على صفحة كاملة من أحد أعدادها نشرت صحيفة هاآرتس الإسرائيلية مؤخرًا أن أجهزة المخابرات الأوروبية والأمريكية والموساد الإسرائيلى قدموا تقارير مطولة إلى وكالة المخابرات الأمريكية يحذرون من ارتفاع معدل انتشار الإسلام فى الغرب، رغم كل الأزمات التى تحيط بالمسلمين، وأن العامين الماضيين شهدا اعتناق أكثر من خمسين ألف شخص أوروبى للإسلام أغلبهم من النساء.
وأن الإسلام أصبح ينتشر بطريقة مخيفة، وأن المسلمين الجدد يعملون على تأدية جميع شعائر وطقوس الإسلام بمنتهى الدقة، ويصبحون أكثر تدينًا من المسلمين بالوراثة، وأن العالم كله يجب أن يحترس من هذه الظاهرة المخيفة والرهيبة فى آن واحد، خاصة فى ظل إقبال المرأة الأوروبية والأمريكية على الدخول فى الإسلام، وما يمثله هذا من خطر جسيم باعتبار أن المرأة تدخل الإسلام، ومن خلفها أسرة بأكملها، لا يقل متوسط عدد أفرادها عن خمسة أفراد.
وأن المرأة التى تعتنق الإسلام حديثًا تؤكد لكل من حولها أنها اعتنقت الإسلام؛ لأنه الدين الوحيد الذى يمنح المرأة حقها كاملاً غير منقوص، وفى ذات الوقت يمنحها قدسية خاصة، ويسبغ عليها الحماية، ومع إيمان تلك المرأة بهذه الأفكار تستطيع بسهولة أن تجذب صديقاتها، وهكذا تدور الدائرة بشكلها المخيف.
وإذا كان هذا هو محور اهتمام أجهزة المخابرات الغربية والإسرائيلية، وكذلك وسائل الإعلام الإسرائيلية، وإذا كان معدل انتشار الإسلام فى الغرب بكل ما يثيره أعداؤه حوله، وحسب ما شهد به هؤلاء، هو فى الارتفاع، وإذا كانت المرأة الغربية هى الأكثر إقبالاً على الدخول فى الإسلام، رغم اتهام الغرب للإسلام بقهر المرأة، وإيقاع الظلم عليها.
إذا كان هذا هو حال أعدائنا من رصد لمعدل أسباب انتشار الإسلام، فالسؤال الذى يطرح نفسه وبقوة هنا هو: هل أحسنا استخدام مثل هذه الحقائق التى أوردتها هذه الإحصائيات فى نشر الدعوة الإسلامية بين الأوساط النسائية الغربية ؟ وهل ركزنا فى خطابنا الدينى الموجه إلى الغرب على كل هذه المعانى السامية التى يحفظها الإسلام للمرأة ؟ وإلى أى مدى نستطيع الاستفادة من هذه الحقائق فى خدمة قضايانا الإسلامية المعاصرة ؟ وهل درسنا كيف استطاعت المبادئ الإسلامية العبور إلى المرأة الغربية رغم الجسور والموانع التى يصنعها الغرب ؟
فى السطور التالية بعض الإجابة:
يؤكد فضيلة الدكتور على جمعة - مفتى مصر - أن حال المرأة الغربية المذرى الآن هو دافعها للبحث عن الإسلام واعتناقه، وقد جذبها كثيرًا فى الإسلام أن الله (سبحانه وتعالى) جعل الرجل والمرأة فى موضع المساواة عندما خاطبهما بالإنسان، وأنه ليس هناك ندية أو عرقية بين الرجل والمرأة، وإنما هناك مراكز مختلفة وخصائص مختلفة، وكلاهما يكمل بعضهما البعض، كما يكمل الليل النهار فى اليوم، وكما يكمل الصيف الشتاء فى السنة، فمكانة المرأة فى الإسلام متميزة، وتلبى احتياجات فطرتها، وتتوافق مع خصائصها العضوية والنفسية، وهذا مما يجذب الغربيات إلى الإسلام.
ويؤكد المفكر الإسلامى الدكتور محمد عمارة أن إقبال المرأة الأوروبية على الإسلام، رغم كل ما يشاع عنه ليس أمرًا غريبًا، فالمرأة التى تتعرف على الإسلام تجد أنه الدين الذى يساوى بينها وبين الرجل فى الحقوق والواجبات، ويجعل من هذه المساواة جسرًا يصل المجتمع من خلاله إلى الفطرة السليمة التى جعلها الخالق ميثاقًا بين الجنسين، بسببه تترك المرأة أهلها وذويها لتضع نفسها فى أحضان إنسان جديد وغريب، وهو ما لم تعطه لأحد من الأهل الذين نشأت وترعرعت فى أحضانهم، فالمساواة عودة إلى الأصل الفطرى يرتقى بها الإنسان فوق الثمار المرة التى صنعها استبداد الأقوياء بالضعفاء عبر مسيرة تطور الإنسان.
ويتابع د. محمد عمارة أن الإسلام عندما يفضل الرجل على المرأة بدرجة، فهذه الدرجة تعنى القيادة التى لابد منها لأى مجتمع صغيرًا كان أم كبيرًا، أم قرية كان ، أم مدينة، أم أمة، والإسلام هنا يوجب على المرأة شيئًا، وعلى الرجل أشياء بحكم مسئولية الرجل فى الرئاسة، والقيام على المصالح باعتبار أن الحياة الزوجية حياة اجتماعية، ولابد لكل مجتمع من رئيس.
ويرى الدكتور عبد الصبور مرزوق - الأمين العام للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية - أن علاقة الرجل بالمرأة فى المجتمعات الغربية المعاصرة أكبر دليل على امتهان المرأة هناك، فهى ما زالت سلعة رخيصة فى كل شأن من شئون الحياة، بل أضحى لامتهان المرأة هناك نظم وقوانين تشرع للزوج والزوجة فى ممارسة الفاحشة والرذيلة دون حساب، والمرأة الغربية ما زالت كالشاة قد أحسنوا علفها لينتفعوا بها، وتفننوا فى سلخها من حياتها، وعفتها لتكون مطية لشهواتهم، ورغباتهم، وبدعوى المساواة جعلوا المرأة تقوم بعمل الرجل، ولم يجعلوا الرجل يقوم بما تقوم المرأة به.
وها هو الأمريكى هنرى ماكور ينتقد حال المرأة الأمريكية، ويؤكد فى مقال له أن تحرير المرأة خدعة من خدع النظام العالمى الجديد، خدعة قاسية أغوت النساء الأمريكيات، وضربت الحضارة الغربية.
والفتاة الغربية بفضل ما يدعونه تحرير المرأة تعيش حياة ماجنة، فالعشرات من الذكور يعرفونها قبل زوجها، فتفقد براءتها التى هى جزء من جاذبيتها، وتصبح جامدة وماكرة، وغير قادرة على الحب، بل تصل إلى أن تكون عدوانية مضطربة لا تصلح أن تكون زوجة، أو أمًا، رغم أن من يشنون حملات تشويه صورة المرأة فى الإسلام أغلبهم مستشرقون يهود، فقد نسوا أن توراتهم التى زوروها هى التى تسيء للمرأة ، وهل هناك امتهان للمرأة أكثر من دعواهم، أن المرأة اليهودية ممنوعة من قراءة التوراة.
وحول دلالات هذه الإحصائيات، وأهمية أن نحرص نحن على إجرائها، وليس أعداؤنا للوقوف على أسباب انتشار الإسلام فى الغرب، ومحاولة تنمية هذه الأسباب، وضرورة استثمار المشتغلين بشئون الدعوة الإسلامية للمناخ الذى تعيشه المرأة الغربية الآن، واختيار الوسائل الأكثر فاعلية لتوصيل رسالة الإسلام الصحيحة لها ترى الدكتور آمنة نصير - الأستاذ بجامعة الأزهر - أن الوضع الغربى الآن يحتم علينا تفعيل دور المرأة الداعية باعتبارها الأكثر نفوذًا إلى نساء المؤسسات الإسلامية التى تُخرِّج الدعاة والتركيز على الدور الغائب للمرأة الداعية، كذلك يجب القضاء على أسباب إعاقة المرأة عن أداء دورها الدعوى بكفاءة، وانطلاق، وانفتاح، وبخاصة المرأة الداعية فى الغرب، وإتاحة الفرصة للفتيات المسلمات فى الغرب للتعليم، والتساؤل، واكتساب روح المواجهة، وحسن التصرف، كذلك علينا البحث فى واقع المرأة الغربية عن إيجابيات توافق رؤى الإسلام، والانطلاق منها لتوضيح موقف الإسلام الأخلاقى من باقى القضايا، ومن هذه الإيجابيات وجود اتجاه فى الغرب عمومًا ينادى بالعفة، والطهارة، والقيم، والعادات، والتقاليد الإنسانية، فقد ظهرت مدارس أمريكية غير مسلمة تدعو إلى عدم الاختلاط، كذلك هناك جماعات فى مؤسسات التعليم الأمريكية شعارها العودة للعفة، والحفاظ على العذرية.