ربما تكون جائزة نوبل أهم جائزة عالمية، ومع أن التسييس يقف خلف الجائزة في بعض فروعها أحياناً؛ فإن عدداً كبيراً من الفائزين بها قد حققوا شهرة عالمية في مجالاتهم، وأصبحوا رقماً صعباً، يشار إليهم بالبنان، وتحرص وسائل الإعلام على الالتقاء بهم، ونقل تجاربهم للناس.
بين يدي كتاب يحكي تجارب الفائزين في الفرع الأدبي منها، عنوانه: مع كتاب نوبل: حوارات نادرة، ترجمة: حسين عيد، صدرت طبعته الأولى عن الدار المصرية اللبنانية، عام(2006م)، ويقع في (407) صفحات، ويشتمل على ثلاثة وعشرين حواراً مع خمسة عشر كاتباً، ينتمون لثلاثة عشر بلداً، تقع في خمس قارات، وبين هؤلاء امرأتان.
أجريت الحوارات مع بعضهم مرة واحدة، أو مرتين، أو ثلاث مرات، وتشارك اثنان في حوار واحد، وحصلوا على جائزة نوبل في الأدب في أزمنة مختلفة؛ فأولهم فوزاً كان في عام (1949م)، وآخرهم فاز بالجائزة عام (2006م)؛ ونقل المترجم هذه الحوارات من الإنترنت، ومن كتب مطبوعة، وأشار إلى المصادر في نهاية الكتاب.
ذكر المترجم في المقدمة أهم العناصر التي لاحظ أنها أثرت كثيراً في النشأة الأدبية لهؤلاء الكتاب، ومن ضمنها اهتمامهم بالفنون منذ الصغر، واستمرار هذه العلاقة الفنية في الكبر. ومنها الحكايات التي تقصها عليهم أسرهم وهم صغار، وخاصة ما كانت تحكيه الأم لأطفالها قبيل النوم. ومن العناصر المشتركة بين كثير منهم البدء بكتابة الشعر حتى أيقنوا بفشلهم فيه، فانتقلوا من المحاولات الشعرية إلى الإبداع الكتابي.
وتباينت لحظة النضج بين كاتب وآخر، فبعضهم يبلغ النضج مع ميلاد عمل مهم له، بينما كانت لحظة التحول عند آخر بعد تسريحه من العمل لأسباب سياسية، والثالث يعتبر أن ميلاد ابن معوق له كان علامة مميزة في مسيرته الأدبية، واكتشف آخر عالمه الأدبي حين انتقل إلى منطقة جغرافية جديدة، وبرز النشاط الكتابي عند الأخير بعد أن عاش مع فئة منبوذة في مجتمعه العنصري، واقترب من معاناتها وآلامها.
الحوارات ماتعة، ومفيدة، وقد اخترت منها ما يلي:
1. كل كاتب يستطيع إنجاز عمله بشكل أفضل في المرة القادمة.
2. سر الكتابة: 99% موهبة، 99% نظام، 99% عمل.(أي أن الاجتهاد يفيد من لا يملك الموهبة).
3. يحتاج الكاتب إلى ثلاثة أشياء: خبرة، وملاحظة، وخيال.
4. يعتبر الفنان قطعاً فوق الناقد، لأن الفنان يكتب شيئاً يحرك الناقد، أما الناقد فيكتب شيئاً سيحرك أي فرد إلا الفنان.
5. بعد الوصول إلى نقطة معينة يمكن أن تكون الصحافة تدميراً ذاتياً يومياً بالنسبة لكاتب جاد ومبدع.
6. كلما كان الكتَّاب أفضل قل حديثهم عما كتبوه بأنفسهم.
7. كلما توغلت في الكتابة أكثر زادت وحدتك أكثر.
8. إذا توقف الكاتب عن الملاحظة يكون قد انتهى.
9. تعتبر الكتابة عملاً آسراً يستحوذ على كيان الكاتب.
10. الكتابة حرفة صعبة تتطلب كثيراً من التركيز والنظام، والاستمرار.
11. يبدو لي أن عمل الكاتب يتطور نتيجة للحفر عميقاً بداخل ذاته.
12. يحتاج الكاتب إلى نظام صارم للبدء والتوقف في مواعيد محددة.
13. إذا لم يشعر الكاتب بالسرور في العملية الإبداعية فمن الأفضل له ألا يخاطر في تلك المناطق الوعرة.
14. الكتابة تدريب على صنعة، وهي عملية تتطلب جهداً وكدحاً، ويجب أن تواجه بصبر وتواضع.
15. إذا أصبحت الكتابة شاغلك الرئيس، وأعظم سرور لك، فلن يوقفها إلا الموت.
16. ليس لدى الكاتب المحترف وقت كي ينشغل بنجاح أو غنى.
17. من المزالق: أن يكتب الكاتب بالأسلوب الذي يرغبه الآخرون، أو يستخدم كلمة لمجرد إرضاء القراء.
18. الكتابة قد تُعِين على الشفاء من الأمراض!
19. الكتابة من أسباب السعادة.
20. الهاتف والزوار من منغصات عمل الكاتب (فكيف بفتنة الأجهزة الذكية؟).
21. تأكد قبل أن تحذف شيئاً من عملك الكتابي أن الحذف لن يظهر للقارئ كثقوب في العمل.
22. قد تنتج الكتابة العظيمة من إحساس عميق بالظلم.
23. يولد الكاتب الجيد بموهبة تكون كالموجه له والضابط لعمله إذا طورها.
24. عندما تتشبع من ظاهرة أو تخوض تجربة من جميع جوانبها فستجيد الكتابة عنها.
25. ينظر الكاتب في أعمال الآخرين لا ليقلدها، ولكن ليستوعبها، ويفيد منها.
26. كل عمل كتابي مؤهل لينجب عملاً آخر، وبذلك تتحسن عملية الكتابة.
27. إعادة كتابة العمل قد تزيد من جودته وإتقانه، فلا تأنف من التكرار والمراجعة.
28. يجب أن يكون من عادتك ككاتب أن تتجدد ذاتياً.
29. الخيال، والاستقلال، ومراعاة واجب الوقت، أمور مهمة للكاتب.
30. كتابة المذكرات من أفضل حلول حبسة الكاتب أو معضلة التوقف عن الكتابة.
31. السؤال عما أكتب كثير الهجوم على الكاتب، والحل بتدوين الأفكار، والقراءة، والملاحظة، واستثمار الوقت.
32. إذا تعبت من الكتابة فمارس هواية محببة لك كي تستعيد نشاطك.
33. كتابتك لن تغير العالَم لكنها ستحدث تأثيراً.
34. كلمة الكاتب سلاح في يده، وربما تكون سلاحاً في يد غيره.
35. إذا وقع الكاتب في حب عمله فسيبدع.
وأخيراً، فإن الكتابة عمل فكري مجهد، بيد أن ثمرته أكيدة، وتأثيره كبير، ولذا يزداد الحرص على نقل هذه التجارب، وتلخيص أهم الكتب التي تفيد الجيل الجديد من الكُتَّاب والكاتبات، عسى أن تكون دليلاً مفيداً لهم، وأن يستثمروا الوقت الذي تمنحهم إياه هذه الخلاصات؛ في مزيد من القراءة، والجد، ليكونوا مجاهدين مصلحين بالكلمة الحرة الصادقة القوية.
- الكاتب:
الأستاذ / أحمد العساف - التصنيف:
المركز الإعلامي