النوم على الصفة الواردة في الهدي النبوي سنة واتباع، علاوة على أنها الهيئة التي تتناسب مع أجزاء جسم الإنسان ووظائف أعضائه، فالمسلم يلتزم بآداب النوم تعبدا واتباعا، ولكنه يعلم أن هذه الهدايات النبوية لم تأت اعتباطا، بل لها ارتباط وثيق بصحة الإنسان وسلامته، لأن الحديث وحي لا ينطق صاحبه عن هواه، بل عن علم علمه الله إياه، وهذه الأرضية الإيمانية تثمر الاستسلام والرضا بتعاليم الدين، لكن الاطلاع على الحكم والأسرار يزيد المؤمن إيمانا ببالغ حكمة الله في تشريعاته وأحكامه.
فالنوم على الشق الأيمن من السنن الثابتة عن نبينا صلى الله عليه وسلم ، فقد روى الشيخان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن...» الحديث.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله:
"في اضطجاعه على شقه الأيمن سر، وهو أن القلب معلق في الجانب الأيسر، فإذا نام الرجل على الجنب الأيسر، استثقل نوماً، لأنه يكون في دعة واستراحة، فيثقل نومه، فإذا نام على شقه الأيمن، فإنه يقلق ولا يستغرق في النوم، لقلق القلب، وطلبه مستقره وميله إليه، واستحب النوم على الجنب الأيمن، لئلا يثقل نومه فينام عن قيام الليل، فالنوم على الجانب الأيمن أنفع للقلب ، وعلى الجانب الأيسر أنفع للبدن" أ.هـ
ويضيف من فوائد النوم على الشق الأيمن: "ليستقر الطعام بهذه الهيئة في المعدة استقراراً حسناً، فإن المعدة أميل إلى الجانب الأيسر قليلاً، ثم يتحول إلى الشق الأيسر قليلاً ليسرع الهضم بذلك، لاستمالة المعدة على الكبد، ثم يستقر نومه على الجانب الأيمن ليكون الغذاء أسرع انحداراً عن المعدة، فيكون النوم على الجانب الأيمن بداءة نومه ونهايته، وكثرة النوم على الجانب الأيسر مضر بالقلب بسبب ميل الأعضاء إليه" أ.هـ.
الإعجاز الطبي في الأمر بالنوم على الشق الأيمن:
تأتي الأبحاث العلمية لتؤكد على أن هيئة النوم المثالية التي تشكل الحالة الصحية للجسم هي النوم على الشق الأيمن كما ورد في النص النبوي السابق، وقدمت تلك الأبحاث تفسيرات علمية لما ذهبت إليه.
فقالوا: إن الرئة اليسرى أصغر من اليمنى فيكون القلب أخف حملاً في حالة النوم على الشق الأيمن، ويكون الكبد مستقراً لا معلقاً، والمعدة جاثمة فوقه بكل راحتها، وهذا أسهل لإفراغ ما بداخلها من طعام بعد هضمه.
ويضيفون: أن بالنظر إلى شكل القلب فإنه لا يقع في الصدر عمودياً تماماً؛ بل إنه يميل إلى اليسار عند جانبه الأسفل، بينما يميل جانبه الأعلى إلى اليمين مقدار عشر درجات؛ لذا فإن النوم على الشق الأيمن يساعد في تدفق الدم من الخلية اليسرى العالية من القلب إلى سائر أنحاء الجسم عبر وريد الأورطى، بما يريح القلب لأن جميع الأعضاء تكون في أسفله أو في مستواه.
بينما يشكل النوم على الشق الأيسر إجهادا أكبر للقلب، فالقلب يحتاج إلى بذل طاقة لكي يضخ الدم من الخلية اليسرى التي تكون في الأسفل إلى وريده الأورطى الذي يقع على ارتفاع عشر درجات منه، والدم في هذه الحالة لا يجري طبيعياً حسب قانون الجاذبية إلا إلى 45% من أجزاء الجسم.
إضافة إلى أن النوم على الشق الأيمن يمثل وقاية من بعض الأمراض كمرض "اارتجاع الحمضي" وهو: عودة بعض محتويات المعدة من الطعام والسوائل الهضمية الحمضية إلى المريء والبلعوم مما يؤدي للشعور بألم أو حرقة بأعلى البطن.
يقول الدكتور محمد محفوظ في بحث له بعنوان: "الارتجاع الحمضي وعلاجه"، المنشور في مجلة الإسلام اليوم العدد 13، ذو القعدة 1426هـ: إنني لاحظت من دراسة أجريتها بنفسي لأكثر من 600 مريض يعانون من هذا المرض أن أكثر من 95% منهم لا ينامون على الشق الأيمن من أجسامهم.
الإعجاز الطبي في النهي النبوي عن النوم على البطن:
جاء النهي عن النوم على البطن، فيما رواه ابن ماجة وصححه الألباني عن أبي ذر الغفاري قال: أصابني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نائماً في المسجد على بطني، فركضني برجله، وقال: «يَا جُنَيْدِبُ، إِنَّمَا هَذِهِ ضِجْعَةُ أَهْلِ النَّارِ»، وفي رواية:«مالك ولهذا النوم، نومة يكرهها الله أو يبغضها الله».
وتشير الدراسات إلى أنه ليس من الصحي أن ينام الإنسان على بطنه، وفق موقع «هيلث». فمن الأضرار التي أثبتتها الدراسات أنّ النّوم على البطن يسبب ضيقًا في التنفّس يرهق القلب والدّماغ؛ لأنّ الإنسان في هذه الطريقة من النّوم يضغط على قفصه الصدري بثقل الظهر، إضافة إلى مضار أخرى كالانثناء في الفقرات، وتكوُّن الحصوات، كما أوضح الباحثون أن الأشخاص الذين ينامون على بطونهم لفترات طويلة يكونون أكثر عرضة للإصابة بأمراض الكلى المختلفة وتكوّن الحصوات، إضافة إلى حصول ضيق في التنفس وغيرها من الأضرار الحاصلة بمخالفة هذا النهي النبوي.
فهذه الدراسات التي تظهر حكمة النص النبوي والمصلحة التي اشتمل عليها، هي ليست مناط الامتثال عند المسلم، بل هو ملتزم بالأدب النبوي قبل أن يعلم حكمته ومقصده، لكن مما لا شك فيه أن العلم بها يزيد المكلف فهماً للنص، ورغبة في الامتثال، فإن النفس البشرية تكون أطوع للتكليف الذي علمت علته وتبينت مصلحته، مما كان تعبديا محضاً وقد جاءت الشريعة بهذا وبهذا تحقيقا للاستسلام لأحكام الشرع.