كيفية التخلص من الإعجاب بفتاة وتعلق القلب بها
2011-02-03 09:35:25 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله
أنا أخوكم عبد الله وددت أن أسألكم سؤالاً خاصاً وأتمنى الإجابة عليه.
أنا طالب في الجامعة وحياتي تسير بشكل طبيعي إلى أن رأيت فتاة أعجبت بها، وأصبحت متعلقاً بها، فأهملت دراستي وتدهورت حالتي مع والدي ووالدتي بسبب هذه الفتاة التي لا أرتاح إلا إن رأيتها، وإن أتى يوم لم أرها فيه أصبح قلقاً متوتراً، لا أريد أن أتكلم مع أحد، بل إن النوم عندي يخف بشكل كبير بسبب التفكير بها، حتى إنني أنام لمدة ساعتين فقط في اليوم والليلة.
هذه البنت لا تعرفني ولا أنا أعرفها، بالرغم من أن هناك أناساً نصحوني بالذهاب إليها والتحدث معها، إلا أني قلت لهم: لا، فإني أخاف الله، ولا أود أن أتعدى حدوده بالكلام مع غير ذي محرم.
فساعدوني جزاكم الله خيراً.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحباً بك أيها الولد الحبيب في استشارات إسلام ويب بين آبائك وإخوانك، ونسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى بأن يصرف عنك هذا التعلق، وأن يشغل قلبك بحب الله تعالى وذكره، وأن يشغل نفسك بما هو نافع لك في دينك ودنياك.
نحن ندرك أيها الولد الحبيب الحال الذي أنت فيه، وندرك كذلك ما تعانيه من تعلق قلبك بمعشوقه، ولكننا مع هذا نوصيك – وهي وصية من يُحب لك الخير ويتمنى لك الفلاح والنجاح – نوصيك بأن تكون حازماً جاداً في الأخذ بالأسباب التي سنطرحها بين يديك لتخلص نفسك من هذا الوضع الذي أنت فيه، فإنك إذا استمررت في السير وراء هذا التعلق وأصررت عليه وبقيت دون مجاهدة له، فإنك ستصل إلى حالٍ أشد عليك مما أنت فيه، فإن العشق مرض من أمراض القلب، وهو كما قال أهل العلم به، وبما يقال بأنه مرض مخالف لسائر الأمراض في ذاته وفي أسبابه وعلاجه، وأنه إذا تمكن واستحكم عزّ على الأطباء دواؤه، وأعيى العليل داؤه.
من ثم فنحن ننصحك أيها الحبيب بأن لا تأخذ الأمر بتساهل، فينبغي أن تكون جاداً لتخلص نفسك من هذا الوضع، فإن استمرارك في هذا الطريق ستدمر حياتك وستنهي مستقبلك وستعيش بلا شيء، ونتمنى أن تأخذ هذه الخطوات التي سنضعها بين يديك مأخذ الجد والحزم، وتستعين بالله تعالى في العمل بها وتطبيقها، وإنك بإذن الله تعالى متخلص مما أنت فيه إذا أنت صدقت العزم واستعنت بالله.
أول هذه الوصايا أيها الحبيب والتنبيهات أن نلفت انتباهك إلى سبب وجود العشق في القلب والتعلق بالصور، فإن القلب إذا رأى صورة جميلة واستحسنها تعلق بها، لكن هذا لا تُبتلى به كل القلوب، وإلا فما أكثر الناس الذين يرون هذه الصور، ولذلك قال الإمام ابن القيم – رحمه الله تعالى – وهو يتكلم عن سبب العشق، يقول: "عشق الصور إنما تُبتلى به القلوب الفارغة من محبة الله تعالى المُعرضة عنه المُتعوضة بغيره، إذا امتلأ القلب من محبة الله والشوق إلى لقائه دفع ذلك عنه مرض العشق بالصور، ولهذا قال الله تعالى في حق يوسف عليه السلام: (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ)[يوسف:24] فدّل على أن الإخلاص سبب لدفع العشق وما يترتب عليه من السوء والفحشاء التي هي ثمرة العشق ونتيجته".
هكذا يقرر الإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى – سبب هذا المرض ويُبيّن منشأ الداء، وهو فراغ القلب، فإذا كان هذا القلب مشغولاً مملوءً بمحبة الله تعالى مشغولاً بذكره مشغولاً بالإقبال على ما ينفعه، فإن هذا النوع من التعلق لن يجد له محلاً في هذا القلب، ولذلك قال الحكماء وهم يعرّفون العشق، يقولون: العشق حركة قلب فارغ، يعني فار مما سوى معشوقه.
وإذا علمت هذا أيها الحبيب علمت مبدأ الطريق، وهو أن العلاج يكون محاولة شغل هذا القلب أيضاً وإيجاد ما يُزاحم هذا التعلق الآن بعد أن حصل في القلب ما حصل، وفي سبيل تحقيق هذا هناك خطوات عديدة ينبغي أن تسلكها.
أول هذه الخطوات أيها الحبيب: أن تحاول اقتلاع هذا العشق من قلبك أو تخفيفه رويداً رويداً، وهذا بإمكانك إن شاء الله تعالى إذا علمت كيفية العلاج، فالعلماء يقولون: العشق مركب من أمرين: الأمر الأول الاستحسان للمعشوق – يعني استحسان الصورة التي رأيتها وإعجابك بها مما يؤدي إلى تعلقك بها – والأمر الثاني: الطمع في الوصول إلى هذا المعشوق، فإذا اجتمع الأمران حصل العشق، وإذا انتفى أحد الأمرين انتفى العشق بعد ذلك.
أما الأمر الثاني وهو الطمع في الوصول إلى هذا المعشوق، فهذا أمر أنت أدرى منا أيها الحبيب في مدى إمكانه من عدم إمكانه، فإذا كنت قد أُعجبت بهذه الفتاة وأحببتها وتعلقت بها وكنت قادراً على الزواج بها، فهذا ينبغي أن تفعله بالحلال، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث: (لم يُر للمتحابين مثل النكاح) فإذا قدر الإنسان على أن يتزوج من أحبها وتعلق بها فهذا علاج أكيد لهذا العشق، والزواج خير وسيلة يقي بها الإنسان نفسه من الوقوع فيما وراء هذا التعلق، قال عليه الصلاة والسلام: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء).
إذا كنت تستطيع أن تتزوج فينبغي لك أن لا تتردد في إخبار والديك بحبك لهذه الفتاة ورغبتك في الزواج بها، وأن تبدأ في البحث والسؤال عن أهلها حتى تصل إليهم، وإن كنت لا تقدر على هذا أو لم ترض هذه الفتاة أو لم يرض أهلها، فإنك حينها ستعلم بأنك وقفت عن الشطر الأول لمعالجة العشق وهو نزع الطمع في الوصول إليه، وعادة النفوس كما يقول التربويون: النفس إذا يئست من شيء نسيته، وإذا بقي الإنسان مُصرّاً على التعلق بالشيء الذي يئس من الوصول إليه فإنه في هذه الحالة محتاج أن يحاور عقله قبل أن يحاول مداواة قلبه، فكيف يُصرُّ الإنسان على التعلق بشيء هو يائس من الوصول إليه؟! وقد قال العلماء: مثل هذا كمثل مَن يعشق الشمس ويريد الوصول إليها.
إذا لم ينته الطمع في الوصول إلى المعشوق فينبغي للإنسان أن يلجأ إلى مداواة الجانب الثاني الذي يتركب من العشق وهو استحسان المعشوق، فإن القلب ما تعلق بهذه الصورة إلا لما استحسنها، لكن لو ذكّر الإنسان نفسه بالجوانب الأخرى التي تُقابل هذا الحسن، الجوانب المنفرة، فإن القلب لا شيء ولا ريب ينفر من الحسن كلما تذكر ذلك المنفر، ولهذا كانت من الوصايا العظيمة المنقولة عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما نُقل لنا عن عبد الله بن مسعود – رضي الله تعالى عنه – أنه قال: (إذا أعجبتك امرأة فتذكر مناتنها) يعني: ما يُستقذر منها وما يُستقبح منها، فعلى الإنسان أن يتذكر هذه المناتن لتطرد عن قلبه التعلق بذلك الحسن، وذلك الجمال الذي رآه، والفتاة هذه التي رأيتها لا تربو ولا تزيد عن غيرها من الفتيات بل على غيرها من بني آدم كلهم بما فيهم من أنواع المنفرات في خلقتهم التي خلقهم الله عز وجل عليها، وفي أخلاقهم أيضاً، فتذكر مناتنها، واعمل بهذه الوصية العظيمة مثل عبد الله بن مسعود – رضي الله تعالى عنه وأرضاه – .
هذا علاج إجمالي أيها الحبيب من خلاله تستطيع أن تطرد عن نفسك هذا التعلق بهذه الفتاة، ولكن يبقى أن إشغال القلب وملأه بالنافع هو خير أسلوب لضمان عدم تعلقه بما يراه من الصور المستحسنة، ولهذا نحن نوصيك أيها الحبيب بمجاهدة نفسك وإن كان شاقاً عليك، مجاهدة نفسك في أن تطرد عن نفسك هذا التذكر والتفكر في هذه الصورة وأن تُقبل على ما ينفعك، فاحرص على ملازمة الشباب الطيبين الصالحين، واحضر مجالسهم، وقلل من الانفراد بنفسك والخلوة بها، وأكثر من سماع المواعظ والدروس العلمية، فإن في الاشتغال بذكر الله تعالى ولذيذ مناجاته صرفا للقلب عن التعلق بغيره سبحانه.
نوصيك أيها الحبيب بأن تشتغل بالشيء النافع في دنياك كأن تتعلم مهنة أو نحو ذلك، فإن هذا يطرد عنك بإذن الله التذكر في تلك الصورة.
وخير ما تستعين به أيها الحبيب وتلجأ إليه هو صدق اللجوء إلى الله تعالى الذي يجيب المضطر إذا دعاه، وتطرح نفسك بين يديه وعلى بابه مستغيثاً به متضرعاً متذللاً مستكيناً وتطلب منه سبحانه وتعالى أن يصرف عنك التعلق بغيره، وإذا فُتح لك هذا الباب فإنك ستدخل السعادة من أوسع أبوابها، وستجد أن في مناجاة الله تعالى ما يُغنيك عن التعلق بغيره.
نسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يصرف عنك كل سوء ومكروه، وأن يقدر لك الخير حيث كان.