لا أشعر بمشاعر أبوية تجاه ولدي وأشك في نسبته لي فما الحل؟
2011-12-21 07:11:48 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم
لدي أربعة أطفال -والحمد الله-، ولكن لدي مشكلة مع واحد منهم، ترتيبه الثالث بينهم، ويبلغ من العمر سنتين ذكر، لا أحمل له أي مشاعر أبوية، بل مشاعري تجاهه سلبية لدرجة أن الشك دخلني في نسبته لي.
وهذا يظهر جليا في حال ارتكابه أي خطأ -حتى وإن كان بسيطا- فتكون ردة فعلي قوية وقاسية جدا، وبصورة انفعالية ومزعجة، حتى أخجل من نفسي, وتدهش الموجودين -إن كانت زوجتي أو إخوانه- لدرجة أنهم صاروا متأكدين بأني أكرهه، وهذا الإحساس يزعجني جدا، وصار شغلي الشاغل في منامي ويقظتي.
أرجو إفادتي بطريقة لحل هذه المشكلة بتأكيد صحة إحساسي أو تكذيبه حتى أرتاح وأريح هذا الصغير، وهو بالتأكيد لا ذنب له.
مع العلم أنني حاولت عن طريق معامل الفحص للحمض النووي لكنهم رفضوا بحجة أن هكذا أمر يتم عبر إجراءات رسمية، وهذا قد يؤدي إلى تفكيك الأسرة، وزرع شرخ في محيطها من الصعب علاجه، حاولت عن طريق ملاحظة بعض العلامات الظاهرة المشتركة بيني وبينه وبين إخوانه، ولكن للأسف كانت سلبية، وتأكد إحساسي السلبي تجاهه أيضا عن طريق سؤال أمه بصورة غير مباشرة، لكنها لم تجاوب أبدا، أرجوكم ثم أرجوكم أفيدوني -أفادكم الله- إلى الطريق الذي يخرجني من هذه الدائرة الشريرة بالوصول إلى بينة يطمئن لها قلبي لأرتاح وأريح.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ emad حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يفرج كربتك، وأن يقضي حاجتك، وأن يصرف عنك هذا الهم والغم، وأن يعينك على التغلب على تلك المشكلة الخطيرة والمدمّرة، وأن يوفقك للعدل بين أبنائك والإحسان إليهم، وأن يعافيك من هذه الكراهية التي لا سبب لها تجاه هذا الطفل المسكين.
وبخصوص ما ورد برسالتك -أخي الفاضل الكريم- من أن لديك أربعة من الأبناء، ولديك مشكلة مع واحد منهم وهو الثالث، إذ أنك لا تحمل له أي مشاعر أبوية، بل إنك تشعر بأن مشاعرك تجاهه مشاعر سلبية لدرجة أن الشك قد دخلك في نسبته إليك، وتقول بأن هذه التصرفات تظهر واضحة في حال ارتكابه أي خطأ حتى وإن كان بسيطًا، إذ أن ردود فعلك تكون قاسية وقوية وعنيفة,، وبصورة انفعالية ومزعجة، حتى إنك لتخجل من نفسك، وتذهل الموجودين من حولك سواء كانت زوجة أو أبناء أو غيرهم.
وحاولت أن تتأكد من النسب ولكنك لم تصل إلى ذلك، وتقول: إنك تعاني معاناة شديدة، وأنك أصبحت في شغل شاغل -كما ذكرت- وأنت تتألم لهذا الإحساس الذي لا مبرر له، فهذا طفل صغير ليس له ذنب ولا جريرة، ولكنك لا تشعر تجاهه بأي انتماء أو عاطفة، بل إنك لعلك تشعر نحوه بنوع من الكراهية.
وترتب على هذا أنك أصبحت تفرق بينه وبين إخوانه، وفي الوقت ذاته تقول بأنك لم تر أي علامة من العلامات تدل على أنه من صُلبك أو أنه أخ لإخوانه، حتى العلامات الظاهرة المشتركة بينه وبين إخوانه لا وجود لها، وهذا أيضًا أدى إلى مزيد من الشقاء والألم، ولم تجد جوابًا من زوجتك مقنعًا يُبيّن حقيقة هذا الأمر.
أقول لك -أخي الفاضل الكريم-:
أولاً: كان الله في عونك، فأنت في مصيبة حقيقة، وهذا ابتلاء عظيم، فهو نوع من الابتلاء الذي قدره الله -تبارك وتعالى- عليك، وهو مما لا شك فيه ابتلاء عظيم وخطير، إلا أننا لو قارناه بغيره لكان أهون، ولكن في نفس الوقت أيضًا لا نقلل من شأنه، فهو مع الأسف الشديد ليس ابتلاءً في بدن الإنسان يخصه، ولكن اعتداء على طرف آخر لا ذنب له ولا جريرة، فهذا الطفل الذي لم يتجاوز السنتين من عمره، كونه خرج مختلفًا في هيئته وصفاته عنك وعن أبنائك، فما ذنبه؟ ولعلك تذكر هذه القصة التي وردت في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رجلاً من بني فزارة أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال: إن امرأتي ولدتْ غلامًا أسود -وهو يريد الانتفاء منه- يعني هذا الرجل يريد أن يقول بأن هذا ليس ولدي، فقال له -صلى الله عليه وسلم-: (هل لك من إبلٍ؟ قال: نعم، قال: وما ألوانها: حُمْرٌ، فقال له: هل فيها من أوْرق؟ -يعني بعيرٌ مختلف في هيئته أو صورته عن بقية الإبل- قال: نعم. قال: فأنَّى كان ذلك -يعني كيف حدث هذا الاختلاف؟- فقال: أراه عِرقٌ نزعه -يعني أن هذه عوامل وارثية قديمة، ولعله أخذ هذا اللون من أجداده ومن آبائه في السلالات السابقة- فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (فلعل ابنك هذا نزعه عِرقٌ) ولم يرضَ النبي -عليه الصلاة والسلام- بأن يقوم بانتفائه منه.
وأنا أقول: إن هذا الأمر هو هو فيما يتعلق بك تمامًا، إنَّ ابنك هذا الذي تقول بأنه لا توجد بينه وبينك أي قواسم مشتركة، لعله نزعه عرق، لعل ذلك كان في جدٍّ من أجدادك, أو أجداد أمه، أو أجداد أجداد الأجيال القديمة، فخرجت صورته مغايرة لصورتك أنت وزوجتك وأولادك، ولكنها مطابقة لصورة قديمة أنت لم ترها.
فإذن أقول: أنا أعتقد بأن القضية جاءت من هذا الباب، ما دمت ترى أن امرأتك امرأة فاضلة، وأنها يُستبعد منها ذلك، حتى وإن كان -لا قدر الله- قد وقعت في ذلك لا تستطيع أن تنفيه؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (الولد للفراش وللعاهر الحجر) فالولد للفراش بمعنى أنه ابنك يقينًا بكل المقاييس والمعايير، والشرع لم يضيع حق الطفل لمجرد شكوك اعتملت في نفس الوالد.
ومن هنا فإني أقول لك -أخي الفاضل الكريم بارك الله فيك-: يجب عليك أن تتقي الله تعالى، وأن تجتهد في كبح جماح نفسك، وأن تحاول أن تضبط تصرفاتك مع هذا الطفل، لأنك مع الأسف الشديد لا تدمّره وحده، وإنما تدمر الأسرة بتمامها؛ لأن هذا الطفل مما لا شك فيه عندما يشعر بأنه منبوذ، وبأنه غير مرغوب فيه سوف يصب جام غضبه عليك أولاً، وعلى أمه ثانيًا، وعلى إخوانه ثالثًا؛ لأنه سيشعر بأنهم أفضل منه، وأنك تميزهم عليه بدون أي ذنب وبدون أي سبب، فقطعًا سوف تتأصل في نفسه الكراهية لك، وقد يُقبل على قتلك -لا قدر الله- في المستقبل، وقد يدمر إخوانه، وقد يُقبل على الانتقام منهم بحجة أنهم أفضل منه، وأنهم أخذوك منه، وكذلك قد يفعل ذلك مع المجتمع، بل قد تحوّله إلى مجرم كبير خطر على الأمن؛ لأنك تضع في قلبه كمية كبيرة من الكراهية الهائلة لك ولأبنائك ولأمه وللمجتمع كله، وقد تدفعه إلى الاكتئاب والإجرام.
ولذلك أقول: أنصحك -أخي الفاضل الكريم- أولاً: أن تقاوم هذه النزعات المحرمة، وأن تتقي الله -تبارك وتعالى- فيه، وأن تضبط مشاعرك، وكلما هممتَ بعقابه حاول أن تُمسك نفسك؛ لأنك ستكون ظالمًا، ومن لا يرحم لا يُرحم، فليس منا من لم يرحم صغيرنا، وكذلك عليك بالدعاء أن يعافيك الله -تبارك وتعالى- من ذلك، وأوصيك -بارك الله فيك- بمراجعة أخصائي نفسي؛ لأن حالتك هذه تدل على أن لديك اضطرابًا اجتماعيًا قديمًا، أججه وقوّاه هذه الصورة المختلفة والمغايرة لولدك عنك أو عن بقية إخوانه.
أسأل الله -تبارك وتعالى- أن يخرجك من هذا المنعطف على خير، وأن يعينك على البر والإحسان والعدل بين أبنائك، وأن يوفقك لتحري العدل والبُعد عن الظلم، وأن يملأ قلبك محبة له كما ملأ قلبك محبة لإخوانه، وأن لا يجعلك من الظالمين المعتدين، إنه بك وبغيرك حليم رؤوف رحيم.
هذا وبالله التوفيق.