الحزن من عوارض النفس البشرية، ولا يستطيع الإنسان أن يدفعه بالكلية، ولكنه يمكنه دفع أسبابه قبل وقوعه، والتخفف من آثاره بعد وقوعه، فهو غير محمود شرعا لذاته، ولا هو من مقامات العبودية التي يتعبد بها المسلم، بل قد ورد النهي عنه في كتاب الله تعالى، ولكنه من جملة المتاعب التي يصاب بها الإنسان، فيصبر ويسعى في إزالة حزنه، ولكن قد يُمدح الحزن من جهة أخرى، وذلك إذا كان باعثه الندم على التفريط في الطاعة، أو الوقوع في المعصية، أو الحزن لمصاب المسلمين، قال ابن تيمية في التحفة العراقية: "وقد يقترن بالحزن ما يثاب صاحبه عليه ويحمد عليه، ويكون محمودا من تلك الجهة لا من جهة الحزن، كالحزين على مصيبة في دينه، وعلى مصائب المسلمين عموما، فهذا يثاب على ما في قلبه من حب الخير، وبغض الشر وتوابع ذلك".
أما الحزن على فوت محبوب أو وقوع مكروه فقد أجمع العقلاء على أنه لا فائدة للنفس من استدامته وتعميقه وتجديده في النفس، ولكن مجرد الحزن في وقته وسياقه الزمني من غير سخط ولا زلة لسان ليس نقصا، لأنه مركوز في الفطرة البشرية، فإذا أصيب الإنسان بمصيبة في نفسه أو ماله أو أهله فمن الطبيعي أن ينتابه شعور الحزن، وقد حزن النبي صلى الله عليه وسلم لموت أصحابه، وموت بعض أهله، ففي صحيح البخاري عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال: دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سيف القين، وكان ظئرا لإبراهيم عليه السلام، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم إبراهيم، فقبله، وشمه، ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يجود بنفسه، فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان، فقال له عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: وأنت يا رسول الله؟ فقال: «يا ابن عوف إنها رحمة» ، ثم أتبعها بأخرى، فقال صلى الله عليه وسلم: «إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون».
وينبغي لمن أصابه الحزن أن يتصبر بما يلهمه الله به من المعاني الإيمانية، والتفكر في عواقب الصبر، وأن يسمح للنسيان أن يطوي صفحات الحزن والكآبة من نفسه، وأن يعيد إلى قلبه الصفاء والسرور، ووسائل ذلك كثيرة، وهذه بعض تلك الأسباب التي تعينه على مدافعة الحزن والتخفيف من سطوته على وجدانه ومشاعره.
قال ابن القيم اعلام الموقعين: نهى الرجل بعد إصابة ما قدر له أن يقول: لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا، وأخبر أن ذلك ذريعة إلى عمل الشيطان، فإنه لا يجدي عليه إلا الحزن والندم وضيقة الصدر والسخط على المقدور واعتقاد أنه كان يمكنه دفع المقدور لو فعل ذلك، وذلك يضعف رضاه وتسليمه وتفويضه وتصديقه بالمقدور.
ومن الأدوية النبوية النافعة: الاستعاذة بالله تعالى من الحزن، فقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم مداومة الاستعاذة بالله من الحزن وقرنائه من الهموم وسائر القواطع التي تقطع القلب عن الله تعالى، وذلك لأن الحزن الحامل على الجزع إذا لم يدفعه صاحبه من أوله فإنه يستحكم عليه، حتى يتحول إلى مرض يقعده عن العمل والكسب.
قال ابن القيم في زاد المعاد: هذا الدعاء بمنزلة الدواء الذي يستأصل الداء، ويعيد البدن إلى صحته، واعتداله، وأن يجعله لحزنه كالجلاء الذي يجلو الطبوع والأصدية، وغيرها، فأحرى بهذا العلاج إذا صدق العليل في استعماله أن يزيل عنه داءه، ويعقبه شفاء تاما، وصحة، وعافية، والله الموفق.
ومن الأدوية التي قد تساعد على دفع الحزن عن المحزون: التلبينة، قال الإمام النووي في شرح مسلم "والتلبينة بفتح التاء حُسَاء من دقيق أو نُخالة، وربما جعل فيها عسل، وسميت تلبينة تشبيها باللبن لبياضها ورقتها وفيه استحباب التلبينة للمحزون".
ومن أعظم الأدوية التي يدافع بها عارض الحزن، ويخفف من سطوته: الصبر والاحتساب، كما قال ابن بطال في شرحه على صحيح البخاري: "الصابر على الحقيقة من صبر نفسه، وحبسها عن شهوتها، وقهرها عن الحزن والجزع والبكاء الذى فيه راحة النفس، وإطفاء لنار الحزن، فإذا قابل سورة الحزن وهجومه بالصبر الجميل، واسترجع عند ذلك، وأشعر نفسه أنه لله ملك، لا خروج له عن قضائه، وإليه راجع بعد الموت ويلقى حزنه بذلك، انقمعت نفسه، وذلك على الحق، فاستحقت جزيل الأجر". انتهى
وعلى المسلم أن يعلم أنه لا مصلحة له من استدامة الحزن، وتجديده في نفسه، ذلك لأن الحزن يضعف القلب ويوهن العزم، ويضر الإرادة، ولا شيء أحب إلى الشيطان من حزن المؤمن، قال تعالى: {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [المجادلة: 10]، فالحزن مرض من أمراض القلب يمنعه من نهوضه وسيره وتشميره.