الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أُعجب زميلي في العمل بلباسي فابتسمت له، فما توجيهكم؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أُعجب زميلي في العمل بلباسي، وابتسمنا لبعضنا، علمًا بأننا في الحقيقة نكره بعضنا، وتعليقاتنا لبعضنا سلبية! فما توجيهكم؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ هدير حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بكِ -أختي الفاضلة- في استشارات إسلام ويب.

رغم أن سؤالكِ موجز في كلماته، إلا أنه يحتوي على العديد من القضايا الهامة التي تتطلب منا التوضيح والتنبيه؛ لأهميتها وخطورة التهاون فيها، فالإسلام عندما شرع لنا تشريعات لتنظيم العلاقة بين الرجل والمرأة، كان القصد من ذلك هو صيانة الأعراض، وحماية المجتمع من الانزلاق وراء الشهوات والانحرافات الأخلاقية التي تسهم بشكل كبير في تدمير القيم داخل أي مجتمع، وتعريضه للتفكك، وفقدان الأمان والاستقرار.

لذا: من الضروري أن تنتبهي -أختي الفاضلة- إلى مجموعة من الأمور الهامة في هذا السلوك الذي بدر منكِ مع زميل العمل، قبل أن يحدث ما لا تُحمد عقباه:

أولًا: مسألة الإعجاب: من الطبيعي أن يشعر الإنسان بالانجذاب نحو شخص آخر، ولكن الإعجاب يتحول إلى جانب سلبي إذا سلك طريقًا لا ينسجم مع القيم والأخلاق، فالإعجاب السلبي لا يمكن تحقيقه إلا من خلال سلوك محرم، كالتعلق غير المشروع، أو تقليد السلوكيات الخاطئة، لذا: من المهم توجيه الإعجاب نحو مسار إيجابي يرفع من شأن الإنسان ويطور قدراته، بحيث يجد في هذا الإعجاب قدوة حسنة ترتقي بأخلاقه وسلوكه وتدفعه نحو الأفضل.

ثانيًا: النظرة المحرمة: إعجاب زميلكِ بملابسكِ ما كان ليحدث لولا إطلاقه بصره في الحرام، أو لبسك يلفت الناظر إليه، وهذا الأمر ليس إعجابًا بقدر ما هو افتتان واتباع للشهوات، والشرع كان واضحًا في تحذير المسلم والمسلمة من النظر الحرام حتى لا يقع في مثل هذه النتائج، قال تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ)، وقال في حق النساء: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ).

ثالثًا: اتباع خطوات الشيطان: -تأملي أختي الفاضلة- كيف تدرج الشيطان بينكما، بدأ الأمر بما تظنين أنه إعجاب، ثم ابتسامة، ثم مداومة النظر، هذا الفعل دفعك للكثير من الأفكار -والدليل أنك تكتبين لنا-، وكل هذا رغم أن بينكما كرهاً وسوء تعامل يجعل الانجذاب غير مبرر، لكنها خطوات الشيطان لإحداث الفساد، وتحقيق الفتنة، وقد قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ)، فتنبهي -أختي- لهذا الأمر -وفقك الله-.

رابعًا: حدود العلاقة في العمل: كون هذا الشخص زميلكِ في العمل؛ فإن هذا يستدعي وضع حدود ينبغي أن تُراعى أثناء العمل، ومن أهم تلك الحدود أن يكون العمل للضرورة، وأن يراعى فيه عدم الخلوة، والكلام فقط للضرورة في أمور العمل، وعدم الاختلاط أو الحديث إلا لحاجة، فالإسلام وضع هذه الحدود حماية، وليس تقييدًا للحرية.

خامسًا: الغيبة واحتقار المسلم، "والغيبة هي ذكرك أخاك بما يكره": وكل هذا من الأمراض التي حذّر منها الشرع، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (لا تحاسَدُوا، ولا تناجَشُوا، ولا تباغَضُوا، ولا تدابَرُوا، ولا يبِعْ بعضُكمْ على بيعِ بعضٍ، وكُونُوا عبادَ اللهِ إخوانًا، المسلِمُ أخُو المسلِمِ، لا يَظلِمُهُ ولا يَخذُلُهُ، ولا يَحقِرُهُ، التَّقْوى ههُنا -وأشارَ إلى صدْرِهِ-، بِحسْبِ امْرِئٍ من الشَّرِّ أنْ يَحقِرَ أخاهُ المسلِمَ، كلُّ المسلِمِ على المسلِمِ حرامٌ، دمُهُ، ومالُهُ، وعِرضُهُ)، فما يحدث بينكما من كره وغيبة هو معصية يجب التوبة منها، والامتناع والكف عنها.

سادسًا: التهاون في الصغائر طريق للوقوع في الكبائر: المخالفات البسيطة قد ينظر إليها البعض كأمور لا تستحق الاهتمام، لذلك الشيطان يُزِّين للإنسان التهاون فيها، لكن هذه الصغائر حين تتراكم تُضعف القلب وتُهيئه للوقوع في الكبائر، لذا نهى الشرع عن الصغائر؛ لأنها الباب الذي يدخل منه الشيطان للغواية والوقوع في الكبائر.

أخيرًا -أختي الفاضلة-: عليكِ بالتوبة، والاستغفار عن هذه السلوكيات، فالنفس إن اعتادت عليها هانت عليها، ثم تقودها لما هو أكبر منها من الانحرافات، لا بد أيضًا من ضبط العلاقة بزملاء العمل وفق الضوابط الشرعية لحماية دينكِ وعرضكِ، وأن تحرصي على تنقية قلبكِ من الغيبة والكراهية والعداوات التي تجر أسباب الغيبة والشحناء.

ثم اعلمي -أختي الفاضلة- أن هذا السلوك بينك وبين زميلك لا يعد مؤشراً إيجابياً يدل على ميل كل واحد منكما للآخر، وبالتالي يمكن أن يكون بابًا للدخول في علاقة الزواج، فالإعجاب بالشكل قد يكون مسألة مشتركة وفطرية عند كل البشر، فلا بد أن تكون قيم الزواج أرقى من مجرد الإعجاب بالشكل، لتصبح التفكير في بناء عائلة، وأسرة ذات قيمة، ورسالة تحقق السكن والمودة والرحمة؛ لذلك جعل الإسلام قيم الزواج ترتكز على الدين والأخلاق، فهي القيم التي تضمن الاستقرار -بإذن الله-.

أختي الفاضلة: احرصي على تقوية علاقتكِ بالله تعالى، واجتهدي في بناء وقتكِ بما يفيد وينفع لترتقي بهمّتكِ وعقلكِ عن هذه الأمور السطحية، فالقلب حين ينشغل بعظائم الأمور يترفّع عن الصغائر والدنايا، وأكثري من الدعاء، والاستغفار، ونوافل العبادات؛ فهي طريق للاستقامة وتهذيب السلوك والأخلاق.

وفقكِ الله ويسّر لكِ الخير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً