السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
أنا شاب، لا أجد أي ميول تجاه والدي من مشاعر الحب والحنان والاشتياق، بالرغم من أنه لم يؤذني إيذاءً مباشرًا، ولا أتذكر أنه ضربني إلَّا مرتين طوال حياتي، وأحسن لي من حيث الضروريات، ولكن لا أجد منه أي مظهر من مظاهر العاطفة للأبناء، وكنت لا أجده حين أحتاج إليه في مواقف حياتي اليومية، وأخاف من ردة فعله غير المنطقية لكثير من الأمور التافهة التي يهول منها، فكنت أخفي عليه ولا أصارحه في كثير من الأمور، إذا مررت بموقف صعب لا أجده بجانبي، ولا أتذكر أنه قبلني في حياتي من صغري وحتى كبري! ولم يتابع دراستي في المدرسة، ولم يسأل يومًا عن معدلي الدراسي، سواء المدرسي أو الجامعي، ولم يشجعني يومًا ما، وهكذا أمور يطول ذكرها كنت أراها من آباء آخرين لأبنائهم.
هكذا رويدًا رويدًا حتى أصبح هنالك نفور عاطفي بيني وبينه، أنا لا أشتاق له، ولا أشعر أنه الشخص الذي أريد الجلوس إليه، أو إمضاء الوقت معه. يقدم ويفضل مشاهدة التلفاز على أن يجلس مع أبنائه، ونادر الاطلاع على حاجياتنا وتفاصيل حياتنا!
حينما كنت في الغربة كان يطلب من والدتي محادثتي والاستفسار عن أموري، ولم يكن يتواصل معي بشكل مباشر إلَّا ما ندر، لهذا -وبسبب الكثير من الأمور المشابهة- لا أستطيع التعامل معه بأريحية، وكل تعاملي معه مدروس، وأي شيء أريد إخباره به أعمل له ألف حساب، وأتعامل معه من حيث المشاعر كجار، أو شخص يسكن بقربنا ونُحسن إليه.
في إحدى المرات سافرت الأسرة واضطررت للبقاء معه في المنزل وحدنا، وعلى مائدة الإفطار في رمضان كنت لا أتحدث معه، ولا يتحدث معي كأننا شخصان غريبان لا نعرف بعضنا! بينما تمضي بي الأيام، وبدأت أعمل، سبَّبَ لي بعض الأمور التي آذتني -وإن لم تكن بشكل مقصود منه-، ولكن كنت أنا المتضرر الوحيد، ولا أستطيع نسيانها، وعكر صفو حياتي لمدة طويلة من الزمن، وبقيت مدة أعاني بسبب فعله، سواء نفسيًا أو ماليًا.
تدور الأيام لأكبر وأصبح على مشارف الزواج، ولا أجد منه كلمة، أو تعاملًا يدل على نضجي، أو الاعتماد علي، لتبقى الفجوة على ما هي عليه.
لأكون صادقًا وواضحًا أكثر: أنا لا أحب والدي (من حيث مشاعر الحب فقط)، ولا أجد تلك الرغبة في التضحية من أجله، ولا بذل حياتي إرضاءً له، ولكن لا تفهموا الأمر على أني أسيء إليه، أو أني عاق له، أو أكنُّ له البغض، أو أتمنى إيذاءه، بالعكس فأنا أطيعه وأسمع كلامه، وبالكاد أعصي له أمرًا إن لم يكن في معصية الله، ويراني الناس أني بار به، وأدرك عظم رضاه لرضى الله عز وجل، ولكن هذه المشاعر والميل القلبي لا أجدها في قلبي تجاهه.
الخلاصة: أنا لا أجد الرغبة في التواصل مع والدي إلَّا في أضيق الأمور، وذلك خوفًا من العقوق، فهل هذا طبيعي؟ أنا أشعر أن هذا أمر مكتسب، فهو من فعل ذلك منذ بداية حياتي!
هذا فقط نحو أبي، أمَّا والدتي فعلى العكس تمامًا، فقد ضحت من أجلنا، وتعاملنا أفضل معاملة، وأنا بار بها حتى النخاع، وأطلب رضاها سرًّا وجهرًا، ولا أعصي لها أمرًا، ولا أرد لها كلمة، فما تفسيركم لحالتي؟
ولكم جزيل الشكر.