الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مِنْ أسماء الله الحُسْنَى " الحميد "

مِنْ أسماء الله الحُسْنَى " الحميد "

مِنْ أسماء الله الحُسْنَى " الحميد "

أعظم ما ينبغي على العَبْد الاهتمام به هو معرفة الله سبحانه بأسمائه الحُسْنَى وصفاته العليا، وإنما يشْرف العلم بحسب شرف المعلوم، ولا عِلْم أشرف مِنَ العلم بالله عز وجل وأسمائه الحُسنى، وصفاته العليا. قال ابن العربي في "أحكام القرآن" في فضْل العِلم بأسماء الله: "شرَف العلم بشَرَف المعلوم، والباري أشرَف المعلومات، فالعلمُ بأسمائه أشرَف العلوم". وقال ابن القيم في "بدائع الفوائد": "فالعلم بالأسماء والصفات، والتعبد بها هو قطب السعادة، ورَحَى الفلاح والنجاح، مَنْ رام السعادة وابتغاها فليأخذ نفسه بأسماء الله وصفاته، فبها الأُنْس كله، والأمن كله، وما راحة القلب وسعادته إلا بها، لأنها تتعلق بِمَنْ طِبُّ القلوب بيديه، وسعادتها بالوصول إليه".. ومعرفة أسماء الله الحُسنى وصفاته العليا الواردة في القرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة، والحرص على فهم معانيها، والتعبُّد لله عز وجل بها، مِنْ أعظم ما يُقوّي الإيمان ويزيده، قال الله تعالى: {وَللهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}(الأعراف:180). قال الشوكاني: "هذه الآية مشتملة على الإخبار مِنَ الله سبحانه بما له مِن الأسماء على الجملة دون التفصيل، والحُسْنَى تأنيث الأحسن أي التي هي أحسن الأسماء لدلالتها على أحسن مُسمّى وأشرف مدلول، ثم أمرهم بأن يدعوه بها عند الحاجة فإنه إذا دُعِي بأحسن أسمائه كان ذلك من أسباب الإجابة".
وأسماء الله تعالى وصفاته توقيفية مصدرها القرآن الكريم والسُنة النبوية، لا مجال للعقل والاجتهاد فيها، يجب الوقوف فيها على ما جاء به القرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة. وأهل السُنة يثبتون ما أثبته الله عز وجل لنفسه ـ مِنْ أسماء وصفات ـ في كتابه، أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم في أحاديثه، مِن غير تحريف (صرف اللفظ عن معناه الحقيقي)، ولا تعطيل (نفي صفات الله تعالى أو أسمائه)، ومِنْ غير تكييف (ليس المقصود نفي وجود كيفية لصفات الله، وإنما المقصود نفي علم الخَلْق بهذه الكيفية) ولا تمثيل (اعتقاد مُمَاثلة أي شيء مِنْ صفات الله تعالى لصفات المخلوقات)، كما ينفون ما نفاه الله عن نفسه في كتابه، أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم، وذلك لأن الله عز وجل أعلم بنفسه مِنْ غيره، ورسوله صلى الله عليه وسلم أعلم الخَلْق بربه.. قال أبو بكر الإسماعيلي: "ويعتقدون ـ يعني: أهل السُنة والجماعة ـ أن الله تعالى مدعو بأسمائه الحسنى، وموصوف بصفاته التي سمَّى ووصف بها نفسه، ووصفه بها نبيه صلى الله عليه وسلم". وقال الشيخ ابن عثيمين: "أسماء الله تعالى توقيفية، لا مجال للعقل فيها، وعلى هذا فيجب الوقوف فيها على ما جاء به الكتاب والسنة، فلا يُزاد فيها ولا يُنْقَص".. والله عز وجل ليس كمثله شيء، فإنه سبحانه الكامل في أسمائه الحسنى وصفاته العُلى، الذي دلت النصوص والعقول على أنه لا نظير له سبحانه وتعالى، فلا مثيل له في ربوبيته، ولا مثيل له في ألهيته، ولا مثيل له في أسمائه وصفاته، قال الله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}(الشورى:11). قال الشيخ السعدي: "{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} أي: ليس يشبهه تعالى ولا يماثله شيء من مخلوقاته، لا في ذاته، ولا في أسمائه، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، لأنَّ أسماءه كلها حسنى، وصفاته صفات كمال وعظمة". وقال الشيخ ابن عثيمين في "القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى": "السَّلَف الصَّالح مِنْ صَدْرِ هذه الأُمَّة، وهم الصَّحابة الذين هم خير القُرون، والتَّابعون لهم بإحسان، وأئمَّة الهُدى مِن بَعْدِهم: كانوا مُجْمِعين على إثبات ما أثبَته اللهُ لنَفْسِه، أو أثبَته له رسولُه صلى الله عليه وسلم مِنَ الأسماء والصِّفات، وإجراء النُّصوص على ظاهِرِها اللَّائِق بالله تعالى، مِنْ غير تحريفٍ ولا تعطيل، ولا تكييفٍ ولا تمثيل، وهم خيرُ القُرونِ بنَصِّ الرَّسول صلى الله عليه وسلم، وإجماعُهم حُجَّة مُلزِمة لأنَّه مُقتَضى الكِتاب والسُّنَّة"..

ومِنْ أسماء الله تعالى الحُسنى: "الحميد"، ومعناه: المحمود الذي استحق ـ سبحانه وتعالى ـ الحمد بفعاله، فهو الذي يُحْمَد في السراء والضراء، وأفعاله لا تخرج عن مقتضى الحكمة والعدل، والرحمة والإحسان.. قال ابن الأثيرِ في "جامع الأصول": "(الحَميد): المحمود الَّذي استحَقَّ الحمدَ بفِعلِه". وقال ابن منظور في "لسان العرب": "(الحَميد) مِنْ صِفات الله تعالى وتقَدَّس، بمعنى المحمودِ على كُلِّ حال، وهو مِنَ الأسماءِ الحُسنى". وقال الطبري: "(الحميد): ومعناه: المحمودُ بآلائِه.. (الحَميدُ) عند عبادِه في إفضالِه عليهم، وأياديه عِندَهم". وقال الحليميّ في "المنهاج في شعب الإيمان": "(الحميد): هو المستَحِقُّ لأن يُحمَد، لأنَّه جَلَّ ثناؤُه بدأ فأوجَد، ثمَّ جمع بيْن النِّعمتَينِ الجليلتين، الحياة والعَقل، ووالى بيْن مِنَحِه، وتابَعَ آلاءَه ومِنَنَه حتى فاتت العَدَّ، وإنِ استُفرِغَ فيها الجُهد، فمن ذا الذي يستحِقُّ الحمدَ سِواه، بل له الحَمدُ كُلُّه لا لغيرِه، كما أنَّ المنَّ منه لا مِنْ غيرِه". وقال الخطابي: "(الحميد) هو المحمودُ الذي اسْتحقّ الحمد بفعاله، وهو الذي يُحمدُ في السراء والضَّراء، وفي الشّدة والرخاء، لأنه حكيمٌ لا يجري في أفعاله الغلط، ولا يعترضُهُ الخطأ، فهو محمودٌ على كل حال". وقال السَّمعانيُّ: "(الحَميد): هو المستَحِقُّ للحَمد في أفعاله، لأنَّه إنَّما متفَضِّلٌ أو عادِل".. وقال ابن كثيرٍ: "(الحميد) أي: المحمود في جميعِ أفعالِه وأقواله، وشَرْعِه وأمْرِه ونَهْيِه، الصَّادِقُ في خَبَرِه". وقال الشوكاني: "(الحميد) هو الكامِل في استِحقاقِ الحَمد". وقال الزَّجَّاج في "تفسير الأسماء": "(الحَمِيدُ) هُوَ فَعِيلٌ فِي مَعْنَى مَفْعُول، والله تعالى هو المَحْمُود بَكُلَّ لِسَان، وعَلَى كُلِّ حَال، كما يُقَال في الدعاء: الحَمْدُ لله الذِي لَا يُحْمَد عَلَى الأَحْوَال كُلِّها سِوَاه". وقال المباركفوريُّ في "تحفة الأحوذي": "(حميد) أي: محمودٌ في ذاتِه وصِفاتِه وأفعالِه بألسِنَةِ خَلْقِه".

وقد ورد اسم الله عز وجل "الحميد" في الكثير مِنَ الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة، ومِنْ ذلك:
1 ـ قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ}(البقرة:267). قال ابن كثير: "فمن تصدق بصدقة مِنْ كسب طيب، فليعلم أن الله غني واسع العطاء، كريم جواد، سيجزيه بها ويضاعفها له أضعافا كثيرة من يقرض غير عديم ولا ظلوم، وهو الحميد، أي: المحمود في جميع أفعاله وأقواله، وشرعه وقدره، لا إله إلا هو، ولا رب سواه". وقال السعدي: "{وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} فهو غني عنكم ونفع صدقاتكم وأعمالكم عائد إليكم، ومع هذا فهو حميد على ما يأمركم به مِنَ الأوامر الحميدة والخصال السديدة، فعليكم أن تمتثلوا أوامره لأنها قوت القلوب وحياة النفوس ونعيم الأرواح، وإياكم أن تتبعوا عدوكم الشيطان".
2 ـ قال تعالى: {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ}(الحج:24). قال البغوي: "{وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ} إلى دين الله وهو الإسلام، والحميد هو الله المحمود في أفعاله وأقواله". وقال ابن عاشور: "وقد هدوا إلى صراط الحميد في الدنيا، وهو دين الإسلام، شبه بالصراط لأنه موصل إلى رضى الله. والحميد من أسماء الله تعالى، أي المحمود كثيرا".
3 ـ قال تعالى: {وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ}(لقمان:12). قال الطبري: "{وَمَن كَفَرَ فإنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} يقول: ومن كفر نعمة الله عليه إلى نفسه أساء، لأن الله معاقبه على كفرانه إياه، والله غنيّ عن شكره إياه على نعمه، لا حاجة به إليه، لأن شكره إياه لا يزيد في سلطانه، ولا ينقص كفرانه إياه من ملكه. ويعني بقوله: {حَمِيدٌ} محمود على كلّ حال، له الحمد على نِعمه، كفر العبد نعمته أو شكره عليها".
4 ـ قال تعالى: {لِلهَّ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}(لقمان:26). قال ابن كثير: "{إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} أي: الغني عما سواه، وكل شيء فقير إليه، الحميد في جميع ما خلق، له الحمد في السماوات والأرض على ما خلق وشرع، وهو المحمود في الأمور كلها".
5 ـ قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}(فاطر:15). قال ابن كثير: "{وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} أي: هو الْمُنْفَرِد بِالْغِنَى وَحْدَه لَا شَرِيكَ لَه، وهو الْحَمِيد فِي جمِيع ما يَفْعَلُه وَيَقُولُه، وَيُقَدِّرُه وَيُشَرِّعُه". وقال السعدي: "{وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} أي: الذي له الغنى التام من جميع الوجوه، فلا يحتاج إلى ما يحتاج إليه خَلْقه، ولا يفتقر إلى شيء مما يفتقر إليه الخَلق، وذلك لكمال صفاته، وكونها كلها صفات كمال، ونعوت وجلال. ومِنْ غناه تعالى، أن أغنى الخَلْق في الدنيا والآخرة، الحميد في ذاته وأسمائه لأنها حسنى، وأوصافه لكونها عليا، وأفعاله لأنها فضل وإحسان وعدل وحكمة ورحمة، وفي أوامره ونواهيه، فهو الحميد على ما فيه، وعلى ما منه".
6 ـ عن كعبِ بن عُجْرة رضي الله عنه أنه قال: سَألْنا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كيفَ نُصلِّي علَيْكُم يا أهْل بَيت النُّبوَّة في التَّشهُّد في الصلاة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (قولوا: اللَّهمَّ صلِّ على مُحمَّدٍ وعلى آلِ محمَّد، كما صلَّيْتَ على آلِ إبراهيم، إنَّك حَميدٌ مَجيد) رواه البخاري..
قال الطيبي في "الكاشف عن حقائق السنن": "(إنك حميد مجيد) أي: إنك حميد فاعل ما تستوجب به الحمد مِنَ النعم المتكاثرة، والآلاء المتعاقبة المتوالية، مجيد كريم كثير الإحسان إلى جميع عبادك الصالحين". وقال الصنعاني في " التَّنوير شرح الجامع الصغيرِ": "(إنك حميد مجيد) قال ابن دقيق العيد: حميد بمعنى محمود وردت بصيغة المبالغة أي مستحق لأنواع المحامد ومجيد مبالغة من ماجد والمجد الشرف". وقال ابن حجر قي "فتح الباري": "قوله: (إنك حميد مجيد) أما الحميد فهو فعيل مِنَ الحمد بمعنى محمود وأبلغ منه، وهو مَنْ حصل له مِنْ صفات الحمد أكملها، وقيل هو بمعنى الحامد أي يحمد أفعال عباده. وأما المجيد فهو من المجد وهو صفة مَنْ كُمُل في الشرف وهو مستلزم للعظمة والجلال، كما أن الحمد يدل على صفة الإكرام. ومناسبة ختم هذا الدعاء بهذين الاسمين العظيمين أن المطلوب تكريم الله لنبيه، وثناؤه عليه، والتنويه به، وزيادة تقريبه، وذلك مما يستلزم طلب الحمد والمجد"..
وقال ابن القيم في قصيدته "النونية":
وهُوَ الحَمِيدُ فَكُلُّ حَمْدٍ وَاقِعٍ أَوْ كَانَ مَفرُوضًا مَدَى الأَزْمَانِ
مَلَأَ الوُجُودَ جَمِيعُهُ وَنَظِيرُهُ مِنْ غَيْرِ مَا عَدٍّ وَلَا حُسْبَانِ
هُوَ أَهْلُهُ سُبْحَانَهُ وَبِحَمْدِهِ كُلُّ المَحَامِدِ وَصْفُ ذِي الإِحْسَانِ
وقال في "طريق الهجرتين": "الحَمْد كُلُّه لله رَبِّ العَالمين.. فَإِنَّه المَحْمُود على مَا خَلَقَه وأمَر به وَنَهَى عَنه.. وهو المَحْمُود على عَدْلِه في أَعْدَائِه، كما هو المَحْمُود على فَضْلِه وَإِنْعَامِه عَلَى أَوْلِيَائِه، فَكُلُّ ذَرَّةٍ مِنْ ذَرَّات الكَوْن شَاهِدَةٌ بِحَمْدِه، ولهذا سَبَّح بِحَمْدِه السَّمَاوَات السَّبْع وَالأَرْض وَمَنْ فِيهِنَّ، {وَإِنْ مِنْ شَيءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِه}(الإسراء:44)"..

"الحميد" اسم مِنْ أسماء الله تعالى الحسنى، قال السَّعْديّ: "أمَّا (الحميد) فهو مِنْ أسماءِ اللهِ تعالى الجليلة، الدَّالِّ على أنَّه هو المستحِقُّ لكُلِّ حمدٍ ومحبَّة، وثناءٍ وإكرام، وذلك لِما اتَّصَف به مِنْ صِفات الحَمد، التي هي صِفة الجمال والجلال، ولِمَا أنعَم به على خَلْقِه مِنَ النِّعَمِ الجِزالِ (العظيمة)، فهو المحمودُ على كُلِّ حال"..
ومِنْ آثار العِلم باسم الله عز وجل "الحميد": الإيمان بأنَّ اللهَ جَلّ ثناؤه هو المستحقّ للحمدِ على الإطْلاق، كما قال سبحانه عن نفسه: {الحمدُ للهِ رَبِّ العالمِينْ}(الفاتحة:2). قال السمعاني: "{الْحَمْدُ لِلهِ} اعْلَم أَن الْحَمد يكون بِمَعْنى الشُّكْر على النِّعْمَة، وَيكون بِمَعْنى التَّحْمِيد وَالثنَاء على الْأَوْصَاف المحمودة". وقال السعدي: "{الْحَمْدُ لِلَّهِ} هو الثناء على الله بصفات الكمال، وبأفعاله الدائرة بين الفضل والعدل، فله الحمد الكامل، بجميع الوجوه".. والنبي صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا رفع رأسه مِنَ الركوع في الصلاة: (اللَّهُمَّ رَبَّنَا لكَ الحَمْدُ مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَمِلْءَ الأرْضِ، وَمِلْءَ ما بيْنهما وَمِلْءَ ما شِئْتَ مِن شَيءٍ بَعْد) رواه مسلم. وكان صلى الله عليه وسلم إذا قامَ إلى الصَّلاة مِنْ جَوف الليل يتهجد قال: (اللَّهُمَّ لكَ الحَمْدُ أنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَات والأرْضِ ومَن فِيهِنَّ، ولَك الحَمْد لك مُلْكُ السَّمَوَات والأرْض ومَن فِيهِنَّ، ولَكَ الحَمْدُ أنْتَ نُور السَّمَوَات والأرْض ومَن فِيهِنَّ، ولَكَ الحَمْدُ أنْتَ مَلِكُ السَّمَوَات والأرْض، ولَكَ الحَمْدُ أنْتَ الحَقُّ ووَعْدُكَ الحَق) رواه البخاري.
قال ابن القيم في "جلاء الأفهام": "إذا عَلِمَ العبدُ أنَّ الحَمدَ على الإطلاقِ إنَّما هو لله عَزَّ وجَلَّ، وأنَّه يستحِقُّ جميعَ المحامِدِ بأَسْرِها، كان حَرِيًّا به أن يشتَغِلَ بالثَّناءِ والمجدِ لذي العُلى والمجد، فإنَّه سبحانه وتعالى له الكَمال المُطلَق الذي لا نَقْصَ فيه بوجهٍ ما، والإحسانُ كُلُّه له ومنه، فهو سُبحانه وتعالى أهلٌ وأحَقُّ بكُلِّ حَمد، وبكُلِّ حُبٍّ مِن كُلِّ جِهة، فهو أهلٌ أن يُحَبَّ لذاتِه، ولصِفاتِه، ولأفعالِه، ولأسمائِه، ولإحسانِه، ولكُلِّ ما صدر منه سُبحانَه وتعالى". وقال ابن تيمية في "مجموع الفتاوى": وَأَيْضًا فَإِنَّ الله سبحانه أَخْبَر أَنَّه لَه الحَمْد، وَأَنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيد، وَأَنَّ لَهُ الحَمْد في الأُولَى وَالآخرة، وَلَهُ الحُكْم، وَنَحْوِ ذَلِك مِنْ أَنْوَاعِ المَحَامِد. وَالحَمْدُ نَوْعَان: حَمْدٌ عَلَى إِحْسَانِه إِلَى عِبَادِه، وهو مِنَ الشُّكْر. وَحَمْدٌ لِمَا يَسْتَحِقُّه هو بِنَفْسِه مِنْ نُعُوت كَمَالِه، وهذا الحَمْد لَا يَكُون إِلَّا لِمَنْ هو في نَفْسِه مُسْتَحِقٌّ لِلحَمْد، وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ ذلك مَنْ هو مُتَّصِفٌ بِصِفَات الكمال". وقال القُرطبي: "يجِبُ على كُلِّ مُكَلَّفٍ أن يعتَقِدَ أنَّ الحَمد على الإطلاق إنما هو لله.. فهو الذي يَستحِقُّ جميعَ المحامِد بأَسْرِها، فنَحمَدُه على كُلِّ نعمةٍ وعلى كُلِّ حالٍ بمحامِدِه كُلِّها، ما عُلِمَ منها وما لم يُعلَم... ثم يجِب عليه أن يسعى في خِصالِ الحَمْدِ، وهي التخَلُّقُ بالأخلاق الحميدة والأفعال الجميلة"..

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة