يشعر الناس في أحيان كثيرة بالارتباك تجاه التعامل مع الأزمنة الثلاثة: الماضي والحاضر والمستقبل، فمنهم من يريد للمستقبل أن يكون صورة من الماضي، وإذا لم يكن كذلك، فإنه يشعر بالأسى، ومنهم من يغرق في الحاضر: متعه وملذاته وهمومه ومشكلاته، وليس لديه وقت ولا طاقة للنظر في ماض ولا مستقبل، ومن الناس من ضيع الحاضر طلبا لمستقبل لا يعرف كيف ومتى يصل إليه؟!
قد يقول أبنائي وبناتي: كيف نهتم بالمستقبل؟ ولماذا؟ وكيف نوازن بينه وبين الحاضر؟
والجواب على هذه التساؤلات يكمن في المفردات الخمس الآتية:
1 ـ إن الله تعالى أوصانا أن ننظر إلى الأمام وأن نرقب الغد حين قال: {يأيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون}(الحشر:11).. والحقيقة أن المسلم الملتزم مستقبلي من الطراز الرفيع؛ لأنه يضبط كل حركته وفق ما هو مطلوب للنجاة في الآخرة.. هذا هو الأصل، وعلينا أن نتشبث به.
المستقبل الحقيقي ـ أيها الأعزاء والعزيزات ـ ليس في الدنيا، وإنما في الآخرة؛ لأنه المستقبل الأبدي الذي يتلاشى معه الزمان، وهو متجدد إلى ما لا نهاية، وهذه الحقيقة يجب أن تظل متألقة في أذهانكم، اعقدوا العزم عند كل مشرق شمس أن يكون يومكم في سبيل الله، ومن أجل مرضاته، وبهذا تكونون عاملين من أجل المستقبل.
2 ـ تريدون مستقبلا مشرقا؟ المستقبل المشرق له طريق واحد، وهو أن تحسنوا القرارات التي تتخذونها اليوم، وأن تجعلوا حركتكم اليومية في الاتجاه الصحيح، والحديث عن مستقبل زاهر من غير واقع جيد وناهض عبارة عن خداع للنفس، وهو وهم كبير يقع فيه كثير من الناس.. هؤلاء الناس كثيرا ما يكون مستقبلهم عبارة عن علامة استهزاء بماضيهم، وهؤلاء كلما نضجوا وتحسن وعيهم ينظرون إلى أوضاعهم وتطلعاتهم السابقة باستخفاف، وكل ذلك بسبب عدم الاهتمام بالحاضر على النحو المطلوب.
3 ـ حاولوا يا أعزائي وعزيزاتي، أن تمتلكوا أعلى درجة من وضوح الرؤية، حددوا أهدافكم بدقة، واجتهدوا في معرفة الطرق الموصلة إليها، ولتكن تلك الأهداف وسائل لبلوغ الهدف الأسمى وهو الفوز برضوان الله تعالى..
من غير تحيد للأهداف الجادة والواضحة فإن أقواتكم ستضيع سدى، كما هو شأن كثير من شباب الأمة، كما أن الطاقات الهائلة التي تمتلكونها ستظل كامنة هاجعة، وستجدون أن الحديث عن (تطوير الذات) شيء لا معنى له..
إن الاستفادة من الوقت والعمل بأقصى طاقة من الأمور الشاقة على النفس، فإذا لم يكن لدينا هدف عزيز نؤمن به بقوة فإننا لن نضحي، ولن نجاهد أنفسنا، ولن نضغط عليها. أضيفوا إلى هذا أننا من غير أهداف واضحة سنجد أنفسنا منجذبين إلى أداء الأشياء السهلة ـ وأحيانا التافهة ـ عوضا عن الاشتغال بالأمور المهمة والعظيمة.
4 ـ بعض الناس ـ يا أبنائي وبناتي ـ يعيش حاضره، وهو في حالة ذهول عن نفسه: إنه لا يستمتع بالأشياء التي بين يديه، وكلما توفر معه مبلغ من المال وضعه في مشروع جديد مع التقتير على نفسه وعلى أسرته، وكل ذلك من أجل المستقبل، وحين يترك مرحلة الشباب خلف ظهره سيشعر بأن قدرته على الاستمتاع بما جمعه من مال وبما لديه من متاع قد تراجعت إلى أبعد الحدود.. وهذا الفريق ينطبق عليه تحذير من قال: "لا تكن مثل من يقضي الشطر الأول من حياته في اشتهاء الشطر الثاني، ويقضي الشطر الثاني في التأسف على الشطر الأول"!!.
عيشوا كل أيامكم في طاعة الله، ورفهوا عن أنفسكم في إطار المباح، ولا تضيعوا حاضرا من أجل مستقبل، ولا مستقبلا من أجل حاضر، وفي التوسط والاعتدال يكمن الكثير من الأشياء الجميلة.
5 ـ هناك خطور في أن يكون نظرنا إلى المستقبل واهتمامنا به عبارة عن هموم جاثمة على صدورنا ومخاوف تجتاحنا، وخواطر سوداء تزعجنا وتقلقنا، وهذا ما يحدث فعلا كلما سيطر علينا الكسل والغموض والفوضى.
فلنحارب هذا الثالوث النكد، حتى يتحول المستقبل إلى مصدر للأمل وحافز على العمل، وإلى مرشد نحو الطريق القويم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كتاب "50شمعة لإضاءة دروبكم"
- الكاتب:
د. عبدالكريم بكار - التصنيف:
قضايا شبابية