انتشرت في وقتنا الحاضر ظاهرة الاستعانة بالمربيات والخادمات في بيوتات كثيرة في أرجاء الوطن العربي ، وتم الاستعانة بهن كخادمات في البيوت، أو في رعاية الأبناء الصغار، فأصبح البعض منهن حاضنات أو بدائل للأمهات، رغم أن البعض منهن قد لا يتكلمن العربية، ويتبعن في بعض الأحيان شرائع غير إسلامية، وفي هذا ما تكون أخطاره وبيلة على أبنائنا الصغار في مستقبل أيامهم.
المشاهد في وقتنا الحاضر، أن المربيات والخادمات قمن بغزو البيوت برغبة من أهلها، وليعذرني الآباء والآمهات في استخدام لفظة (غزو)، فليس القصد هنا، أنهن دخلن البيوت للقتال وانتهاب ما في الديار، بل إنني اقصد بالغزو هنا، أنهن يسلبن الأبناء-أحيانا- من آبائهم، ويقمن بالسيطرة عليهم ، لطول الوقت الذي يمضيه الأبناء مع المربيات ، ومن ثم فكأن المربيات أصبحن أمهات في الواقع للأبناء الصغار.
وقبل أن أوضح آثار ترك رعاية الصغار وتنشئتهم الاجتماعية من خلال توجيه وإشراف المربيات، أود أن أشير إلى أن بعض الآباء والأمهات يستقدمون خادمات يعملن بالإضافة إلى أعمالهن المنزلية الشاقة، على العناية بالأطفال وتنشئتهم في فترة غياب الأمهات عن المنزل، وبعض الخادمات لسن مؤهلات للتربية، ومن ثم فهن في حاجة إلى التوجيه والإرشاد. وقد تكون الخادمة مربية، وقد تحتاج إلى محو الأمية. والمربية هي التي تدربت أو تحمل شهادة تربوية، ومن ثم يمكن الاعتماد عليها في تنشئة متوافقة لحد ما للصغار.
والمربية إن كانت ذات كفاءة عالية، فلن ترقى إلى مرتبة الأم ،فالولد الصغير بالنسبة للأم هو فلذة كبدها.
فالأم وعاء عند الحمل.. تقاسي الكثير عند الحمل، وهي سقاء عند الإرضاع، تسهر لراحة صغيرها عندما ترضعه لبن ثديها، وتضفي عليه من حنانها وهو بين ذراعيها، فيه مصدر غذاء الجسد الصغير، ومصدر الانتماء والحمايةو الرعاية له حتى يكبر، وحتى عندما يتركها لبيت الزوجية الخاصة به، فهي الدعاء الدائم له طوال عمره، وقد تكون الأم متواجدة بين صغارها بجسدها، ولكنها قد تكون غائبة بتوجيهها وإرشادها وتنميتها لصغارها عندما توكل أمر تربية صغارها للخادمة أو المربية. والأمر جد خطير، فالعواطف والعادات والحنان- غير الطبيعي- قد يجعل الطفل يقترب وينتمي إلى الخادمة أو المربية أكثر من انتمائه وتعاطفه مع الأم.
وقد يقف بجانب الخادمة أو المربية عندما يشعر بالإعراض التام من الأم عن رعاية الصغار أو عن رعايته، حيث قد تترك الزوجة رعاية مصالح الزوج وحاجاته إلى الخادمة أو المربية، وقد يعقب ذلك عواقب وخيمة على الحياة الزوجية، والخاسرة-حينئذ-هي الزوجة، التي تركت غزو الخادمة لأخص ما يخصها في حياتها وهو زوجها.
ومما يؤسف له أن هناك أمهات لا يعملن، ويتركن المسؤولية كاملة للخادمات يتصرفن في أمور بيوتهن، كما لوكن أصحاب البيوت، ورغم اتساع وقت الأم -الزوجة في ذات الوقت- لرعاية أبنائها وزوجها، إلا أنها قد تهتم بالخروج للتسوق، أو تجتمع مع جاراتها في ساعات الضحى، أو تهاتف صديقة لها ساعات طوال فيما لا يفيد أو ينفع. وقد يأتي الزوج من عمله منهكاً، وفي حاجة إلى سكن النفس، وفي حاجة إلى طعام وراحة ليتابع عمله أو ليسعد زوجته وأبناءه، وقد لا يجد من تخفف عنه متاعبه سوى الخادمة، التي قد تقدم له طعاماً قد لا يستسيغه.
وهناك سلبيات كثيرة تحدث عندما يترك الآباء والأمهات رعاية الصغار بين أيدي الخادمات أو المربيات، نذكر بعضاً منها على سبيل المثال وليس الحصر:
- إن لغة الخادمة أو المربية إذا كانت غير عربية، تؤثر بدرجة عالية في اكتساب الصغير لغته العربية، ومن ثم قد يتأخر الصغير عمن هم في مثل عمره الزمني في تعلم اللغة، ولفظ الحروف الصحيحة، واكتساب المفردات الواجب تعلمها، بل قد يتعلم لغة المربية قبل أن يتعلم اللسان العربي.
- إن المربية - عادة - تضعف العلاقة بين الطفل وأمه، إذ غالباً ما يكون التعلق- من جانب الطفل- بالمربية وليس بالأم، حيث تقوم بإشباع الحاجات الأساسية للطفل من المأكل والمشرب ونظافة الجسم عند الابتلال، وتشبع حاجاته إلى الراحة واللعب.. ومن ثم فهي أم بديلة.. وفي هذا ما يبعد الطفل تدريجيا عن الأم، بل قد لا يسأل عنها عند غيابها، أو وجودها في المنزل، والأعجب أنه قد ينزعج إذا لم يجد المربية أو الخادمة بجانبه، عندما تنشغل عنه عند أداء وظائفها الأساسية في المنزل، وأحياناً قد يناديها كما لو كانت أمه.
- إن تأثير المربيات والخادمات على العلاقات الزوجية، قد يخلق المشكلات بين الأزواج، ويحدث- وجودهن- مناخ التوتر والقلق الدائب بين الأزواج، وقد يترتب عن المشكلات انفصال بين الأزواج أو هجران أو خصام أو تضحية بالأبناء والحياة الزوجية المستقرة.
- إن وجود المربيات والخادمات يضعف من نماء الاستقلالية في التنشئة الاجتماعية للصغار، بل قد ينمي لديهم الاعتمادية أي الاتكالية، وعدم نمو الاستقلالية لدى الصغار، ويظهر ذلك السلوك عندما تعرض الفتيات الصغيرات أو الفتية الصغار، عن أداء الأعمال البسيطة التي يمكن القيام بها، اعتماداً على ما تقوم به المربية من الاستجابات الفورية لكل مطالب الصغار.
- ومن المخاطر التي يجب أن لا تغيب عن أذهان الآباء، هو أن بعض المربيات غير المسلمات اللاتي يقمن بالتنشئة والرعاية للصغار، قد تقوم البعض منهن بغرس وتنمية تعاليم دينها مع الصغار- في غفلة من الآباء- ودون أدنى اهتمام بدين الإسلام.
- هذا بالإضافة إلى أن قيام الخادمة بدور المربية في وقت واحد أو العكس، يشكل ثقلاً وعبئاً كبيرين، عندما تقوم المربية أو الخادمة بجميع أعمال المنزل من نظافة وطبخ وكي وغسيل.. إضافة إلى أعباء العناية بالصغار، ففي هذا ما قد يصيب البعض منهن بالإحباط وعدم الاكتراث بالأعمال المنزلية المطلوبة، أو العناية الواجبة بالصغار.
وبعد .. إن الحديث عن هذه المشكلة يطول.. ولا يفهم من حديثنا هذا أنه لا ضرروة لوجود الخادمات أو المربيات في البيوت، بل علينا أن نعرف أن السلبيات قد تكون أكثر من الإيجابيات عند استخدام المربيات أو الخادمات في الإشراف والتنشئة الاجتماعية لجيل الأبناء الصغار.
وقد يتبادر إلى الأذهان تساؤل عن الحلول العملية لهذه المشكلة، لذلك نبادر ونقول.. إنه على الآباء والآمهات مراعاة ما يأتي :
- ضرورة مراقبة التأثير العقدي للمربية على الصغار، واهتمام الآباء عند وجود المربيات بتنمية العقيدة الصحيحة وتثبيتها عند الصغار بالأقوال والأفعال.
- ضرورة مراقبة انتماء الطفل بالدرجة الأولى لأمه، إذ مهما كان التصاقه بالمربية أو الخادمة فهو لن يستغني عن أمه أبداً.
- تنمية روح العادات الحسنة والاستقلالية بين الصغار، وتقليل اعتمادهم الكامل على المربيات أو الخادمات في إشباع حاجاتهم، وخاصة في الأعمار الزمنية 6-15سنة.
- يقترح قيام المؤسسات التربوية والاجتماعية بإنشاء الحضانات ورياض الأطفال والأقسام التمهيدية للصغار، لرعاية أطفال الأمهات العاملات في مقارّ أعمالهن، بدلاً من ترك الصغار مع المربيات أو الخادمات.
- يقترح معالجة وضع الأمهات اللاتي لديهن صغار في حاجة إلى الرعاية، بحيث إذا كانت الأم تعمل، فيمكن منحها إجازة لمدة سنة أو أكثر بمقطوع معين من الراتب، وخاصة في فترة الإرضاع والإطعام وحتى نهاية السنتين الأوليين من الميلاد، بهدف أن تشرف الأم على صغيرها من نواحي الرعاية الغذائية العاطفية في هذا العهد.
.. وأخيراً ينصح باستقدام المربيات العربيات المسلمات، اللائي يكن موضع الثقة، وليكن خير معين للإشراف على الصغار، وتعليمهم اللسان العربي المبين، وأداء العبادات وممارستها وفق شرعنا الحنيف، إضافة إلى أن مثلهن قد يدركن مخافة الله في تعاملهن مع أفراد الأسرة، من حيث اجتناب المعاصي، وعدم محاولة التفرقة بين الأزواج أو بين الأبناء والأمهات، مع أداء ما يوكل إليهن بأمانة وإخلاص.
والحديث... ممتد لحل المشكلات الاجتماعية التي نعاني منها في بيوتنا..
والله أسأل الهداية والتوفيق لنا أجمعين.
- الكاتب:
أ.د. عبد المجيد سيد أحمد منصور - التصنيف:
أب .. وأم