الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

والداي لا يوفران لي أجواء الدراسة مما يجعلني في توتر وعصبية!

السؤال

السلام عليكم

أنا طالب متفوق، لكنني مع ذلك سيئ الحظ وقليل التوفيق؛ لأن لدي عائلة سيئة، فكلما أريد المذاكرة أو الدراسة وأطلب منهم إيقاف الفوضى والضجيج وإغلاق الأبواب لا يردون، وأنا عصبي أصلاً، فلا أستطيع الرضا عن ضياع تعبي، ولذلك أضرب أخواتي الثلاث الصغار؛ لأنهن يزعجنني ويشوشن على تركيزي، فيتدخل الأبوان دفاعاً عنهم، ويهددونني بالقتل والطرد من المنزل وغيرها إن كررت ذلك.

علماً بأنهم لا يساعدونني حتى في الدراسة، ولا في الملابس والطعام، ويجبرونني على قول الكلام الفاحش لهما، وأضطر لزيادة التعب والسهر وقلة النوم، حتى إني منذ العام الماضي مهما نمت أبقى متعباً، ويبقى رأسي منتفخاً، ثم يقولون بعد كل هذا إنهم غير راضين عني، وأن الدراسة لن تدخلني الجنة.

منذ ولادتي لم يقدم لي والداي شيئاً يذكر، حتى لو فعلوا شيئاً يذكرونني به، ويتنمرون علي دائماً، وقد طردوني من المنزل قبل شهر، وبقيت في الشارع يوماً كاملاً، لكنهم صاروا يتصلون بي وعدت إجباراً لأنني لا أملك مكاناً أذهب إليه، لكنهم فعلوا ذلك فقط كي لا يفضحوا، لقد كرهتهم! ودائماً أتمنى موتهم بأبشع طريقة لما عانيته منهم في حياتي! لكنني أنسى دائماً وأحاول العودة إليهم، لكنهم لا يتوقفون عن أفعالهم.

هل أنا مخطئ في طلب الهدوء للدراسة وطلب العلم؟ ماذا يجب أن أفعل كي أتخلص من هذه المعاناة؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك في إسلام ويب، واسمح لنا أن نكلمك بصراحة، لأننا يعلم الله لا نريد إلا الخير لك، فنحن لا نعرفك ولا نعرف والديك، وحديثنا هذا حديث من نقلق عليه ونخاف.

أخي: قد علمنا أنك من تطعم نفسك وتشتري لباس نفسك وتعين نفسك مادياً، ونسألك وأنت ابن السابعة عشرة من عمرك، منذ متى وأنت تعول نفسك؟ منذ عشرة أعوام؟ فأين ما كان قبل ذلك، من الذي كان ينفق عليك ويرعاك؟

تسأل أخي: هل أنا مخطئ في طلب الهدوء للدراسة وطلب العلم؟ ونقول لك: لست مخطئاً في الهدف ولكنك أخطأت في الوسيلة والسبب والغاية، والمنطق واللفظ والطريقة، والأسلوب والظن السيئ!

تسأل: ماذا يجب أن أفعل كي أتخلص من هذه المعاناة؟
نحن نقول لك: يجب عليك أن تتقي الله ولا تتعرض لعقابه، يجب عليك أن تعرف حق والديك ولا تتجاوز، يجب عليك أن تعلم أنك لو صرت أعلم أهل الأرض بلا خلق فما أنجزت شيئاً، ولا أدركت غاية، يجب عليك أن تكون إنساناً -يا أخي-، أن تعرف الفضل لأهله قبل أن تتحدث.

أبواك اللذان تتهمهما اليوم بأنهما لم يقدما لك شيئاً، وترجو موتهما وبأبشع طريقة، هل بعد هذا ترجو فلاحاً وتوفيقاً؟!

من كان يساعدك وأنت في بطن أمك جنيناً تتلوى، ويسعى لأجلك غيرهما؟ من كان يساعدك وأنت طفل لا تملك حراكاً، ولا تقوى على سير غيرهما؟ وبعد أن كبرت وصرت رجلاً اليوم تنكر فضلهما، وتتمنى موتهما!

تبيح لنفسك ضرب إخوتك الذين لم تتعب يوماً في تربيتهم، ولا في تنميتهم، وتتطاول على أبويك لدفاعهما عنهم، وتواجههما بالكلام السيئ، ومع هذا تريد الفلاح في الدنيا؟

تسيء الظن فيهما، حتى عندما طردوك وأرسلوا إليك ظننت أنهما إنما فعلا ذلك خشية الفضيحة، فهلا شققت عن قلوبهم!

يا أخي: كلامنا قاس عليك، لكن الأقسى والله كلامك علينا، لم نكن نتصور أن يقول مسلم هذا الكلام على أبويه، وهو لا يزال يعيش في بيتهم، ثم يتهمهم بهذه الاتهامات القاسية.

أخي: اعلم -بارك الله فيك وهداك- أنه ليس واجباً على الوالدين النفقة عليك بعد أن بلغت وصرت رجلاً، بل الواجب عليك أنت النفقة عليهم والإحسان إليهم.

اعلم -بارك الله فيك- أن برك لهما وإحسانك إليهما واجب عليك وإن أساؤوا، واجب عليك وإن أهملوك، واجب عليك وإن دفعوك إلى الكفر -عياذاً بالله-، قال الله تعالى: (وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً)، فانظر -أصلحك الله- إلى قول الله تعالى: (وصاحبهما)، هذا مع كفرهم يطلب منك البر بهم ومصاحبتهم.

أخي: إن ما فعلته عقوق، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الكَبَائِرِ؟ ثَلَاثًا، قالوا: بَلَى يا رَسُولَ اللَّهِ، قالَ: الإشْرَاكُ باللَّهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ...).

إن ما فعلته عقوق والعاق محروم من دخول الجنّة، ولذة النظر إلى وجه الله سبحانه، قال صلى الله عليه وسلم: (ثلاثةٌ لا ينظرُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ إليهم يومَ القيامةِ؛ العاقُّ لوالِدَيهِ...).

إن ما فعلته عقوق، ولو رفعا أيديهما إلى الله بصدق ودعوا عليك لهلكت، قال صلى الله عليه وسلم: (ثلاث دعواتٍ مستجاباتٌ: ....ودعوةُ الوَالِد على وَلدهِ).

إن ما فعلته عقوق -يا أخي- والعاق يعجل له العذاب في الدنيا، يقول صلى الله عليه وسلم: (اثْنَتَانِ يُعَجِّلُهُمَا اللهُ فِي الدُّنْيَا: الْبَغْيُ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ)، أي يعجل العقوبة.

أخي الكريم: إننا نريدك الآن أن تذهب إلى أبويك وأن تعتذر منهما، وأن تصلح نفسك معهما، وأن تعلم أنهما خير عطاء لك في الدنيا، وخير جسر لك تعبر به إلى الجنة، واعلم أن البر إرث قد تجده في أولادك، كما أن العقوق إرث قد تجده في أولادك، فاتق الله -يا أخي- واحذر عاقبة ذلك، وقد نصحناك نصيحة الصادق فخذها أو دعها، والأيام -يا أخي- ستفسر لك عن كلامنا.

نسأل الله أن يحفظك وأن يصلحك وأن يهديك، والله المستعان.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً