الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحس أني مجبر على العادة السرية..فهل للقرين دور في ذلك؟

السؤال

أنا لا أدعي الكمال، ولكن هناك شيء غريب يحصل. علمًا أنني محافظ على صلواتي، أحيانًا تكون في المسجد، وأحيانًا يتملكني الخوف من الصلاة في المسجد، ليس خوف النفاق كما ذكر عن المنافقين، بل إنني أرغب، ولكن لا أستطيع، فأصليها في البيت.

هناك شيء آخر أود أن أقوله، وهو محرج، ولكن اعذروني؛ فأنا لا أعلم كيف وصلت له، أحيانًا كثيرة أمارس فيها العادة السرية، ولكن أقسم بالله العظيم ليس للتسلية، بل أحس أنني مجبر على ذلك، في مرات كثيرة أستيقظ من النوم وأمارسها، ثم أعود للنوم مباشرة، وكأنني لا أحيط بنفسي، وبنفس الوقت أحس أنني مدرك.

هنا لا أقصد أنني مدمن عليها، ولكن غصبًا عني، حتى عندما أريد أن أنام لا أستطيع، وكأن هناك شيئًا يمنعني حتى أفعلها، ومن غير شهوة في البداية، ولا أي شيء، تطور الوضع إلى أنني أصبحت أشاهد الإباحية، وقد تصل ليوم كامل.

في البداية، كنت كلما أفعل هذه المعصية، بعد الخلاص منها أحزن مباشرة، وأذهب وأستحم وأصلي ركعتين، أرجو فيها الله أن يسامحني، ولكن في الفترة الأخيرة أنام وأنا على جنابة.

بعيدًا عن هذا الموضوع الأخير، توجد مرات كثيرة لا أفعلها، بل بالعكس أكون صليت الوتر ونائماً على طهارة، في بعض الأحيان أكون مرهقًا، وأنام بما لا يتجاوز الدقيقة، ولكن سرعان ما أستيقظ، ولا أستطيع العودة للنوم.

هناك أشياء كثيرة لم أذكرها واختصرتها؛ لعلي أجد حلاً عندكم لمعاناتي.

سؤالي: إلى أي حد يمكن لقريني أن يضرني؟ وهل بمقدور أي شخص آخر أن يتحكم بقريني ومعرفة ما يدور برأسي من أفكار والتحكم بها عن طريق القرين؟ وهل التحصين يمنع الأذى والتخيل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك -أخي الكريم- في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يختار لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به، وأن يعفو عنك، وأن يصرف عنك شر كل ذي شر.

أخي الكريم: إننا نحمد الله إليك تدينك، ونحمد الله إليك صدق توجهك وعاطفتك وخوفك من عقاب الله وعذابه، وهذا دليل خير فيك، نسأل الله أن تكون أفضل مما نظن.

أخي: حديثك ينقسم إلى شقين:
1- الوهم بالعجز عن الصلاة في المسجد.
2- الحديث عن القرين.

أما الحديث عن الصلاة في البيت؛ فاعلم بارك الله فيك أن الأصل في الصلاة إنما تكون في المسجد، بل قد ذهب بعض أهل العلم إلى وجوب الجماعة في المسجد إلا لعذر، مستدلين بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر)، وإنما العجز أخي الكريم ليس بهذا السبب، وإنما هو الوهم لا أكثر، لذلك هو مرتبط بالإجابة عن السؤال التالي، فانتبه يرعاك الله.

أخي الفاضل: ما يحدث معك لا ينبغي أن تضخمه فوق حجمه، كما لا ينبغي تجاهله، ونحن هنا نحب أن نضع بعض القواعد أخي الكريم.

أولاً: القرين ضعيف، ولا يستقوي إلا على من هو أضعف منه، قال الله: (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)، فهو لا يستطيع أن يتحكم فيك، ولا في أفعالك، بل غاية ما يقدر عليه هو الوسوسة لك، هو التسلط بالتحريض أو الإغراء بالمعصية، وقد قال ذلك الشيطان نفسه: (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي).

ثانيًا: من وسوسة الشيطان ما يعظم في قلبك حتى يتمركز في عقلك الباطن فتراه في منامك أو يقظتك، وقد حدث هذا معك، وقد أوهمك أنك مجبر على ذلك، وقد صدقت أنت ذلك في محاولة لإرضاء الضمير المعذب بالمعصية، والحق أخي أنك مالكٌ لقرارك، مريد له بأسباب، منها: وسوسته، ووجود الفراغ، وكثرة التفكير، وقيام داعي الشهوة، وربما لأسباب أخرى.

ثالثًا: بداية التغيير يبدأ منك أنت، وأولها الاقتناع أنك قادر، وأنك مالكٌ لأمرك، ونحن الآن سنضع لك عدة نصائح نرجو أن تسير عليها فترة، ثم تراسلنا لتخبرنا بما آل إليه أمرك:

1- تعظيم الجرم في نفسك، وعدم الاستهانة به، مع التأكيد أن باب التوبة مفتوح، وأنه الله القائل: (‏‏قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ). وهو القائل: (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا).

2- التأكيد في نفسك على أن الشهوة لا تموت بالعادة السرية، بل تزيد اشتعالاً كلما مارستها، وأن أفضل الحلول لها هو مواجهتها لا مصاحبتها.

3- الاستمرار على الطاعة، والذهاب للمسجد، وزيادة التحصن بالأذكار، وصلاة الليل، وكثرة التذلل لله عز وجل.

4- اجتهد في الإكثار من الصيام، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة، فليتزوج فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء".

3- ابتعد عن الفراغ عن طريق شغل كل أوقاتك بالعلم، أو المذاكرة، أو التطوع في أعمال خدمية للمسلمن.

4- ابتعد عن كل المثيرات التي تثيرك، واعلم أن المثيرات سواء البصرية عن طريق الأفلام، أو الكلامية، أو أي من تلك لا تطفئ الشهوة، بل تزيدها سعارًا.

5- الصحبة الآمنة، ننصحك باختيار الأصدقاء بعناية تامة؛ فإن المرء قوي بإخوانه ضعيف بنفسه، والذئب يأكل من الغنم القاصية، اجتهد في التعرف على إخوة صالحين وتعاهد معهم على الطاعة.

6- اجتهد في ممارسة الرياضة خاصة التي تحبها، ونرجو أن تداوم عليها.

7- احرص على الزواج، واجتهد في السعي لذلك، واعلم أنك معان ما كانت نيتك خالصة لله تعالى، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (ثلاثةٌ حقٌّ على اللهِ عزَّ وجلَّ عونُهم....والنَّاكحُ الذي يريدُ العفافَ...).

8- الرقية الشرعية، وهي موجودة على موقعنا، كما نحب أن تسمع كل ليلة إلى سورة البقرة أو تقرأها أنت، ولا تنم إلا على وضوء، ولا تنم إلا وأنت مرهق، ولا تنم إلا وقد قلت أذكار النوم، ويستحب تغيير مكان سريرك أو غرفتك إن أمكن.

كثرة الدعاء أن يصرف الله عنك الشر، وأن يقوي إيمانك، وأن يحفظك، ويحفظ أهلك من كل مكروه، والله المستعان.

افعل هذه الأمور -أخي-، مع الاستعانة بالله مع اليقين؛ وستجد تغييرًا إن شاء الله تعالى.

نسأل الله أن يغفر لك، وأن يسترك في الدنيا والآخرة، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً