الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ تركي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،
فمن الواضح أنك تعاني من قلق نفسي، وهذا القلق يظهر لديك في شكل وساوس، رأيت من الصعوبة جدًّا البوح بمحتواها، كما أن لديك درجة بسيطة إلى متوسطة من المخاوف الاجتماعية.
قلق المخاوف الوسواسي منتشر جدًّا، وقد ينتج عنه انخفاض في الدافعية لدى الإنسان، لا نقول الكدر أو الاكتئاب الحقيقي، لكن قطعًا هنالك شعور بعدم الارتياح وربما يكون هنالك اهتزاز في الثقة بالنفس، لذا حين يتم علاج الوساوس والقلق والرهاب الاجتماعي تجد أن الأمور قد تحسنت كثيرًا إن شاء الله تعالى في جميع المجالات.
هذه الحالات تعالج عن طريق المكونات العلاجية الثلاثة، وهي (العلاج البيولوجي، والعلاج النفسي، والعلاج الاجتماعي) العلاج البيولوجي أقصد به العلاج الدوائي، وهو مهم جدًّا، لأن دراسات كثيرة جدًّا أشارت أنه يوجد خلل في الناقلات العصبية الموجودة في الدماغ، وهذا هو الذي يؤدي إلى ظهور الوساوس والقلق والمخاوف، والحمد لله تعالى توجد الآن أدوية فاعلة جدًّا.
النطاق العلاجي الثاني هو العلاج السلوكي، وهو يقوم على مبدأ: أولاً أن يكون الإنسان إيجابيًا في تفكيره، أن يحقر السلبيات، وأن ينظر إلى حياته بأنه هو الذي يستطيع أن يغير نفسه، وهذا يتناسب تمامًا مع السياق القرآني: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}، وهذا يعني أنه لدينا المقدرة والقوة والطاقة المخزونة المختبئة التي يمكننا أن نستفيد منها لنغير من أحوالنا.
ومن أهم العلاجات السلوكية هي المواجهة بالنسبة للمخاوف الاجتماعية، وكذلك تصحيح المفاهيم. أقصد بذلك أن تبني فكرًا إيجابيًا يقوم على مبدأ أنك لا تقل عن الآخرين في أي شيء، بل ربما تكون أحسن من كثير من الناس في أمور كثيرة.
الانعزال عن الأهل هو خطأ، يجب أن تشارك في الأنشطة الأسرية، يجب أن تكون عضوًا فاعلاً في داخل الأسرة، عليك التزامات واضحة في هذا السياق، لا تهمش نفسك، هذا هو الذي أنصحك به.
وهنالك علاجات على النطاق الاجتماعي أهمها تغيير نمط الحياة، التواصل الاجتماعي، الصلاة في المسجد مع الجماعة نوع من التواصل الاجتماعي الفعال، وممارسة الرياضة الجماعية أيضًا فيها خير وفائدة كبيرة جدًّا.
أيها الفاضل الكريم: أنت الحمد لله مُقدم على دراسة الطب، وأسأل الله لك التوفيق والسداد، ولا تتردد في هذا الأمر، وإن شاء الله تعالى تكون موفقًا وناجحًا وتصبح طبيبًا متميزًا، ليس هنالك ما يدعوك للتردد، ليس هنالك ما يدعوك للمخاوف، جوهر الأمر متوفر لديك وهو مقدراتك الذاتية، هذه موجودة، هذه المهارات لا يستطيع أحد أن يأخذها منك، فقط عليك أن توظفها التوظيف السليم والصحيح.
بالنسبة لطبيعة الوساوس التي لا تستطيع أن تتحدث عنها يعرف أن محتوى الوساوس قد يكون سخيفًا جدًّا، قد تكون ذات طابع ديني، قد تكون ذات طابع جنسي، متعلقة بالأوساخ أو شيء من هذا القبيل، والوساوس دائمًا سخيفة، لذا يجب أن تُحقّر، وبالرغم من إلحاحها وتسلطها على الإنسان إلا أن الإنسان يستطيع أن يدفعها من خلال تحقيرها وتجاهلها، وليس من خلال تبريرها ومحاولة نقاشها وإخضاعها للمنطق، هذا قد لا يكون مفيدًا.
وبالنسبة للوساوس الدينية كثيرة، وحتى في زمن الصحابة قد وجدت، فقد ورد في صحيح مسلم ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ذكروا له أنه يأتينا ما يتعاظم علينا أن نتكلم عنه، وهذه إشارة واضحة للوساوس القهرية الفكرية، وكانت إجابة الرسول صلى الله عليه وسلم لهم واضحة وعظيمة كالعادة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم: (هذا من صريح الإيمان) وهذا قول طمأنهم كثيرًا.
فيا أخي الكريم: إن كانت الوساوس ذات طابع ديني فهذا إن شاء الله دليل على الخيرية الموجودة فيك، لأن الوساوس تنشأ من البيئة، والوساوس دائمًا تمس أعظم الأشياء عند الناس، وإذا كانت ذات طابع جنسي فهذه تحقر، وإذا كانت ذات طابع آخر أيضًا تواجه بالمواجهة وبالتحقير والتجاهل.
أقول لك أن العلاج الدوائي مطلوب جدًّا في حالتك لإزالة هذه الوساوس والمخاوف والقلق وتحسين المزاج. أفضل علاج دوائي لك هو العقار الذي يعرف تجاريًا باسم (لسترال) ويعرف تجاريًا أيضًا باسم (زولفت) ويعرف علميًا باسم (سيرترالين).
الجرعة المطلوبة هي أن تبدأ في تناوله بجرعة حبة واحدة ليلاً لمدة شهر، بعد ذلك اجعلها حبتين في اليوم - أي مائة مليجرام - يمكن تناولها كجرعة واحدة في المساء، أو اجعلها حبة صباحًا وحبة مساءً لمدة أربعة أشهر، بعد ذلك خفضها إلى حبة واحدة ليلاً لمدة ستة أشهر، ثم اجعلها حبة واحدة يومًا بعد يوم لمدة شهر، ثم توقف عن تناول الدواء.
أهم سبل نجاح العلاج الدوائي هو الالتزام التام بالجرعة، هذه من الأسباب الرئيسية التي يجب أن يأخذ بها الإنسان، فالالتزام التام بالجرعة وبالمدة العلاجية هي من الأمور والعوامل المهمة جدًّا لأن تجني ثمار هذا الدواء، وسوف تجد فيه إن شاء الله خيرًا كثيرًا، وفعاليته الحقيقية تلاحظها بعد مضي ثلاثة إلى أربعة أسابيع من بداية العلاج.
ولمزيد من الفائدة يمكنك الاستفادة من الاستشارات التالية حول علاج الانطوائية والعزلة سلوكيا (
265122 -
263794).
والعلاج السلوكي للرهاب: (
269653 -
277592 -
259326 -
264538 -
262637).
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وعافاك الله، ونشكرك على تواصلك مع إسلام ويب، وكل عام وأنتم بخير.