كان من سلبيات العولمة على المجتمعات المسلمة أن جلبت إليها من الأفكار والمعتقدات ما يخالف عقيدتها وثقافتها، وكانت الطامة في ذلك أن وصلت تلك الأفكار والثقافات إلى شريحة واسعة من أبناء المجتمعات المسلمة، فاندمجوا فيها إلى حد الذوبان أو كادوا، دون تمحيص منهم لتلك الأفكار أو نقد، وكان من تلك الثقافات الوافدة إلى المجتمعات المسلمة ما صار يعرف بـ : العلاج الروحي أو العلاج بالطاقة، وفي هذا المقال نقف على ماهية ذلك والتعريف به وذلك على النحو الآتي:
أولًا: ماهية الطاقة: ليس المراد بالطاقة هنا الطاقة الحرارية أو الكهربائية، أو المغناطيسية والفيزيائية ونحو ذلك، التي تعني القدرة على القيام بالعمل، أو إحداث تغيير ما، وإنما المراد بها الطاقة الكونية، وتفسير هذه الطاقة والتعبير عن ماهيتها والمراد منها يختلف بحسب الجهة التي تروج لها وتؤمن بها.
فالمراد بها عند أربابها من الفلاسفة وأهل العقائد الشرقية الهندوسية والبوذية: أنها طاقة إيجابية وسلبية مبثوثة في الكون (وبالتعبير الصيني هي الين واليانغ) تمد هذه الطاقة جميع المخلوقات بالحياة والقوة، ومن تلك الطاقة استمد أولئك كل تطبيقاتهم الحياتية من صحة ومرض، وسعادة وحزن وغيرها، فكان تعريف الصحة عندهم: جودة تدفق الطاقة الإيجابية وسريانها، والمرض هو تعثر سريان الطاقة أو احتقانها، وكذا يعرفون السعادة والحزن، ويقولون إن تلك الطاقة المبثوثة في الكون منبثقةٌ عن الكلي الواحد الذي يقولون منه تكوَّن الكون وإليه يعود، ولهذه الطاقة نفس قوة ذلك الكلي وتأثيره؛ فالطاقة بهذا التعريف وهذه الماهية ذات أصول عقدية هندوسية وبوذية ونحوها من الديانات الشركية.
أما المؤمنون بها من المسلمين فيفسرونها بما لا يخالف عقيدة التوحيد بظنهم فيقولون: إنها طاقة عظيمة، جعلها الله في الكون، وجعل لها تأثيرًا على حياتنا وصحتنا ومعيشتنا، ثم صاروا يعالجون بها، ووصل بهم الحال إلى الاستدلال لها من القرآن الكريم كما سيأتي بيانه، وشاعت عندهم بعض المصطلحات المحرفة، كالطاقة الإيمانية، وطاقة الطاعات، وذلك بدل مصطلحات العزيمة الإيمانية، والهمة على الطاعات ونحوها.
ثانيًا: مفهوم العلاج بالطاقة: العلاج بالطاقة هو ممارسة عملية لأصول معتقدات أديان الشرق في الهند والصين من الهندوسية والبوذية ونحوها، وهي في ظاهرها خير محض؛ لأنها ممارسة لتمارين الصحة والرياضة، ويزعمون أن بها يستفيد الإنسان من الطاقة التي أودعها الله في الكون، ويتخلص من الأمراض والأسقام التي في جسده، ولكن حقيقتها فكر باطني يقوم على تطبيق عملي لتصور تلك الديانات ومعتقداتها في الكون، إذ إنهم يعتقدون أنهم بممارسة تلك التمارين تتدفق تلك الطاقة إلى أجسادهم وتتحد بها.
ثالثًا: المصطلحات ذات العلاقة: اجتاحت هذه الثقافة المجتمعات المسلمة إما تحت شعارات مضللة ابتعدت عن أسمائها الحقيقية، كالصحة والسعادة، والتناغم مع الطبيعة، والتنويم، والتأمل، والاسترخاء، والطب البديل أو التكاملي، وإما أنها شاعت بأسمائها الشرقية الصينية واليابانية والهندية ونحوها، واستساغتها المجتمعات عمومًا والمجتمعات المسلمة خصوصًا، وذلك كاسم: الريكي، واليوجا، والتشي كونغ وغيرها، وأما تسميتها بالطاقة فذلك حدث بعد أن تبنتها الفلسفة الغربية، وأضافت لها أسماء ذات صبغة علمية فصارت تسمى: الطاقة الروحية، وطاقة قوة الحياة، وطاقة قوة الشفاء، ونحو ذلك من الأسماء المتجددة.
رابعًا: أصولها وجذورها الدينية: من خلال ما سبق ذكره تبين لنا أن هذا العلاج نابع من أصول العقائد الوثنية الشرقية (الهندوسية والبوذية والطاوية وغيرها) فتلك العقائد كلها تؤمن بفكرة وحدة الوجود وتناسخ الأرواح، وتهدف من وراء طقوسها الدينية إلى الارتقاء بالروح لتتصل بالقوة العظمى في الكون أو بالإله، فوحدة الوجود عندهم تعني أن الإله قد حلَّ في كل الكائنات الحية وغير الحية من حولهم، ولا بد للاتصال بالإله والارتقاء بالروح أن يتخذ الشخص وضعية على شكل كائن من تلك الكائنات، كالقمر أو السمكة أو الثعابين، أو غيرها من الكائنات، وذلك يكون بممارسة صلواتهم أو معتقداتهم على شكل تمارين يظنها الجاهل نوعًا من أنواع الرياضة البدنية المحضة، وإنما يقصدون بذلك اتخاذ وضعية كائن من الكائنات التي حلَّ بها الإله باعتقادهم، وسيأتي تفصيل ذلك عند بيان أنواع اليوجا.
وكذلك يقال في فكرة تناسخ الأرواح، فهم يؤمنون أن الإنسان يتكون من جسد وروح، وأن جسده المادي (اللحم والدم) هو الذي يولد من جسدي والديه، وأما ما يحركه فهو الروح الجسم اللطيف الذي لا يرى ولا يحس، وإذا مات الإنسان بلي الجسد المادي وبقيت الروح فإنها تأخذ تحوم مدةً من الزمن في الفضاء العلوي تستمتع بالجنة ثوابا لها على أعمالها، وقد تعذب بالنار جزاء لمعاصيها، ثم ترجع فتحل في جسد ما إنسان أو حيوان، وتبدأ بذلك دورة الروح مرة أخرى فتسعد أو تشقى نتيجة للدورة الأولى، ولا بد لاتصال هذه الروح بالقوة العظمى في الكون (الإله) أن يمر اليوجي ويثبت برهة من الزمن وهو يمارس صلواته بصورة من الصورة التي يُعتقد أن روحه كانت قد حلت أو تناسخت فيه، فقد تكون روحه قبل أن تحل في جسده كلبًا أو ثعبانًا، وقد تكون إنسانًا أو غيرها من الكائنات، ثم تأخذ ترتقي من مخلوق ضعيف حتى تمر بالإنسان لترتقي بعدها للاتصال بالإله (القوة العظمى) وكل ذلك يكون بممارسة تلك الوضعيات الرياضية، ولكن بشرط الإيمان بما ينبغي أن يضمره ويستحضره من يؤدي تلك التمارين كما سيأتي بيانه.
وكل هذه الاعتقادات في تلك الديانات الشرقية إنما نجمت عن محاولة أربابها إعمال عقولهم وإدراكهم في عالم الغيب من الروح والجن والملائكة وغيرها، فحادوا لذلك عن نور الوحي الذي جاء به أنبياء الله ورسله عليهم السلام؛ فأصبحوا يخرصون ويفترضون فروضًا بعيدة عن الكون وما أودع الله فيه من الحقائق، فوقعوا في الكفر والإلحاد، وهو مراد إبليس من البشر، نعوذ بالله من الضلال.