ارتكبت تصرفات أثرت على نفسيتي وعلى تقديري لذاتي ما الحل الأمثل؟
2011-12-30 18:01:49 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
تحية طيبة لكم أيها الأفاضل، وأسأل الله أن يوفقكم, ويبارك في سعيكم وجهودكم.
أنا طالبة في الجامعة، ارتكبت فيها العديد من الحماقات، وتصرفت بطريقة غير لائقة في كثير من المواقف، ذلك لأنني لم أكن أتصور أن ما أفعله كان حماقة، لا أدري بم أفسره، لعله نوع من الطيش، أو محاولة إبراز ذاتي, خاصة وأني فتاة هادئة, وأميل إلى الصمت في كثير من الأحيان.
أثرت هذه التصرفات علي كثيرًا, وعلى نفسيتي, وعلى تقديري لذاتي وقدراتي، بالرغم من أني طالبة متفوقة، إلا أن شعور المتفوق بالسعادة لم يصاحبني منذ أن دخلت إلى الجامعة، صرت ألوم نفسي كثيراً، وأصبحت نظرتي سلبية لذاتي، وأصبح الهروب من الواقع سبيلاً للتنفيس، أشعر بأنني أتحطم يوماً بعد يوم.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ إيمان حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت, وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن ييسر أمرك، وأن يشرح صدرك، وأن يوفقك إلى كل خير، وأن يجنبك الفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يجعلك من الصالحات القانتات المتميزات المتفوقات، وأن يسترك في الدنيا والآخرة.
وبخصوص ما ورد في رسالتك – ابنتي الكريمة الفاضلة – من أنك طالبة في الجامعة, وأنك ارتكبت العديد من الحماقات, وتصرفت بطريقة غير لائقة في كثير من المواقف؛ لأنك لم تكوني متصورة بأن ما تفعلينه حماقة، وليس لديك تفسير لهذا، ولعله -كما ذكرت- نوع من الطيش, أو محاولة لإبراز ذاتك, رغم أنك لست كذلك.
وتقولين بأن هذه التصرفات قد أثرت عليك, وعلى نفسيتك, وعلى تقديرك لذاتك وقدراتك، حتى أصبحت لا تشعرين بسعادة, وطعم التفوق رغم أنك متفوقة، وأصبحت تلومين نفسك كثيرًا، وأصبحت نظريتك سلبية لذاتك، وبدأت تهربين من الواقع من باب التنفيس عن نفسك, وكتمان همومك.
أقول لك -ابنتي الكريمة الفاضلة-:
أولاً: أحمد الله تبارك وتعالى أن بصّرك بعيوبك؛لأن هذه من أجل نعم الله سبحانه وتعالى على العبد -ذا أحبه فعلاً-أن يبصّره بعيبه، وأن يذكره به، وأن يجعله يعرفه,ويتأكد من أنه قد خالف,أو وقع في محذور من المحذورات، ولا يلزم أن تكون الحماقة شيئًا محرمًا بالمعنى، ولكن قد تكون على الأقل شيئًا لا يقره الواقع, أو العرف، وقد يكون شيئًا لا تقره النفس، يعني أن كثيرا من الناس يرون أن هناك تصرفات لا يفعلونها رغم أنها قد تكون حلالاً إلا أنهم لم يألفوها, ولم يتعودوا عليها, ويستنكرونها.
فأقول: أيًّا كانت هذه الحماقات, فالحمد لله أن الله بصّرك بها، وأكرمك أيضًا بنعمة اللوم، لوم نفسك, وتأنيبك لضميرك أنك كيف فعلت هذه الأشياء التي أدت بك إلى هذا التغير السلبي في نفسك، فهذه كلها نعم من نعم الله تعالى فاحمدي الله عليها.
وهذه أيضًا من علامات محبة الله تبارك وتعالى لك؛ لأن الله تبارك وتعالى إذا أحب عبدًا أعانه, ووفقه, وسدده, وبصره بعيوبه, وأعانه على سلوك طريق الصواب والحق والاستقامة, وإذا أبغض الله عبدًا أهمله, ووكله إلى نفسه، كما قال تعالى: {نسوا الله فأنساهم أنفسهم}.
فالحمد لله أنك عرفت الأخطاء التي وقعت فيها، والحمد لله أنك تلومين نفسك كثيرًا على ذلك، ولكن مسألة نظرتك السلبية هي التي تحتاج إلى علاج؛ لأن الله تبارك وتعالى جل جلاله خلق الإنسان, وركب فيه جانب الخير وجانب الشر، ونحن كلنا أبناء آدم عليه السلام وأبناء حواء أيضًا، وأنت تعلمين أنههما خالفا أمر الله تبارك وتعالى وأمر الله بإخراجهما من الجنة، فهل أثّر ذلك على نفسية آدم وحواء, واستسلما لهذا القرار الربّاني وتركا كل شيء؟!
أعتقد أنك لو قرأت القرآن بشيء من التأمّل البسيط ستجدين أن الجواب على خلاف ذلك، بل إن آدم وحواء عليهما السلام قالا كما قال الله تبارك وتعالى: {ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين}.
إذن هما بادرا بالتغيير الإيجابي، ولم يتوقفا أبدًا عند النظرة السلبية التي أنت مازلت بها الآن.
أنت الآن -بارك الله فيك- قد منَّ الله تبارك وتعالى عليك بمعرفة العيب, ومعرفة الخطأ، وأنت تلومين نفسك الآن عليه لومًا عظيمًا، وتشعرين فعلاً بأنه أمر ما كان ينبغي أن يحدث.
هذه كلها مقدمات رائعة، ولكن الأروع منها النهوض, والوثوب, وعدم الاستسلام لهذا الواقع، وعدم الركون لهذه النظرة السلبية، وإنما الله تبارك وتعالى من فضله ورحمته فتح أمامنا أبواب الرجوع إليه في أي وقت, وفي أي لحظة, مهما كان الذنب, ومهما كانت الحماقة, ومهما كان الخطأ، ولذلك أخبرنا الله تبارك وتعالى بقوله: {إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليمًا حكيمًا} والله تبارك وتعالى يقول: {ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون} بمعنى أن الإنسان إذا لم يتب فهو ظالم، فالإنسان إما أن يكون تائبًا أو ظالمًا.
فعليك بالتوبة, والرجوع إلى الله تبارك وتعالى، ومواصلة المسيرة في تعويض هذا الخلل بالكف عن هذه الحماقات، والتوقف عنها نهائيًا، ثم بمحاولة تعويض هذه الأشياء، ولن يكون ذلك إلا عن طريق التوبة النصوح أولاً.
والأمر الثاني: الإكثار من الأعمال الصالحة.
الأمر الثالث: معرفة الأسباب التي أدت إلى ارتكاب الحماقات؛ لأن معرفة الأسباب تؤدي دائمًا إلى الوصول إلى الحل بسهولة، فما الذي جعلني؟ وما الذي دفعني؟ وما الذي أدى بي إلى أن أقع في هذه الحماقات؟ قد تكون صداقة، قد تكون غفلة، قد تكون قراءة، قد يكون أي سبب.
فإذن معرفة وتحديد السبب أو الأسباب التي أدت بك إلى ارتكاب هذه الحماقات، ثم القضاء عليها نهائيًا, والتخلص منها، ومحاولة مضاعفة الجهد في تحسين النفس، وذلك بتحسين العلاقة مع الله تبارك وتعالى أولاً؛ لأن الله تبارك وتعالى هو الذي يزكينا، كما قال: {بل الله يزكي من يشاء}.
فإذن عليك بالعودة إلى الله تبارك وتعالى, والاجتهاد في الطاعة، خاصة ما يتعلق بأذكار الصباح والمساء, والمحافظة على الصلوات في أوقاتها، وأن تجعلي لك وردًا قرآنيا، والإكثار من الاستغفار، والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام.
ضعي برنامجًا محددًا للمذاكرة، ولا تكن المذاكرة حسب الظروف، وإنما لابد أن تكون وُفق خطة حتى تتحول إلى عادة كعادة النوم والطعام والشراب، تتحول القراءة إلى عادة، واجعليه أمامك هدفًا كبيرًا، وأن تكوني على ما كنت عليه سابقًا متميزة متفوقة.
وأتمنى أن تضعي هدفًا أكبر وهو أن تكوني الأولى على فرقتك, أو على دفعتك، وأن تكوني -بإذن الله تعالى- صاحبة التميز العلمي, والتميز الخلقي, والتميز الديني، حتى يمنّ الله تبارك وتعالى عليك بالتمكين في الأرض؛ لأنك إذا كنت قوية علميًا ودينيًا وأخلاقيًا وقيميًا فأنت بذلك ستكونين مشروعًا كبيرًا لخدمة الإسلام، وبك سترتفع راية الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، ولعلك أن تكوني أستاذة في جامعة من الجامعات، أو عالمة من علماء المسلمين الكِبار.
أسأل الله لك التوفيق والسداد.