منذ أعلن رئيس الوزراء البريطاني رغبته في استضافة مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط أعلن الإسرائيليون بكل وضوح أنهم غير معنيين بهذا المؤتمر، وأنهم لن يحضروه، وعلى الجانب الآخر رحب القادة الفلسطينيون وأعلنوا استعدادهم للذهاب إلى لندن وحضور ذلك المؤتمر، وكأن القضية بحاجة إلى مزيد من المؤتمرات والمبادرات. وهنا تثور العديد من التساؤلات؛ ومن أهمها:
أولاً: إذا كان الطرف الآخر – إن صح التعبير – قد أعلن رفضه الحضور، فما فائدة حضور الطرف الأول؟
ثانيًا: هل المطلوب من هذا المؤتمر أن يخرج بتعليمات محددة ينبغي على السلطة الفلسطينية اتباعها وتنفيذها؟
ثالثًا: على فرض أن السلطة قامت بكل ما يُملي عليها من شروط وتعليمات وأوامر، هل هناك من يضمن تنفيذ دولة الاحتلال لالتزاماتها الواجبة عليها؟
قلب الحقائق:
لقد عقدت بعض محطات التلفاز لقاءات مع رئيس الوزراء البريطاني وتكرر السؤال التالي: يبدو أن كل الطلبات موجهة إلى الفلسطينيين وليس ثمة ما يطلب من الإسرائيليين؟ فكان الجواب:
"هذا غير صحيح، فنحن نطلب من الفلسطينيين أولاً أن يثبتوا أنهم يبذلون كل ما في وسعهم من أجل القضاء على الإرهاب، وإذا ما تحقق لنا أنهم فعلوا ما طلبناه فعندها سنطلب من الإسرائيليين...".
وكأن الفلسطينيين هم من احتلوا دولة إسرائيل، وكأنهم هم من يطلق النار على الطرف الآخر فيقتلون رجاله ونساءه وأطفاله بدم بارد، وكأنهم من يبني جدار الفصل العنصري، وكأنهم، وكأنهم.. إنه قلب للحقائق وإلباسٌ للجاني ثوب الضحية.
عفوًا سيد بلير!!
إن الانتفاضة الثانية لم تبدأ إلا حينما دنس شارون ساحات الأقصى بزيارته المشهورة على الرغم من نصائح أركان دولته بتجنب هذه الزيارة في ذلك الوقت. كما أن الانتفاضة لم تبدأ مسلحة، وإنما حمل أبناؤها السلاح ردًّا على استخدام جيش الاحتلال السلاح في مواجهة الصدور العارية فقتل متظاهرين لم يحملوا سلاحًا.
كما أننا نذكرك بأن مقاومة المحتل حق مشروع، فرضه علينا ديننا، ثم إن قوانينكم تبيح هذه المقاومة، وارجع إلى مواثيق أممكم المتحدة.
كما أننا لم نسمع منكم كلمة إدانة صريحة واضحة للمجازر التي ترتكبها دولة الاحتلال ، وآخرها كان بحضرتكم، فحين كنتم تزورون المنطقة كانت دولة الاحتلال ترتكب واحدة من مجازرها في خان يونس.
السلطة الفلسطينية:
إن مواقف رئيس الوزراء البريطاني وإن كانت تثير تساؤلات في نفوسنا، لكنها لا تثير العجب لأسباب معروفة، لكن ما يثير العجب حقًّا هو موقف السلطة الوطنية التي روَّجت لقلب الحقائق حين وافقت على الحضور رغم الشرط المعلن بضرورة القضاء على المقاومة المشروعة – التي يسميها الآخرون إرهابًا – ورغم تصريحات شارون الواضحة جدًّا في هذا الشأن، وكأننا نقول للعالم: لقد أخطأنا حين اخترنا طريق ا لمقاومة، وقد جئنا لنتعلم كيفية القضاء على هذه الفئات الضالة التي تأبى الضيم وترفض أن تستباح حرماتها ودماؤها دون رد فعل يؤلم المحتل ويوجعه.
حاجتهم إلى الأمن:
إن الدعوة إلى وقف عسكرة الانتفاضة تنطلق أساسًا من منظور حاجة الفلسطينيين إلى الأمن، وأنه لن يتحقق إلا بوقف العمليات المسلحة ضد الإسرائيليين حتى تتوقف دولة الاحتلال عن ضرب الفلسطينيين. وهذه الدعوة برغم مجافاتها للواقع والحقائق؛ إذ إن إسرائيل لا تحتاج إلى أكثر من الاحتجاج ولو بالمسيرات السلمية حتى تقوم بتجريد أسلحتها والضرب بها – وارجعوا إلى بداية الانتفاضة لتتأكدوا – لكنها – أي هذه الدعوة – تتجاهل حقيقة أخرى مهمة وهي حاجة الآخرين إلى الأمن.
إن الانتفاضة بوضعها الحالي وبرغم الخسائر العظيمة التي تكبدها الفلسطينيون قد أفقدت الطرف الآخر شعوره بالأمن، وقضت على أحلامه بالجنة الموعودة في أرض فلسطين، فزادت معدلات الانتحار والتهرب من الخدمة، كما زادت معدلات الهجرة العكسية. وانخفضت بشكل كبير معدلات الهجرة إلى فلسطين.. إلى غير ذلك من الفوائد الكبيرة التي تحققت.
إن من يظن أنه يستطيع إخراج الاحتلال من أرضه بغير تضحيات فإنه واهم، إلا إن كان يفهم التضحية على أنها التنازل عن مزيد من الأرض و الحقوق دون التضحية بالنفس والمال.
يا قومنا: " لا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين". (آل عمران: 139).