قبل أن نذكر بعض الأحاديث المنسوخة في الجنايات والقصاص والأحاديث الناسخة لها، يجدر بنا أن نشير إلى طرق معرفة الناسخ من المنسوخ، حيث تنحصر في ثلاثة أمور:
1- التصريح من رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك: كحديث بريدة رضي الله عنه في صحيح مسلم وفيه: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكر الآخرة).
2- النص على ذلك من أحد الصحابة رضوان الله عليهم: كقول جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: "كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار" أخرجه أصحاب السنن، وقال الزهري: "كانوا يرون أن آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الناسخ للأول".
3- معرفة التاريخ: كحديث شداد بن أوس رضي الله عنه في سنن أبي داود: (أفطر الحاجم والمحجوم)، فقد جاء في بعض الطرق أن الحديث كان في زمن الفتح، فنُسخ بحديث ابن عباس رضي الله عنهما: "أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم صائم في حجة الوداع" رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
نسخ جواز التعذيب بالنار
المنسوخ والناسخ: عن حمزة بن عمرو الأسلمي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثَه ورهطًا معه في سريةٍ إلى رجلٍ فقال: (إن أدركتموه فأحرقوه بالنار). قال: فلما دنوا من القوم إذا بعض رسله في آثارهم فقال لهم: (إن أدركتموه فاقتلوه، ولا تحرقوه بالنار، فإنما يُعذِّب بالنار رب النار) رواه أحمد وأبو داود والبيهقي بإسناد صحيح.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقيه في سرية فقال: (إن وجدتم هبّار بن الأسود فاجعلوه بين ضَرْمتي حطبٍ وأحرقوه)، ثم بعث إليهم: (أن لا تعذبوا بالنار، لا يُعذِّب بالنار إلا رب النار) رواه أبو داود بسند صحيح.
نسخ جواز التمثيل بالقاتل الذي مثّل بغيره
المنسوخ: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "أتى النبي صلى الله عليه وسلم رهطٌ من عُرَينة، فقالوا: يا رسول الله، قد اجتَوَينا المدينة فعظِمت بطوننا -أي لم يناسبنا طعام المدينة فمرضنا-، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يلحقوا برعاة الإبل فيشربوا من ألبانها وأبوالها، قال: فلحقوا برعاة الإبل فشربوا من ألبانها وأبوالها واستاقوا الإبل وقتلوا الرعاة، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فبعث في طلبهم، فجيئ بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسَمَر أعينهم" رواه البخاري ومسلم.
وفي رواية لأنس أيضا قال: "إنما سَمَل النبي صلى الله عليه وسلم أعين أولئك لأنهم سَمَلوا أعين الرعاة".
في الحديثين إباحة المُثْلة بمن مثّل بغيره: العين بالعين والسّن بالسّن.
الناسخ: عن عمران بن حُصَين رضي الله عنه قال: "ما خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أمرنا بالصدقة ونهانا عن المُثلة" رواه مسلم.
وعن عبد الله بن يزيد الأنصاري رضي الله عنه قال: "سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن النُّهبى والمُثْلة" رواه البخاري.
في هذين الحديثين نسخ لجواز المُثلة بمن مثّل بغيره، وإنما مثّل النبي صلى الله عليه وسلم بالعُرَنيين لأنهم ارتدوا عن الإسلام، ثم نسخه صلى الله عليه وسلم بعد ذلك.