حديثنا معكم اليوم عن فلسطين والقدس والأقصى، وعن أحوال إخواننا المسلمين هناك وما يلاقونه من ويلات، وما يتعرضون له من قتل وضرب بالصواريخ وهدم للبيوت وتشريد للأسر، خلافا لما يلاقونه يوميا من تعنت وإهانات وإساءات وتعديات وتهجير وخذلان.
ومن باب من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، وأن المسلم أخو المسلم لا يسلمه ولا يخذله.. وجب علينا أن نناصر أخواننا المسلمين المستضعفين هناك، وأن نساندهم وأن نعاونهم، ونقف معهم..
خصوصا وأن ما يحصل لهم إنما يحصل على أيدي اليهود الغاصبين، والمحتلين الغاشمين، أعداء الله وأعداء الإنسانية، قتلة الأنبياء والمرسلين، وأشد الناس عداوة للمؤمنين.
قضية كل مسلم
إن بعض المسلمين يظن أنه لا علاقة له بما يحدث هناك، وما يجري وما يدور في الأرض المحتلة.. فنريد أن ننبه الغافلين، ونعلم الجاهلين، ونوقظ النائمين، ونذكر الناسين.
إن واجب المسلم نحو أي قضية من القضايا إنما يتعاظم بقدر قداستها وعظم مكانتها، وقضية فلسطين والقدس والأقصى من أشد القضايا ارتباطا بقضايا الولاء والبراء، وحقوق الأخوة والتناصر بين المؤمنين والدفاع عن المظلومين.
ولذلك فإن قضية فلسطين والأقصى والقدس ليست قضية الفلسطينيين وحدهم ـ وإن كانوا أولى الناس بها.. وليست قضية العرب وحدهم، وإن كانوا أحق الناس بالدفاع عنها ونصرها.. وإنما هي قضية كل مسلم في أي مكان كان في مشارق الأرض ومغاربها، وفي أي مقام كان: حاكما أو محكوما، غنيا أو فقيرا، عالما أو جاهلا، ذكرا كان أو أنثى.
القدس والأقصى بالنسبة لنا
إن القدس بالنسبة لنا نحن المسلمين، بلد الأقصى الذي هو ـ فضلا عن كونه بيتا من بيوت الله ـ إلا أنه أول مسجد وضع في الأرض بعد المسجد الحرام.. فعن أبي ذر قال: قُلتُ: (يا رَسولَ اللَّهِ، أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ أَوَّلَ؟ قالَ: المَسْجِدُ الحَرَامُ. قُلتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قالَ: ثُمَّ المَسْجِدُ الأقْصَى. قُلتُ: كَمْ كانَ بيْنَهُمَا؟ قالَ: أَرْبَعُونَ)(متفق عليه).
الأقصى بالنسبة لنا: هو قبلتنا الأولى، فهو أولى القبلتين.. حين صلى إليه النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون سبعة عشر شهرا كاملا، إلى أن حول الله القبلة إلى الكعبة فقال: {قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}(البقرة:144).
القدس هي أرض الإسراء والمعراج: وإلى مسجدها الأقصى انتهت رحلة الإسراء الأرضية، ومنه ابتدأت رحلة المعراج السماوية، وفيها التقى النبي بالأنبياء وصلى بهم جميعا إماما، فكان إيذانا بانتقال قيادة الأرض الروحية إليه وإلى أمته، وحملنا الله هذه المسئولية.
القدس بالنسبة لنا: ثالث المدن المعظمة بعد مكة والمدينة، ومسجدها يأتي في الفضيلة بعد المسجدين العظيمين: المسجد الحرام والمسجد النبوي، فلا تشد الرحال بعدهما إلا إليه، وقد جعل الله أجر الصلاة فيه بأجر 500 صلاة فيما عداه.
القدس بالنسبة لنا: أرض النبوات والرسالات: ففيها عاش زكريا ويحيى وعيسى وداود وسليمان ومريم وآل عمران، وإليها هاجر إبراهيم ولوط عليهما السلام، وأمر موسى بدخولها، وأتاها نبينا صلى الله عليه وسلم في رحلة الإسراء وصلى في مسجدها.
وهي الأرض المباركة والمقدسة كما وصفها الله في كتابه فقال: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا}(الإسراء:1).. وقال عن نبيه إبراهيم: {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِين}(الأنبياء:71). وقال موسى لقومه: {ياقوم ادخلوا الأرض المقدسة}(المائدة: )، وقال سبحانه: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا}(الأعراف:137).
القدس بالنسبة لنا: أرض الرباط والجهاد إلى يوم القيامة: ففي مسند الإمام أحمد عن أبي أمامة قال: قال صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك، قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس)( وأخرجه أيضا الطبراني . قال الهيثمي في المجمع ورجاله ثقات).
وهي أرض المحشر والمنشر: كما جاء عن النبي صلوات الله وسلامه عليه أن الشام هي أرض المحشر. وعليها تقوم الملحمة بين المسلمين وبين اليهود فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ، فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ، إِلَّا الْغَرْقَدَ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ)(رواه مسلم).
معركة دينية بامتياز
من كل ما سبق وغيره يتبين لنا أن المعركة بين اليهود الغاصبين المحتلين، وبين إخواننا المسلمين الموحدين إنما هي معركة دينية بامتياز، وهو ما تؤصله حكومات إسرائيل في وعي رعاياها، وما يحاول البعض محوه من وعي أبناء المسلمين، لتكون مجرد معركة بين فريقين على قطعة من الأرض.
إن مما يؤكد على دينية المعركة أن الغرب يقف مع اليهود ويناصرهم ضد المسلمين.. ولولا مساعداتهم وتآمرهم لما قامت إسرائيل أصلا. كما حصل في "وعد بلفور 1917"، و"قرار التقسيم لمجلس الأمن 1947"، كان أكبر هدية لليهود بإقرار أحقيتهم بوطن في فلسطين، وهو قرار ظالم أعطى فيه من لا يملك لمن لا يستحق. ثم كانت النكبة وبعدها النكسة في 67، واحتلت إسرائيل القدس ومن يومها وهي تعمل على تهويدها وتهجير أهلها وتعمل على هدم المسجد الأقصى لإقامة اليهكل المزعوم عليه، كل ذلك والعالم ينظر وكأنه لا يرى، ولا يحرك ساكنا.
واجبنا نحو الأقصى والقدس:
أولآ: الفهم الصحيح للقضية، والوعي بطبيعتها الدينية، وأنها قضية كل مسلم.
ثانيا: نشر الوعي بين الناس، وأنها قضية بين غاصب محتل مجرم، وبين شعب مسلوب يدافع عن حقه وأرضه.
ثالثا: تربية أبنائنا والجيل على حب فلسطين والأقصى والدفاع عن هذه القضية.
رابعا: فضح ممارسات اليهود، وبيان ظلمهم وعنصريتهم وقمعهم للشعب المغلوب على أمره أمام الرأي العام العالمي.
خامسا: مقاطعة كل جهة تدعم اليهود .. فكل ريال تشتري به منهم يتحول إلى رصاصة توجه لصدر أخيك المسلم.
سادسا: تقديم كل دعم ممكن لإخواننا بالمال والعلم والنصرة، فإن عجزنا فلا نعجز عن الدعاء بأن ينصرهم الله على عدوه وعدوهم.