته ورضاه، وأن يُكرمك ببر والدتك، إنه جواد كريم.
وبخصوص ما ورد برسالتك - أخي الكريم الفاضل – فإنه مما لا شك فيه أن موقف هذا الوالد موقف نبيل ورائع، وهو في نفس الوقت أيضًا يحمل دلالة على أن الحالة ليست بسيطة، حتى وإن كانت تتعاطى علاجًا، لأن هناك معظم الأمراض التي يمكن إخفاؤها أو التي يمكن أن تكون آثارها بسيطة لا يتكلم فيها أصحابها، ولكن هذا الرجل أولاً رجل أمين وفاضل، وثانيًا: هناك احتمال أن تكون الحالة مزعجة فعلاً فأراد أن يجعلك معه في الصورة.
ومن هنا فإني أقول: حتى وإن كانت الأخت على قدر من الجمال والتوفيق، وحتى إن كنت قد استرحت لها، فأتمنى أن تأخذ قرارك أن يكون أمام واحد من اثنين: الأول أن تسأل الأخصائيين من الأطباء ودعك من كلام العامة، فإن كلام العامة لا اعتبار له ولا وزن، فقد يضخمون الأمور ويهولونها وهي في حد ذاتها بسيطة وسهلة وميسورة. فعليك أن تسأل بعض الأخصائيين النفسانيين عن هذا المرض وعن هذا الدواء؟ وعن الآثار المترتبة عليه وعن أعراضه؟ وهل من الممكن فعلاً احتمالها، وهل من الممكن أن تنتقل إلى الأولاد في المستقبل كمرض وراثي أم لا؟ لأن هذا من حق أبنائك عليك. هذا الأمر الأول، وسوف تحول استشارتك للأخ الطبيب النفساني – جزاه الله خيرًا – وبذلك تكون قد أخذت المعلومة كاملة.
الأمر الثاني: فيما يتعلق بالوالدة، لأنك تعلم أن طاعة الوالدة واجبة، وأنه لا يجوز إغفال رغبتها أيضًا، ولكن قلقها ورفضها إنما جاء بسبب هذا المرض، فإن كان المرض سهلاً ميسورًا وآثاره من الممكن السيطرة عليها ولن يكون وراثيًا، ولن يعطل الحياة الزوجية، فعليك أن تُقنع بهذا الكلام الطبي الدقيق، وألا تُخفي عنها شيئًا، فإن تغير موقفها ووافقت على الأخت فإذن تكون المسألة قد انتهت من الناحيتين، أما إن أصرت الوالدة على موقفها وأبدت قلقها فعلاً وازعاجها من وجود هذا المرض وقالت لك (دعك منها ونبحث لك عن غيرها) فحتى وإن كانت ليس فيها عيب فعليك أن تطيع والدتك، لأن هذا هو الذي عليه أهل العلم، خاصة وأنك للآن لم ترتبط بها بعد، وأنت تعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم – جاءه ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما – وقال له: إن أبي يأمرني أن أطلق امرأتي. فأمره النبي - عليه الصلاة والسلام – أن يُطيع أباه. نعم نحن لسنا كعمر وأبنائنا ليسوا كابن عمر وزوجاتنا أيضًا لسن كزوجة ابن عمر، ولكن المهم أن هذا الأمر أصبح شائعاً في كلام أهل العلم، أن الإنسان يطيع والداه خاصة إذا كان لا يحمل ظلمًا أو اعتداء على أحد.
ولذلك لا يفتيك أحد الآن بأن تطلق امرأتك التي دخلت بها، أما ما زال هناك مشروع زواج فحتى وإن كان في الأخت جميع الصفات الرائعة فإن العلماء يرجحون طاعة الوالدة، لأن ليس هناك حياة زوجية قائمة، وأنت ببرك لأمك وإكرامك لها وطاعتك لها وإحسانك إليها سوف يمنّ الله تبارك وتعليك بمن هي أفضل منها - بإذن الله تعالى – لأن طاعة الوالدين عبادة، والعبادات يترتب عليها الإكرام، كما قال الله تبارك وتعالى: {فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى}، وكما قال أيضًا: {من عمل صالحًا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون}، فطاعتنا للوالدين خاصة في الأمور المقدور عليها – هكذا الأمر – فهذا الأمر ليس فيه التزام بأي صورة من الصور، وإنما هذه رؤيا شرعية ومن حقك أن ترفض أو تقبل، كما هو العرف الشائع في حياة الناس.
فعليك أن تشرح الأمر بوضوح للوالدة، وإذا كان الأمر بسيطًا ومن الممكن علاج هذا المرض ولن تترتب عليه أعراض جانبية تُزعج الحياة الزوجية، فاجتهد في إقناع الوالدة، ولكن كما ذكرت بدون مجاملات أو ضغط أو إخفاء بعض المعلومات عنها، لأنك قد تتعاطف مع الأخت نتيجة ظروفها، وتحاول أنت أن تضغط على الوالدة، وهذا قد لا يكون في صالحك، لاحتمال أن الحالة تزداد سوءً، وبهذا سيكون طبعًا موقفك أمام الوالدة مُحرجًا، وستشعر بأنك فعلاً قد خسرت بر والدتك، كان من الممكن أن تكون سببًا في سعادتك.
أسأل الله تبارك وتعالى أن يشرح صدرك للذي هو خير، وأن يوفقك إلى كل خير، وأن يبارك لك، وأن يمنّ عليك بزوجة صالحة طيبة مباركة مناسبة لحياة زوجية مستقرة، إنه جواد كريم. هذا وبالله التوفيق.
___________________________________
انتهت إجابة الشيخ: موافي عزب.
وتليها إجابة الأخصائي النفسي: الدكتور محمد عبد العليم.
____________________________________
فإن سؤالك هذا هو سؤال جيد ووجيه ومهم في ذات الوقت، وما أفادك به الشيخ موافي أعتقد أنه الصواب، وهو الذي سوف يفيدك، والأمر بالطبع له جانب نفسي لابد أن أشرحه لك.
أولاً بكل أسف ارتبط مرض الصرع - أو ما يسمى بزيادة كهرباء الدماغ – ارتبط لدى الكثير من الناس من العامة وحتى المختصين بشيء من الوصمة الاجتماعية، وهذا بكل أسف أمر خاطئ جدًّا.
الأمر الثاني والذي أريدك أن تدركه، هو أن مرض الصرع ليس بواحد، إنما توجد عدة أنواع مختلفة، هنالك الصرع الجزئي، هنالك الصرع العام، هنالك الصرع الذي يمكن علاجه، هنالك الصرع الذي قد يصعب علاجه، وهكذا.
ثالثًا: عقار دباكين من الأدوية المعروفة جدًّا لعلاج النوبات الصرعية، وهو دواء مفيد ودواء جيد، وسليم بصفة عامة، وإن كان له بعض الآثار الجانبية، لكنه ليس من الأدوية التي يُنصح باستعمالها أثناء الحمل مثلاً بالنسبة للنساء، لكن توجد أدوية أخرى سليمة يمكن استعمالها في أثناء الحمل.
الذي أريد أن أنصحك به - وأعتقد أنه هو الصواب – هو أن تقدر ما ذكره لك والد الفتاة، ولا شك أنك قد شكرته على ما ذكره لك، وهذا هو الواجب من جانبه، والواجب من جانبك أيضًا أن ترد له الجميل، وذلك بشكره وتقديره. وفي ذات الوقت يمكنك أن تطلب منه بعد استئذانه واستئذان الفتاة بأن تذهب إلى الطبيب الذي يقوم بعلاجها، ولا شك أن الطبيب لن يفصح لك بأي معلومات إلا بعد الإقرار والإذن التام من الفتاة وولي أمرها، هذا من أصول المهن الطبية، لأن أسرار الناس خاصة الطبية هي أمانة وأمانة في عنق الطبيب الأمين، وأنا متأكد أن والدها وسوف يوافق، ومتأكد - بإذن الله تعالى – أن الطبيب سوف يملكك جميع الحقائق، وبعد ذلك تستطيع أن تتخذ قرارك، وأعتقد أن والدتك أيضًا من الضروري أن تستمع لرأي الطبيب كجهة محايدة، كجهة فنية، كجهة مختصة، ولا شك أن رأي الطبيب يجب أن يُقدّر.
والبشريات التي يمكنني أن أحملها لك هو أن مرض الصرع بصفة عامة لا يمنع الزواج، لكن الأمر نسبي، لأن هنالك أنواع من الصرع قد تكون شديدة يصعب علاجها، قد تكون لها مؤثرات وراثية، ففي هذه الحالة يُصبح الأمر واضح وجلي.
هذه الفتاة – عافاها الله وشفاها – تتناول دواءً واحداً، ومن وجهة نظري هذا دليل أن بؤرتها الصرعية قد تكون من النوع الخفيف، لكن هذا الكلام لا يعني ألا تستنير بما سوف يذكره لك الطبيب المعالج.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.