تجدر الإشارة إلى أن يهود هذا الزمان يبنون احتلالهم لفلسطين على مزاعم دينية وتاريخية، فيدّعون أن الله سبحانه وعدهم هذه الأرض، ويشيرون إلى ارتباطهم التاريخي بها بحكمهم إياها زمناً، وبوجودهم على أرضها، وارتباطهم النفسي والروحي بها، وقدسيتها عندهم. ونحن نؤمن بأن لليهود حريتهم الدينية، وليس من حق أحد أن يُكرههم على تغيير عقائدهم، ولكن ليس من حقهم أن يلزموا الآخرين بعقيدتهم. كما أنه ليس من حقهم أن يشردوا شعباً من دياره، ويغتصبوا أرضه وأملاكه ومقدساته تحت دعاواهم الدينية.
أما المسلمون فلا يرون لليهود حقاً في هذه الأرض، فمن ناحية دينية، فإن هذه الأرض أعطيت لبني إسرائيل عندما رفعوا راية التوحيد، واستقاموا عليها، تحت قيادة رسلهم وصالحيهم. ولكنهم انحرفوا وبدّلوا وقتلوا أنبياءهم، وعاثوا في الأرض فساداً بعد ذلك، ففقدوا تلك الشرعية. والمسلمون يؤمنون بأنهم الورثة الحقيقيون لراية التوحيد، وأنهم الامتداد الحقيقي الوحيد لأمة التوحيد ودعوة الرسل، وأن دعوة الإسلام هي امتداد واستمرار لدعوة إبراهيم وإسحاق ويعقوب وإسماعيل وموسى وداود وسليمان وعيسى …عليهم السلام. فالمسلمون الآن هم أحق الناس بهذا الميراث بعد أن انحرف الآخرون.
والمسألة غير مرتبطة بالجنس والنسل والقومية، وإنما مرتبطة باتباع المنهج، وعلى هذا فنحن المسلمين نؤمن بأن رصيد الأنبياء هو رصيدنا، وتجربتهم هي تجربتنا، وتاريخهم هو تاريخنا، والشرعية التي أعطاها الله للأنبياء وأتباعهم في حكم الأرض المقدسة هي دلالة على شرعيتنا وحقنا في هذه الأرض وحكمها. قال تعالى: "ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين. "إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين"، وقال تعالى: "ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بَني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون"، وقال تعالى: "وإذ ابتلى إبراهيمَ ربُّه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين". وهكذا فإن الله أخبر إبراهيم عليه السلام أن الإمامة والقيادة لا ينالها الظالمون من نسله وذريته، لأن الأمر مرتبط بالاستقامة على منهج الله، ولو كان الأمر مرتبطاً بالتناسل فلا ينبغي لبني إسرائيل أن يقصروه على أنفسهم، ولاستحق إسماعيل عليه السلام ونسله هذا الوعد الذي أُعطي لإبراهيم، ولاستحقه العرب المنتسبون إلى إسماعيل جد العرب العدنانية، ومنهم قريش وسيدها محمد صلى الله عليه وسلم .
أما من الناحية التاريخية، فإن حكم بني إسرائيل لفلسطين كان فترة ضئيلة ولم تتجاوز الأربعة قرون على أجزاء من فلسطين، وليس كلها. أما الحكم الإسلامي فقد استمر نحو 12 قرناً (636-1917م) قطعته لفترة ضئيلة الحروب الصليبية. وإذا كان معظم اليهود قد غادروا فلسطين، وانقطعت صلتهم الفعلية بها مدة 18 قرناً منذ (135م وحتى القرن العشرين) فإن أهل فلسطين الأصليين لم يغادروها طوال الأربعة آلاف وخمسمائة سنة الماضية، إلى أن طُرد عدد كبير منهم قسراً على يد العصابات الصهيونية عام 1948م، ولا يزالون إلى الآن يجاهدون لاسترداد أرضهم دون أن يتنازلوا عنها.
ثم إن أكثر من 80% من يهود هذا الزمان -حسب بعض الباحثين والعلماء اليهود أنفسهم وعلى رأسهم آرثر كوستلر A. Koestler صاحب كتاب القبيلة الثالثة عشر The Thirteenth Tribe: The Khazar Empire & its Heritage - لا يمُـتّون إلى بني إسرائيل ولا إلى فلسطين بأية صلة نسب أو تاريخ، لأن معظم اليهود المعاصرين هم من يهود "الخزر" الذين ترجع أصولهم إلى قبائل تترية - تركية قديمة استوطنت منطقة شمال القوقاز (جنوب روسيا) وتهودت في القرن الثامن الميلادي بقيادة ملكها بولان سنة 740م، وعندما سقط ملكهم انتشروا في روسيا وشرق أوربا، وهم ما يعرف الآن باليهود الأشكناز، فإن كان لهم ثمة حق في العودة فليعودوا إلى جنوب روسيا !!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"القضية الفلسطينية خلفياتها وتطوراتها حتى سنة 2001" د. محسن محمد