معنى توأم الروح، وما الفرق بينه وبين المحبة (مطلق المحبة)؟
2011-01-29 08:59:44 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم.
ما معنى توأم الروح؟ وما الفرق بينه وبين المحبة (مطلق المحبة)؟
بمعنى آخر: أن أحب الخصال الحسنة فقط من الآخر، مفهوم يختلف عن أن أحب الشخص بكل ما فيه، يعني أحب الجميل والقبيح فيه ومع إدراك القبح لذاته لكن يتم قبوله لأنه ممن يحب، بل ويُحَب أيضاً لأنه ممن يحب، هل هذا معنى توأم الروح، وماذا أسمي محبة الجميل فقط في المحبوب وعدم رضى ما دون ذلك منه؟
أتختلف الأخوة في الله عن المحبة في الله؟
التناصح لله أيكون دون أي مشاعر وود، أهذا أخوة في الله؟
لو كان دافعي في النصح إذن محبتي للطرف الآخر أيكون حباً في الله؟ وتناصحاً لله؟
لما يجد الإنسان حب شخص ما له يؤذيه ولكنه على يقين أنه يحبه ويدفعه الحب على الأذية بل لا يراها أذية فكيف يصنع مع هذا الشخص وحبه وأذاه؟
أخيراً: هل لانشغال القلب وكثرة التفكير بمن يحبه حل؟
أرجو الإجابة عن كل تساؤلاتي وباستفاضة بارك الله فيكم، وجزاكم خيراً.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ السائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن يثبتك على الحق، وأن يهدينا وإياك صراطه المستقيم، وأن يرزقك محبته جل جلاله، وأن يجعلك من أحبابه، وأن يرزقك محبة المؤمنين الصادقين، وأن لا يحرمك من أجر هذه المحبة في الدنيا ولا في الآخرة، إنه جواد كريم.
وبخصوص ما ورد برسالتك وسؤالك الأول: ماذا معنى توأم الروح؟ هذه عبارة عامية ليس لها علاقة باللغة العربية الفصحى، ولا بالضوابط الشرعية؛ لأن معنى التوأم هو شقيق الإنسان، فمعنى توأم الروح أي شقيق الروح، فمعنى ذلك أن هذه العبارة عندما تُقال، لما نقول (هذا توأم فلان) معناه أنه أخوه الذي لا يختلف عنه، فكلمة (توأم الروح) أي أن محبته وصلت لدى الإنسان إلى محبة الروح، أي محبة الإنسان لنفسه، فهذه مثلاً قد تكون بين أختين في الله تعالى أو أخوين في الله -عز وجل-، أو ما بين المرأة وزوجها، أو ما بين الرجل وزوجته، أن يحبها كمحبته لنفسه وأن تحبه كمحبتها لنفسها وأشد، أو أن تحب أختها في الله كمحبتها لنفسها حب بنفس المستوى وقد يزيد عنه، وقد يقل عنه قليلاً.
فمعنى ذلك أن كلمة (توأم الروح) المحبة العظيمة التي تساوي محبة الإنسان لنفسه.
وما الفرق بينه وبين المحبة أو مطلق المحبة؟ حقيقة المحبة بإطلاقها قد تكون عظيمة كاملة وقد تكون محبة ناقصة، كما كلمة (توأم الروح) معناه أننا نحبه محبة كاملة.
أما كلمة (مطلق المحبة) معناه أنه من الممكن أن يُحب الإنسان بنسبة، فنحن لا نحب الناس جميعاً بمستوىً واحد، فالإنسان يُحب نفسه ويحب أباه ويحب أمه ويحب زوجته ويحب أبناءه ويحب إخوانه، ولكن هذه المحبة في قلبه ليست كلها على درجة واحدة، وإنما هناك تفاوت عظيم بين هذه المحبوبات كلها.
فإذن كلمة مطلق المحبة: الحد الأدنى من المحبة وتمني الخير له أو محبة الخير له، هذه تسمى محبة، ولذلك (توأم الروح) تكون أقوى في التعبير عن المحبة من كلمة (مطلق المحبة).
وتقولين بمعنى آخر أن الإنسان يحب الخصال الحسنة فقط من الطرف الآخر، وهل هذا يختلف أن يُحب الشخص بكل ما فيه، يعني يحب الجميل والقبيح فيه، مع إدراك القبح لذاته، لكن يتم قبوله؛ لأنه ممن يُحب بل ويُحب أيضاً لأنه ممن يُحب؟
أقول: فعلاً إذا كانت المحبة محبة كاملة بمعنى محبة الجميل والقبيح، فهذه ليست محبة شرعية، وإنما المحبة الشرعية أن يُحب في الناس دينهم وأن يُحب في الناس ما يتفق مع شرع الله تعالى، وأن نبغض فيهم ما يتعارض مع شرع الله، وهذه هي المحبة الكاملة التي تتوافق مع شرع الله عز وجل، فالمرأة تُحب زوجها ولكنها تبغض فيه المعصية، والرجل يُحب ولده ولكن يبغض فيه المعصية، أما أن يُحبه فيما فيه من جميل وقبيح، فإذا كان هذا القبيح يتعارض مع الشرع فمحبته مخالفة للشرع، ولا ينبغي ولا تجوز للإنسان، وإنما نحن أُمرنا أن نُحب الناس على قدر موافقتهم لشرع الله تعالى، ولذلك قال الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)، [الحجرات:10] وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (المسلم أخو المسلم)، وقال: (المؤمن أخو المؤمن).
الأخوة هذه تقتضي المناصرة على الطاعة، أما إذا كان الإنسان فيه بعض التجاوزات الشرعية فلا ينبغي أن يُحب فيه تلك التجاوزات، ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم- للصحابي الجليل أبو الدرداء: (إنك امرؤٌ فيك جاهلية) يعني مع أنه صحابي ومع أنه من الصحابة الكبار ومن أولي العزم من الصحابة إلا أن فيه نقص، فالنبي بينه له -عليه الصلاة والسلام-.
فكون أن نحب شخصاً حباً كاملاً بمعنى أن أحب ما فيه من خير وشر، هذا يتعارض مع شرع الله تعالى. أما كوننا نحب الخير الذي فيه ونبغض الشر الذي فيه فهذا هو شرع الله، وهو معنى الولاء والبراء.
تقولين: وهل هذا هو معنى (توأم الروح) ؟ أقول: لا، توأم الروح أننا حتى الإنسان نفسه يُحب نفسه ولكنه يكره أن تقع في الشر إذا كان إنساناً منصفاً.
وماذا نسمي محبة الجميل فقط من المحبوب وعدم رضى ما دون ذلك منه؟ هذه تسمى محبة شرعية؛ لأن المحبة الأولى محبة فطرية، والمحبة الثانية بمعنى أن نحب الخير في الإنسان تسمى محبة شرعية إلا أن صاحبها يُثاب عليها. أما المحبة الفطرية فإن الإنسان قد يحب إنساناً عاصياً، والإنسان قد يميل أحياناً لبعض الكفار ليس بمعنى المولاة الكاملة، وإنما يشعر بالراحة لهم، وهذا أمر موجود، ولا يمكن نكرانه.
ومن هنا فإني أقول: إن المحبة الشرعية أن نُحب الخير الذي في الناس وأن نحب الناس بما فيهم من خير، وهذا ما قاله النبي عليه الصلاة والسلام بقوله: (أحبُّوا الله لما يغزوكم به، وأحبوني لحبكم لله، وأحبوا أهلي لحبي) أو كما قال -صلى الله عليه وسلم-.
وتقولين: أتختلف الأخوة في الله عن المحبة في الله؟ نعم، الأخوة في الله درجات، وهناك أخوة عامة وهناك أخوة خاصة، والمحبة في الله درجة أعلى من الأخوة في الله؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (حق المسلم على المسلم خمس) وفي رواية: (ست) وفي رواية: (سبع)، فهذه الأمور يمكن أن تكون كلها موجودة، ولكن ليس فيها المحبة الكاملة، وإن كان قد ورد عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (لا يؤمن أحدكم حتى يُحب لأخيه ما يحب لنفسه) أيضاً هنا لم يقل حتى يُحب أخاه، وإنما قال يحب له الخير الذي يحبه لنفسه؛ لأنه قد يكون أخاً في الله ولكني أنا لا أستريح له، ليس لأنه عاصي وإنما هناك تنافر فطري، وهذا ما قاله عليه الصلاة والسلام: (الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف).
كذلك نحن أمرنا بمحبة جميع المسلمين، ولكن أجد أن بعض المسلمين لا أعرفه ولم أتكلم معه وأقابله في الطريق العام ليس بيني وبينه أكثر من السلام عليكم وعليكم السلام، فإذن لا توجد محبة في قلبي بمعنى الميل القلبي، ولكن هو يأخذ منه حقه الشرعي العام، وهي حق الأخوة في الإسلام التي بينها النبي -عليه الصلاة والسلام-.
تسألين: التناصح لله أيكون دون مشاعر وود؟ من الممكن أن يكون كذلك وأن يكون بمشاعر ود؛ لأن الدين النصيحة كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام: (الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة. قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ورسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم) ويستحيل أن يكون واحد يُحب عامة المسلمين في كل مكان من أرض الله تعالى، ولذلك النصيحة لا يلزم أن تكون فيها محبة، وإنما يكون فيها التزام بضوابط الشرع.
هل هذه أخوة في الله؟ نعم هي أخوة في الله على قدر ما فيها من نصح.
وتقولين: لو كان دافعك في النصح محبة في الطرف الآخر أيكون حباً في الله؟
وتناصحاً لله؟ إذا كنت تحبينه في الله يكون حبّاً لله، وإذا كنت تحبينه لأنه زوجك أو لأنه أخاً أو لأنه أباً أو ابناً، فهذا حب تقديري عادياً.
لما يجد الإنسان حب شخص ما له يؤذيه ولكنه على يقين أنه يحبه ويدفعه الحب على الأذية بل لا يراها أذية فكيف يصنع مع هذا الشخص؟ أولاً يلتمس له العذر، أحياناً الواحد منا قد يضرب ولده وهو يحبه أكثر من نفسه، ولكنه يضربه بقصد مصلحته، ولذلك قالوا: "قد يقسو أحياناً من يرحم" كما قال الشاعر، فالأم قد تضرب ولدها، والأب قد يضرب ولده، والأخت قد تضرب أختها، والزوج قد يضرب زوجته، ولكنه يُحبها ويحب لها الخير، فإذن من الممكن أن تكون هناك أذية مع المحبة، ولكن لابد أن تكون منضبطة بضوابط الشرع.
أخيراً: هل لانشغال القلب وكثرة التفكير بمن يحبه حل؟ نعم إذا كان الحب بمعنى الحب الجسماني الشهواني فحله الدعاء والتوجه إلى الله عز وجل بأن يعافينا الله من ذلك، خاصة إذا كان هذا الحب يشغل عن حب الله تعالى، أو يؤدي إلى عدم نصحه بما يُرضي الله سبحانه وتعالى أو إلى مجاملته، أو الوقوع معه في الحرام، فهذه محبة تؤدي إلى معصية فهي لا تجوز شرعاً.
أما إذا كانت المحبة محبة عادية فلا مانع من ذلك إذا كانت في طاعة الله تعالى.
إذن نحن نحب الناس لما فيهم من خير، وإذا كان الإنسان يُحب إنساناً فإذا كان يحبه في الله فقطعاً سيكون عوناً له على طاعة الله، ويحبه على قدر ما فيه من الخير، ويُبغض ما فيه من الشر، فنحن نحكم على الأفعال ولا نحكم على أصحاب الأفعال بالنسبة للمسلمين، فجميع المسلمين إخواني، ولكني أحبهم على قدر ما فيهم من طاعة، وأُبغض ما فيهم من المعصية.
إذن هل انشغال القلب وكثرة التفكير بمن يحبه حل؟ أقول نعم إذا تعلق ما بين رجل وامرأة فإن هذا الغالب أنه يكون الدافع إليه إنما هو الجانب الشهواني أو الجانب العاطفي الفطري، وفي تلك الحال إذا كان الإنسان يعاني من ذلك بمعنى أنه يشغل في صلاته بسبب التفكير أو تتعطل بعض أعماله فعليه أن يتوجه إلى الله تعالى أن يعافيه من ذلك، وأن يُلح على الله -عز وجل- أن يجنبه ذلك وأن يمنعه من الوقوع في الحرام، والله -تبارك وتعالى- أمرنا بالدعاء ووعدنا بالإجابة.
نسأل الله أن يوفقنا وإياك لطاعته، وأن يجعلنا من المتحابين فيه المتزاورين فيه، المتآخين فيه، الذين يظلون بظله يوم لا ظل إلا ظله، هذا وبالله التوفيق.