الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الوسواس القهري نغص حياتي وأصابني بالكثير من الشك.. ساعدوني

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا شاب مصاب بالوسواس القهري منذ ثلاث سنوات، وأصبح يفتك بي فتكاً، ويجعلني أتمنى الموت، ويجعلني أشعر أني كفرت، والعياذ بالله.

مثلاً، في يوم كنت متعباً في التفكير في أمر ما، وجعلني أردد كلاماً كوصفي للجنة بوصف يقلل منها، كأنها كالحديقة، وكنت على إلحاح أن أقول هذا، وتملكني الوسواس بأني كفرت.

كذلك عندما أريد أن أنطق بالشهادتين لا أستطيع، إذ أشعر بأني أنطقها على سبيل المحاكاة، أو أني أخطئ في نطقها أو أني لا أقصدها، وأظل أنطق بالشهادة عشرات أو مئات المرات، حتى أشعر بأني دخلت في الإسلام من جديد، وإلاّ أفعل ذلك أشعر بشعور غير مريح، وغصة في صدري، وأشعر وقتها أنه لن تقبل لي عبادة بحكم أني و-العياذ بالله- قد أكون وقعت في الكفر!

أنا حقاً متعب، وأريد أن أكون عبداً صالحاً، ونقياً تقياً، علماً بأنني -ولله الحمد- محافظ على الصلاة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ مازن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

ظاهرة الوساوس الدينية شائعة جدًا، خاصة في مثل مرحلتك العمرية، وبصفة عامة نعتبرها -إن شاء الله تعالى- عابرة، ولن تكون مستمرة أو مطبقة؛ خاصة إذا قمت برفضها وتحقيرها وعدم تحليلها، وعدم الاكتراث بها، فالوساوس تزداد من خلال انغماس الإنسان فيها كنوع من الفضول، أو أنه يريد أن يخضعها للمنطق ليصل إلى حقائقها، أو يصل إلى حلول حولها، أو لإرضائها والتعايش معها، وكل هذا يؤدي إلى إطباق الوسواس.

أنا أقول لك: لا، الطريقة الصحيحة هي أن تحدد الفكرة الوسواسية، ويا حبذا لو قمت بكتابة كل هذه الأفكار الوسواسية، فابدأ بالفكرة الضعيفة، وانته بالفكرة الشديدة، وذلك وأنت داخل الغرفة، وفي حالة هدوء، وفي جلسة علاجية صحيحة، اختر الفكرة الأولى، وهي الأضعف، وطبق عليها تمرين التحقير، بأن تخاطب الفكرة قائلًا: أنت فكرة حقيرة، أنا لن أهتم بك، أنا أتجاهلك تماماً، وأنت تحت قدمي.

تنتقل للتطبيق الثاني على نفس هذه الفكرة: وهذا نسميه بصرف الانتباه، وصرف الانتباه يقصد به أن تأتي بفكرة بديلة للفكرة الوسواسية، مثلاً فكر في شيء أجمل، في شيء أفضل، وفي شيء أعمق، محبب إلى النفس أكثر من الوسواس، وهذا يؤدي إلى إزاحة الوسواس، وإذا تم تطبيق هذا التمرين بصورة صحيحة صار نافعاً.

انتقل إلى التمرين الثالث، وهو التنفير: وهو أن تربط نفس الفكرة الوسواسية هذه بشيء منفر، ومن أفضل التمارين التي ننصح الناس بها، هي أن تقوم مثلاً بشم رائحة كريهة، وفي نفس الوقت تربط فكرة الوسواس بهذه الرائحة الكريهة، وتكرر هذا التمرين 20 مرة؛ أو أن تدخل الألم على نفسك بأن تقوم بالضرب على يدك بقوة وشدة على سطح الطاولة الصلبة، اقبض يدك، واضرب بشدة على السطح الصلب، لتحس بالألم، ويجب أن تربط الضربة بالفكرة الوسواسية، بمعنى ربط الألم بالفكرة الوسواسية.

تكرار هذا التمرين 20 مرة، سيضعف الوسواس أيضًا، وذلك انطلاقاً من مبدأ أن الأشياء المتنافرة لا تلتقي في حيز وجداني واحد عند الإنسان، تمارين رائعة تمارين مفيدة، وإن طبقتها بصورة صحيحة ستستفيد منها كثيرًا.

طبعاً بعد تطبيق التمارين الثلاثة على الفكرة الأولى، تنتقل للفكرة الثانية والثالثة، إلى الفكرة الأخيرة، وهذا التمرين يطبق مرتين، ويا حبذا لو كانت مرة في الصباح، ومرة في المساء، وإذا لم تستطع فعلى الأقل طبقه مرة واحدة في اليوم، ويضاف إلى هذا التمرين علاج دوائي.

هنالك أدوية ممتازة جدًا، فمثلاً (عقار الفافرين) والذي يسمى (الفلوفكسمين) هو الأفضل لعلاج مثل هذه الوساوس، إن استطعت أن تذهب إلى طبيب نفسي، سيكتب لك هذا الدواء أو أي دواء آخر، فبعض أدوية الوساوس وهي -الحمد لله- كثيرة، حيث إن (البروزاك) من الأدوية الممتازة، وكذلك (اللسترال)، وكذلك (الزيروكسات) و(الأنفرانيل) و(السيبرالكس)، لدينا -الحمد لله- خيارات كثيرة من الأدوية.

لكن (الفافرين)، والذي يعرف باسم (الفلوفكسمين) ربما يكون مناسباً بالنسبة لك، والجرعة هي أن تبدأ 50 ملغ ليلًا لمدة عشرة أيام، بعد ذلك تجعلها 100 ملغ ليلًا لمدة أسبوعين، ثم تجعلها 200 ملغ ليلًا، وتستمر عليها كجرعة علاجية، وهذه قد تكون كافية جدًا في حالتك، علماً بأن الجرعة العلاجية الكاملة هي 300 ملغ يوميًا، وإذا طبقت التمارين السلوكية وتناولت 200 ملغ، أعتقد أنها ستكون وصفة كافية جدًا.

يجب أن تستمر على الجرعة العلاجية لمدة أربعة أشهر، ثم خفضها إلى 150 ملغ ليلًا لمدة شهر، ثم اجعلها 100 ملغ لمدة ثلاثة أشهر، ثم 50 ملغ ليلًا لمدة شهر، ثم 50 ملغ ليلًا يوماً بعد يوم، لمدة شهر آخر، ثم توقف عن تناول الدواء.

وبجانب الإرشاد السلوكي تناول الدواء، وأريدك أيضًا أن تحسن إدارة وقتك، وأن تتجنب السهر، وأن تجتهد في كل متطلبات الحياة، و-إن شاء الله تعالى- ستجد نفسك قد تخلصت من هذا الوسواس، وممارسة الرياضة، والتمارين الاسترخائية أيضًا من الأشياء المفيدة جدًا.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيراً، وبالله التوفيق والسداد.

____________________________________________
انتهت إجابة د. محمد عبد العليم...استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان.
وتليها إجابة د. أحمد المحمدي...مستشار تربوي.
____________________________________________

أهلاً بك في موقعك "إسلام ويب"، ونحن سعداء بتواصلك معنا، ونسأل الله الكريم أن يحفظك من كل مكروه، وأن يقدِّر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به.

بخصوصِ ما تفضلت بالسؤال عنه، فإننا نبشرك ابتداء بأن ما حصل معك هو صريح الإيمان، نعم أنت مؤمن بالله -أخي الكريم- والوسواس هذا بشارة خير لك، لا نذير شؤم، فأبشر واطمئن، ولا تجعل الشيطان يزين لك الخير شراً والحق باطلاً.

أخي الكريم: دعنا نؤكد على ما قاله سعادة الدكتور محمد من أن الوسواس ظاهرة شائعة، ونقول لك: ربما لم يخل أحد من الوقوع في شراكه، لكنا سنعطيك ضابطاً تستطيع من خلاله رد أي شبهة ترد عليك؛ حتى تعيش حياتك بهدوء وسكينة.

أخي: انظر إلى كل كلمة ترد على خاطرك، أو تلقى في أذنك، أو تمر على ذاكرتك، مهما كان قبحها أو فجرها أو خبثها لا يهم، المهم هل تجد لها قناعة داخلية ورضا؟

حين يأتيك الشيطان فيحقر من شأن الجنة، أو يتكلم عن الله -عز وجل-، أو عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بسوء، هل تجد رضاً وسعادة؟

الظاهر من حديثك: لا قناعة، ولا رضاً، بل يأتيك ألم وحزن وهم وغم، وهنا القاعدة تأتي لحسم الأمر: فإذا اختلف ما يرد في الخاطر عن سلوك المرء أو معتقده؛ فهذا وسواس شيطان فاستعذ بالله منه، ولا تلتفت له، ودعنا نضرب لك مثالاً حتى يتجلى الأمر أكثر:

لو قلت في داخلك: الله هو الواحد الأحد، ومحمد -صلى الله عليه وسلم- هو النبي الخاتم، والجنة حق والنار حق، هل تجد لهذا الكلام ضرراً أو أذى؟ هل تجد حرجاً أن تقول هذا الكلام في نفسك؟ بالطبع لا: لأن هذا هو حقيقة ما تعتقده، أما لو قال لك الشيطان أو قذف كلاماً غير صحيح، فكررته في نفسك؛ هل تجد موافقة على هذا الكلام في ظاهرك، هل تجد تلذذاً وقناعة به؟ إذا كنت تنكره فليس هذا قولك، وإذا كنت تتألم منه فاعلم أن هذا صريح الإيمان في قلبك، لأنك لو اعتقدت به لما تألمت.

أخي الكريم، إننا ننصحك بما يلي:

أولاً: اعلم أننا نحن من نضخم شأن الوسواس، وكذلك من نهونه، نضخمه حين لا نفهم طبيعته، ولا نعامله بالتفاهة التي يستحقها، وبأيدينا -بعد توفيق الله- دحره إذا علمنا طريقة التعامل معه.

ثانياً: بيئة الوسواس التي ينتشر فيها هي بيئة التفكير السلبي، وهو يعتمد على أمرين، لإهلاك الإنسان:
- إظهار ضعفه وخوفه وعجزه عن مقاومته.
- إضعاف ثقته بنفسه ودينه، وعالمه وكل محيط به، بل وبربه -عياذاً بالله-.

لذا: أول ما ينبغي عليك فعله تحويل كل أمر سلبي في حياتك إلى إيجابي، مع ربط الوسواس بالسخف، ولا يكتفي أن يكون ذلك اعتقاداً داخلياً، بل يلزم التلفظ به بلسانك.

هذا نوع من التغيير المعرفي المهم جدًّا، فحين يستخف الإنسان بشيء يحتقره، وحين يحتقره سيحدث ما يعرف بفك الارتباط الشرطي، أي أن الوسواس يُصبح وكأنه ليس جزءًا من حالة الإنسان.

ثالثاً: ننصحك بقراءة كتاب مبسط في العقيدة، مثل كتاب 200 سؤال وجواب حول العقيدة، كبداية لك، كما ننصحك بسماع بعض الشروحات هنا على موقعنا إسلام ويب.

رابعاً: ابتعد عن الاسترسال مع الوسواس، أو الرد عليه، بل تجاوز حتى مناقشته، تعامل معه باستخفاف زائد، وثق أن الله الذي خلقك هو من يعلم حالك، وهو من يرحمك، وهو من يعينك، فلا تقلق من المحاولات البائسة من الشيطان، لإفساد ما بينك وبين الله.

أنت على خير كبير، فانهض لصلاتك ونافلتك، وكتاب ربك وأذكارك، فهي الأمن والأمان من كل المخاوف.

نسأل الله أن يحفظك وأن يرعاك، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً